أيُّ فتى ً وورِي في التُّربِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أيُّ فتى ً وورِي في التُّربِ | قضى ولم أقضِ به نَحْبي؟ |
زوّدني بعد فراقي له | ما شاءت الأحزانُ من كربِ |
قلتُ لرَكْبٍ قال لي إِنه | ذاق الرّدى أُرجلتَ من رَكْب |
ولا رَعَتْ عيسُكَ في منزلٍ | نزلتَه شيئًا منَ العُشبِ |
ولا يزلْ فوك وقد قال ليْ | ما قالَ مملوءًا منَ التربِ |
قد ضرّني الصّدقُ فمنْ ذا الّذي | ينفعني يا قومُ بالكذبِ؟ |
نعيتَ ـ لا بُوعدتَ من سيِّىء ٍ ـ | أفضلَ من قلبي إلى قلبي |
رمحي الّذي يفرِي نحورَ العدى | وفي جِلادي هُوَ لي عَضْبي |
فكمْ له دونِيَ من موقفٍ | آمنني فيه من الرُّعبِ |
ولم يكن لي وهْوَ في قبضتي | على المُنى شيءٌ منَ العَتْبِ |
ما قنعتْ إلاّ به هِمَّتي | ولم أقُلْ إلاّ بهِ حَسْبي |
وعاضَني مِن حَرِجٍ ضَيِّقٍ | عليَّ بالإفساجِ والرُّحْبِ |
هو الرّدى يأخذ من بيننا | إذْ همّ مَنْ شاء بلا ذنْبِ |
وليس يُسطاع دفاعٌ له | بالطّعنِ بالرُّمْح ولا الضّرب |
إنْ يبغِ مَحجوبًا فما إنْ له | مِن دونهِ شيءٌ منَ الحُجْبِ |
أو شاءَ أن يأخذَ ذا هَضْبة ٍ | عالية ٍ فهْوَ بلا هضْبِ |
بزَّ اليمانيِّينَ تيجانَهمْ | من دونها أردية ُ العَصْبِ |
واستلَّ من كسرى بإيوانِهِ | أطواقَه الحُمرَ مع القُلبِ |
ولم تزلْ تدخُلُ رُوَّادُهُ | من مُضَرٍ شِعْباً إلى شِعْبِ |
وشرَّدتْ أصحابَه بطشَة ٌ | منه بِهمْ فهْو بلا صَحْبِ |
ولفّهُم لفّاً بأيدي القنا | لفَّ الصِّبا للغُصُنِ الرَّطْبِ |
كأنّهمْ تزهر أجداثُهُمْ | ذوائبٌ خرّتْ من الشهب |
وكم سَطا فيهمْ بأُسْدِ الشَّرى | ومُطعمِي الأضيافِ في الجَدْبِ |
قلْ لامرىء ٍ يطمعُ في خُلدِهِ | فهْوَ غَفولٌ آمنُ السِّربِ |
ليس كما قدّرتَه إنّما | خُلقتَ للتُّربِ منَ التُّربِ |
لا ترجُ أنْ تَنْجُوَ مَشيًا وقد | بغاك باغٍ واسعُ الوثْبِ |
تنال كفّاه إذا مُدَّتا | مَن كان في بُعدٍ وفي قُرْبِ |
يا نائيًا عنِّي ومن مُنْيتي | أنْ بِعْتُ بُعدي منه بالقُربِ |
كم لكَ عندي من إيادٍ مضَتْ | بيضًا وإنْ كنتَ منَ الشُّحْبِ |
واللّيلُ كالصُّبحِ لنفعِ الورَى | والسُّمرُ كالبيضِ لدَى الحربِ |
وما جرى في النّاس شيءٌ لهمْ | مَجرَى سوادِ العين والقلبِ |
والقزُّ في الصُّفرة ِ مخلوقة ً | خيرٌ لباغيهِ من العُطبِ |
فافخرْ على القومِ الأُلى سُوِّدوا | في الشَّرق إِنْ شئتَ وفي الغربِ |
فليسَ فيهمْ كلَّهمْ واحدٌ | سادَ جميعَ العُجْمِ والعُرْبِ |
لم تألفِ السُّوءَ ولا بتَّ في | ناحية ِ القذفِ ولا الثَّلْبِ |
ولم تعُجْ باللّهوِ في خلوَة ٍ | ولا مزجتَ الجِدَّ باللِّعبِ |
وكلّما نِلْتَ بها رُتبة ً | حَمَيْتَ فيها جانِبَ الجُنْبِ |
كم كنتَ للأملاكِ كهفاً وكمْ | حَمَيْتَهُمْ بالمُلك من خَطْبِ |
وكم تلافيتَ بتفكيرة ٍ | صافية ٍ شَعْباً من الشَّعْبِ |
كانوا ومن رأيك "آراؤُهُمْ" | مثلَ رَحى دارتْ على قُطْبِ |
قد دَرَّتِ الدُّنيا لهمْ مرّة ً | وأيُّ درٍ ليس بالحَلْبِ؟ |
كم ذا تداركتَ اعوجاجاً لهمْ | على ظهورِ الضُّمَّرِ القُبِّ |
يطوين يحملن الرّدى للعدى | سَهْبًا منَ الأرضِ إلى سَهْبِ |
وكلّما زاحَمْنَ في غَمرة ٍ | شوكَ القنا السّمر على إرْبِ |
كُسِينَ أَجلالاً بنسج القنا | منَ النَّجيع الأحمر العَصْبِ |
سقى الذي أصبحتَ رهناً به | من الثَّرى أندية ُ السُّحْبِ |
ولا سمعنا لخريقٍ به | صَوتًا ولا زَعْزَعَة َ النُّكْبِ |
ولا يزلْ تُنضَحُ حافاتُهُ | منَ الحَيا بالباردِ العَذْبِ |
حتّى يُرى من بينِ أجداثِهمْ | رَيّانَ ملآنَ من الخِصْبِ |
فليس مُلْقًى في الثَّرى مَيّتًا | مُوسَّدَ الكفِّ على الجنْبِ |
مَنْ طار في الآفاق ذكرٌ لهُ | وسار بالأقلامِ في الكتبِ |
فالحقْ بمن سَمَّى لنا نفسَهُ | بأنَّه يعفو عنِ الذَّنبِ |
فما أتتْ كفّاكَ من سيّءٍ | يضيقُ عنهُ كرمُ الرّبِ |