أمِنْ أجلِ أن أعفاك دهرُكَ تطمَعُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أمِنْ أجلِ أن أعفاك دهرُكَ تطمَعُ | وتأمن في الدنيا وأنتَ المروعُ؟ |
فإنْ كنتَ مغروراً بمن سمحتْ بهِ | صروف الليالي فهي تعطى وتمنعُ |
شفاءٌ وأَسقامٌ وفقرٌ وثَرْوَة ٌ | وبَعْدَ ائتلافٍ نَبْوَة ٌ وتصدُّعُ |
تأمل خليلي هل ترى غير هالكٍ | وإلاّ مُبَقّى ً هُلْكُهُ مُتَوقَّعُ؟ |
فما بالُنا نَبْغي الحياة َ وإنَّما | حياة ُ الفتَى نَهجٌ إِلى الموتِ مَهْيَعُ؟ |
لنا كل يومٍ صاحبٌ في يد الردى | وماضٍ إلى دارِ البِلى ليس يرجعُ |
ومغنى جميعٍ فرّق الدّهر بينهم | ودارُ أنيسٍ أوْحَشَتْ فَهْيَ بَلْقَعُ |
وقيدَ إلى الأجداث عادٌ وتبعُ | |
وآل نزار زعزعت من عروشهم | بأيدي الرَّزايا السُّود هوجاءُ زَعْزعُ |
ولم يبق من ابناء ساسان مخبرٌ | ولم يبدُ من أولادِ قيصَرَ مُسمِعُ |
ولم ينجهم منه عديدٌ مجمعُ | |
ولم ينجهم منه عديدٌ مجمعُ | ولم يثنهم عنه مشيدٌ مرفعُ |
فلا معصم فيه سوارٌ معطنٌ | ولامَفْرَقٌ يَعلوهُ تاجٌ مُرَصَّعُ |
كأنهمُ بعد اعتلاءِ وصولة ٍ | أديمٌ مفرى أو هشيمٌ مذعذعُ |
وليس لهم إلا بناءٌ مهدمٌ | وركنٌ بمرِّ الحادثات مضعضعُ |
وقطَّعَ عنِّي معشري وأصادِقي | وشملُ امرئ فات الردى متقطعُ |
وكانوا وعزَّاتُ الزَّمانِ ذليلة ٌ | لديهم وأجفان المنياتِ هجعُ |
متى أعجموا كانوا الصّخور وإن هم | دُعُوا يومَ مكروهٍ أجابوا فأسرعوا |
وإن شهدوا الهيجاء والسّمر شرَّعٌ | فذاك عرينٌ لا أبا لك مسبعُ |
تفانَوْا فماضٍ بانَ غيرَ مُودَّعٍ | تعاجَلَهُ صرفُ الرَّدى أو مودَّعُ |
ألا قل لنا عى جعفر بن محمد | واسمعني ياليت لم أكُ أسمعُ |
فما لكَ منِّي اليومَ إلاّ تَلَهُّفٌ | وإلا زفيرٌ أو حنينٌ مرجعُ |
وإلا عضاض للأباهمِ من جوى | وهل نافعٌ أنْ أُدْمِيَتْ ليَ إصبعُ |
ولو كانتِ الأقدارُ تُوقَى وَقَتْك من | نيوب الردى أيد طوال وأذرعُ |
كرامٌ إذا ضنَّ الغمامُ تدفقوا | وإنْ أقحطَ العامُ الشّماليُّ أمْرَعوا |
وإن طلبوا صعباً من الأمر أرهقوا | |
معاقلهم مافيهم من بسالة ٍ | وليس لهم إلا القنا السُّمر أدرعُ |
وبيضاً تراهن العيون وعهدها | بَعيدٌ بأَيمانِ الصَّياقلِ تلمعُ |
ومافيهم والحربُ تقتنص الطّلى | بأيدي الظُّبا إِلاّ الغلامُ المُشَيَّعُ |
صحبت به عصر الشبابِ وطيبه | وكنت إلى نجواه في الهمِّ أفزعُ |
وللسِّرِّ منّي بينَ جنبيهِ مَسكَنٌ | حميٌّ أبيٌّ شاحِطٌ مُتمنِّعُ |
وكم رامه مني الرجال وإنما | يرومون نَجماً غارباً ليس يطلعُ |
ولم أسلهُ لكن تجلدت كي يرى | شموتٌ بحزني أنّ صدريَ أوسعُ |
وقالوا: عهدنا منك صبراً وحسبة ً | وفي الرُّزءِ لا يجري لعينيك مدمعُ |
فقلت مصيبات الزمان كثيرة ٌ | وبعضُ الرّزايا فيه ادهَى وأوجعُ |
ذكرتك والعينان لاغرب فيهما | فلم تبق لي لمّا ذكرتك أدمع |
ومازُلتَ عن قلبي وإنْ زُلتَ عن يدي | وقد تنزعُ الأقدارُ ماليس يُنزعُ |
فإن ترق عيني من بكاءِ تجملاً | فمن دونها قلبٌ بفقدك مُوجَعُ |
ومابعد يومٍ أمطرتك مدامعي | لعيني مبكى أو لقلبي مجزعُ |
وكم قلَّبتْ كفّايَ من ذي مودَّة ٍ | فلم يلقني إلا الملوم المقرعُ |
عرفتك لمّا أن وفيت وماوفوا | وحين حفظتَ العهدَ منِّى وضيعوا |
فنعمَ مُشيراً أنتَ والرَّأيُ ضيِّقٌ | ونعم ظهيراً أنت والخطب أشنعُ |
وإنّ غناء بعد هللكك أصلمٌ | وإن وفاء بعد فقدك أجدعُ |
وليس لإخوان الزمان وقد سقوا | فراقك صرفاً من يضر وينفعُ |
عهدتُك لاتعْنو لباسٍ ولم تَبِتْ | وخدك من شكوى الشدائد أضرعُ |
وعزَّ على قلبي بأنَّك مُفردٌ | أُناجيك لَهْفاً نائماً ليس تسمَعُ |
وأنَّك مِن بعدِ امتناعِ وعزَّة ٍ | تُحَطُّ على أيدي الرِّجالِ وتُرفعُ |
فمالك مهجوراً وأنتَ مُحبَّبٌ | ومالك مبذولاً وأنت الممنعُ؟ |
وقد كنت صعباً شامس الظهر آبياً | وأنت لرحل الموت عودٌ موقعُ |
وما ذاك عن عجزٍ ولا ضَعْفِ قوّة ٍ | ولكنَّه الأمرُ الذي ليس يُدفعُ |
وماسرني أني نبذتك طائحاً | بغبراء لاتدنو ولاتتجمعُ |
وأودعت بطن الأرض منك نفيسة ً | وهلْ مُودَعٌ في التُّربِ إلاّ المُضَيَّعُ؟ |
سقى قبرك الثاوى بملساء قفرة ٍ | غزائرُ من نسجِ العشيَّاتِ هُمَّعُ |
كأنَّ السَّحابَ الجَوْنَ يَنطِفُ فوقَهُ | ركائبُ يحملْنَ الهوادجَ ضُلَّعُ |
ولازال مطلولَ التراب وحوله | منَ الرَّوض مُخضرُّ السَّباسبِ مُمْرعُ |
وجيد بريحانٍ وروحٍ ورحمة ٍ | وناء بمافيه الشفيعُ المشفعُ |