من أين زرت خيالَ ذاتِ البرقعِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
من أين زرت خيالَ ذاتِ البرقعِ | والرّكبُ سارٍ في جوانبِ بَلْقَعِ؟ |
كيف اهتديت ولاصوى ً لولا الهوى | أغراك في جنحِ الظلامِ توضعي؟ |
ومنَ العجيبة أنْ يُلمَّ مُصحَّحٌ | مادبّ فيه سقامه بالموجعِ |
في معشرٍ لهُمُ الثَّرى فُرُشٌ، ولمْ | يَتَوسَّدوا غيرَ الطُّلَى والأذرُعِ |
سكنوا قليلاً بعد أن كانوا على | طول الدجى من موجفٍ أو موضعِ |
وأصارهم طولُ السُّرى من غير أن | عَرفوا الكلالَ إلى قوائمَ ظُلَّعِ |
خوص كأمثال القسى ّ ومالها | يومَ الرِّماية ِ لامرىء من مِنْزَعِ |
لم تترك الرّوحات فوق ضلوعها | وقد التَوَيْنَ بهنَّ غيرَ الأضلُعِ |
فكأنهن من البلى أشطانها | أو أنسعٌ تمشي إليك بأنسعِ |
عجلان قد ولت عسا كره وقد | همَّ الصَّباحُ ورأسُه لم يطلُعِ |
رقت غلائله لنا فكأنه | للمبصرين إليه هامة ُ أنزعِ |
حيثُ النَّدى ثاوٍ بهِ لم يُفتَقَدْ | والمجدُ مُعتنقٌ به لم يُنزَعِ |
والسؤوددُ الضّخمُ الخصمُّ وكلّما | يرويك من بحرا لفخار المترعِ |
ولقد فخرتَ على الملوك جميعهم | والطّعنُ يتركُ كلَّ بُرْدِ في الوغى |
ومحاسن لم يقطنوا بشعابها | كلا ولا اجتازوا لهن باجرعِ |
وبلوتهمْ فسبَقَتَهمْ وفَرَعْتهمْ | فضلاً وأيُّهم عُلا لم يفرعِ |
فإذا هُمُ قبِسوا إليك فمثلُ مَنْ | قاسَ الذِّراعَ طويلة ً بالأذرُعِ |
للهِ دَرُّك في مقامٍ ضَيِّقٍ | أبدلتَهُ بتفسُّحٍ وتوسُّعِ! |
بالضَّربِ في هامٍ هناك وأذرُعِ | والطّعن في ثغر هناك وأضلعِ |
والخيلُ عادية ٌ بكلِّ مُخفَّفٍ | عار من الجبن اللئيم مشيعِ |
ما ريعَ قطُّ ولم يكن في خُطَّة ٍ | نكراءِ إلا كان عزَّ الاروعِ |
في غلمة ٍ نبذوا الفرار وهاجروا | في مطمع العلياء كلِّ تودعِ |
متهجمين ولاتَ حين تهجمٍ | متسرِّعينَ ولاتَ حينَ تسرُّعِ |
لامطعمٌ إلاّ الجميلُ ومالهمْ في | حيث لا يرد الفتى من مكرعِ |
حتى رددت الموت عنا مخيباً | مانالَ منْيَتَهُ بأنفٍ أجدَعِ |
وأنا الذي لمّا اشتكيت موكلٌ | بي كلُّ أدوءِ الورى لم تقلعِ |
ومزعزعٌ تشكو حشاهُ خِيفة ً | ومروعٌ تجري حذاراً أدمعي |
ومذ اشتكيتَ فبالحضيضِ مُعَرَّسي | وعلى القَضيض تقلُّبي في مضجعي |
ولو أن أمرى نافذٌ في صحتي | لبذلت منها كلّ مالي أو معي |
لامتعة ٌ لي بالذي لم تلفه | وبأنْ كُفِيتَ -وإن دُهيتُ تمتُّعي |
ويهونُ عندي أنْ تكونَ مُصَحَّحاً | ومنَ الضَّنى حِيكَتْ لجسمي أدرُعي |
وإذا صَحَحْتَ فكلُّ شيءٍ نافعي | وإذا اعْتلَلْتَ فليس شيءٌ مُقنِعي |
حتى أتاح اللهُ الذي لم يشجنا | إلا اجتياز لمام خطب مسرعِ |
مازارنا إلاّ كما زارَ الكرَى | بالليل جفن الخائف المتروع |
ولقد رمَى الرّحمانُ في أوصالهِ | لمّا أتَى بتبدُّدٍ وتَذَعْذُعِ |
وتقطُّعٍ لولا سعادُتك التي | ملأت حريمك كان غير مقطعِ |
ولقد نفعت بأن ضررت وكم لنا | نفعٌ يزورُ رباعَنا لم يَنفعِ |
ولو ألمعت على ضمير فيك لي | أبصرتَ منهُ تقسُّمي وتروُّعي |
وبلابلاً شوهدن لولا أنني | غطَّيتُها بتجمُّلي وتَصنُّعي |
فبأيِّ سِرٍّ ما رأيتَ كآبة ً | أم أيُّ قلبٍ فيكَ لم يتطلَّعِ |
فاشكرْ جميلاً نلتَه ومُنِحْتَه | فالشّكرُ رَبْطُ تفضُّلٍ وتبرُّعِ |
ولو أنني أعطي الخيارَ لكان في | رَبْعٍ حَلَلْتَ تقلُّبي وتربُّعي |
واعتضت عندك من شبابٍ فاتني | بمصايرٍ وأواصر لم تجمعِ |
وأخذتُ ثاراتي منَ الزَّمنِ الذي | فإذا نطقتُ أبَى عليَّ تكلُّمي |
فأحقُّ بابٍ بابُك المعمورُ بي | وعليه طولُ توقفي وتضرعي |
فهُوَ العَتادُ لآمنٍ أو خائفٍ | إنْ زارَهُ وهُو المُرادُ لمُزمِعِ |
فمتى ألفتُ فمن فِنائك مألفي | وإذا رتعتُ ففي رياضك مَرْتَعي |
ولوَ انَّ شملي باتَ مُلتفّاً بهِ | ما كانَ شَمْلي قطُّ بالمتصدِّعِ |
وحللتُ عندكَ رُتْبة ً لاتُرتَقَى | في خيرِ منزلة ٍ وأشرفِ موضعِ |
ولو استطعت نفضت كل إقامة في | إلاّ على الكَنَفِ الرَّحيبِ الأوسَعِ |
في حيثُ لاتَسري الأذاة ُ بمضجعي | طول الحياة ولا القذاة بمدمعي |
ولئنْ بَعُدتُ محلَّة ً فتقرُّبي | بتوددي وتشوقي وتطلّعي |
ولقد دُعيتُ فما سمعتُ ولم يكنْ | إلاّ نِداؤك وحدَه في مَسمعي |
فإذا نطقت أبى على ّ تكلمني | وإذا جرعتُ أبَى عليَّ تجرُّعي |
يارافعَ الآدابِ رفِّعني إلى | حيث اقتضاه تصعدي وترفعي |
لاتمزجنِّي بالذّين تراهمُ | فالنبع ممزوجٌ بغير الخروع |
كم بين قولٍ فيالصدور وقولة ٍ | هبت بها نكباء ريحٍ زعزعِ |
وإذا رضيت مقالتي فلهينٌ | مَن صمَّ عنها مُعرِضاً لم يَسمعِ |
وإذا رضيت فضيلة لي لم أبل | من نام عنها من عيون الهجَّع |
خُذها كما وَضَحَ النّهارُ لمبصرٍ | وافترِّ روض غبَّ غيثٍ مقلعِ |
غرّاءَ تحسَبُها نجاحَ لُبانة ٍ | هبت عليك من النواجي النسّعِ |
ومتى أرادَ رُواتُها طيّاً لها | نمَّتْ على إحسانِها بتضَوُّعِ |
كم لي عليها من حسود شاعرٍ | شَغَفاً بها أو من خطيبٍ مِصْقَعِ |
والشِّعرُ ماقُضِيَتْ حقوقٌ جَمَّة ٌ | فيه لسامي الكبرياءِ سَمَيْدَعِ |
والخيرُ فيه إذا انزوى عن منكبٍ | والشّرُّ فيه متى يقل في مطمعِ |
ولأنت أولى بالقريض من الورى | وبطوقه وبتاجه المترصعِ |