لَقَلَّ غَناءُ العَتْبِ والمجرِمُ الدّهرُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
لَقَلَّ غَناءُ العَتْبِ والمجرِمُ الدّهرُ | و ضلتْ أمانٍ لا يبلغها العمرُ |
لعمرُ العلا لا ظلتُ طوعَ شكية ٍ | و إنْ كان قلبي ما يحلُّ به وترُ |
لك اللهُ قلباً ما أقلّ اكتراثه | بما يتفادى من تحملهِ الصبرُ ! |
تمرُّ العطايا لاتكشِّف ناجذي | وتأتي الرَّزايا وهْيَ من جَزَعي صِفْرُ |
و سيانُ عندي ثروة ٌ وخصاصة ٌ | قنوعيَ إثرائي وللجزعِ العسرُ |
هجرتُ فضول العيشش إلاّ أقلها | و في القوم من يطغى على حلمه الوفرُ |
أعفّ وأسبابُ المطامع جمة ٌ | و أعلم والألبابُ يخدعها " المكرُ " |
لكلّ زمانٍ خطة ٌ من مذاهبي | و أشقى الورى من " لا يصرفه " الدهرُ |
و لم أرَ من يهي عند شدة ٍ | ويأخذُ مِن وافي تجلُّدهِ الضُّرُّ |
صَمَتُّ ولم أصمتْ وفي القول فضلة ٌ | وقلتُ فلم يأنسْ بمنطِقَي الهُجرُ |
وإنّي قليلُ الرَّيثِ فيما يُريبُني | لذاك ركابي ليس يحظى بها مصرُ |
غنيٌّ بنفسي عن عديدي ومعشري | وإنِّيَ مَن يُلقى على غيرِه الفخرُ |
و مولى ً كداء القلب أعيا دواؤه | يُجشِّمُني مالا ينوءُ به ظَهرُ |
طَوى غنِّيَ الإنصافَ من غيرِ ريبة ٍ | ومابي إلى الإنصاف مِن أحدٍ فقرُ |
ألا ليت شعري هل أرى غير صاحبٍ | عليَّ تلظى سره وليَ الجهرُ |
فما أمتري إلاّ وفاءً مُصرَّداً | مَذيقاً يُنادي من جوانبهِ الغَدْرُ |
إذا ما ترامتْ بي سَجايا مُخاللٍ | فأهونُ ماترمي يدايَ لهُ الهَجْرُ |
صديقُكَ من أرضى مَغيبَك قولُهُ | ولم يَعْرُهُ من فخِ عهدِك مايَعْرو |
أما وأبى ما بتُّ طوعَ مضيمة ٍ | و قد عرفتني نفسها البيضُ والسمرُ |
أبَيْتُ انْقياداً للأنامِ بِحَبْلِهِ | وذاك صَنيعٌ يستجيبُ له الشُّكرُ |
يودّ رجالٌ أن أهشّ إليهمُ | و قلّ عن الشحناء ما ينفع البشرُ |
وآنسَ بي مَنْ لا يلينُ قيادُه | خلائقُ طالتْ أنْ يُطاوِلَها ذِكرُ |
و مما نفى عن شيمتي الكبرَ فيهمُ | يقيني بانّ الكبرَ آفته الكبرُ |
عدِمتُ المُنى ما أكدرَ العيشَ عندَها | ولولا المَنى ما استنجدَ السَّفَرَ السَّفْرُ |
و من عمرتْ دارُ المنى من همومه | تمادى وربعُ المجد من مثله قفرُ |
وما كَلَفي بالعمرِ أهوَى وُفورَه | و عند الفناءِ يستوي النزرُ والدثرُ |
و داء الورى حبُّ الحياة وشدّ ما | تفاقَمَ خطبُ الدّاء ماكانَ لا يبرُو |
بنفسِيَ مَن لا يقبضُ اللّومَ سمعُه | و لا يجتنى من فرع منطقه عذرُ |
جريءٌ إذا ضاق العراك بأهلهِ | مليءٌ إذا أكدى من الأملِ الصدرُ |
أحبُّ من الفتيان كلَّ مشيَّعٍ | عصيٍّ فلا نهيٌ عليه ولا أمرُ |
يجرُّ أمامَ الرَّكبِ فضلَ قناتهِ | و لا قلبَ إلاّ قد تملكه الذعرُ |
ينال الصدى منه ويحمى نطافهم | حِفاظٌ على الضَّرّاءِ مركبُه وعْرُ |
ومُستوهلٍ لا يألفُ المجدَ فعلُه | إطاعتُه باعٌ وغايتُه فِتْرُ |
يمدّ إلى العلياءِ عيناً كليلة ً | ويبسطُ كفّاً ليس يعرفُها النّصر |
متى يشرعِ الخَطِّيُّ يطلبُ نحرَهُ | فكلُّ مكانٍ من جوانبه نحرُ |
أقول له والرعبُ يصبغ لونه | و أنفاسه يهفو بجريتها البهرُ |
سيعلمُ مَن بالظَّنِّ يُحيي رجاءَهُ | بأنّ " مباراتي " لآماله قبرُ |
و لي وطرٌ ينجى الجيادَ ادّ كارهُ | و لم يشقَ مني في تذكرهِ فكرُ |
سأُعطي المطايا مانَوَتْه إلى النَّوى | فما عاقني وصلٌ ولاراعني هَجرُ |
إذا ما نضتْ أرضُ العراقِ ركابنا | فقُلْ للمهاري: يومُ تعريسِكِ الحشرُ |
لبستُ بها البيداءَ واللّيلُ نافرٌ | و قد كاد أنْ يفترَّ عن ثغره الفجرُ |
و مال الدجى يخفي عن الشرقِ شخصه | و في قبضة ِ الآفاق من جسمه طرُ |
أقول لصحبي والكرى مترددٌ | يبدده همٌّ وينظمه فرُ |
وقد عَطفتْ أيدي الكَرى من رقابهمْ | كما عطفتْ أعطافَ شارِبها الخَمرُ |
عيونُ الدجى أحنى على المجد منكمُ | فما بالُها تَرْنو وأجفانُكمْ فتْرُ |
سألتُكمُ بالله لا تَتَثاقلوا | على عَلَل الآسادِ أو يطلعَ البدرُ |
وملومة ٍ يغشى النهارَ غُبارُها | لها لَجَبٌ كالرِّيح هايجَها القَطرُ |
حَملنا إليها الموتَ والبيضَ والقَنا | بأيدٍ دمُ الأبطالِ في وَقْعها هَدْرُ |
شببنا بها نارَ الطعانِ بفتية ٍ | مساعيرَ يخبو من تلظيهمُ الجمرُ |
إذا انتقموا لم يطمع العفوُ فيهم | وإنْ صَفحوا لم يستفزَّهمُ الغِمْرُ |
و ما بعثوا في مستطيرٍ عزيمة ً | فحاجَزَها بَرٌّ ولا ذادَها بَحرُ |
و إنْ تلقهمْ قلاًّ لدى كلَّ مطمعٍ | فإنَّهمُ في كلِّ نائبة ٍ كُثْرُ |
أَمُغْرية ً باللَّوم في سَمعِ مُعرِضٍ | دعوتِ شَروداً مايحيقُ بِهِ سِحْرُ! |
وراءكِ إني ما تركتُ لباحثٍ | منَ الدَّهر مايُفضي إليَّ به سَبْرُ |
تماطلني الأزمانُ عن ثمراتها | وينجحُ فيما يدَّعيهِ بها الغَمْرُ |
فيا ليتني قصرتُ طولَ تجاربي | فلا عيَ إلاّ عيشُ منْ ماله خبرُ |
وأشهدُ لو طالتْ يدُ الحزمِ في الورى | لما درّ للدنيا على أهلها درُّ |
ولو شئتُ حُلَّتْ رِبقة ُ المال في يدي | ومانفعُ مالٍ دونَ عَورتهِ سِترُ |
دعِ المالَ يمري دَرَّه كلُّ حاشدٍ | فذخرك من " كسب " المعالي هو الذخرُ |
و لا تحسبنْ مستسلماً لتلادهِ | طليقاً فأهواءُ التلادِ له " أسرُ " |
هل العزُّ إلاَّ أن ترى غيرَ طالبٍ | طلابُك غُرْمٌ ليس يُخلِفُهُ أجرُ |
و لا خيرَ في رفدٍ تمدُّ له يدٌ | ولا في عطاءٍ يُقتضى عندَهُ شُكرُ |
رضيتُ وما أرضى بلوغاً لغاية ٍ | و عند امتداد " الضيم ما يحمد العشرُ " |
وهل مُبهجي قَدْرٌ رَضِيْ النَّاسُ مثلَه | إذا كانَ همِّي لا يحيطُ به قَدرُ |
سقَى اللهُ دهراً لم أطِعْ فيه رِقْبة ً | ولم يَنْهَني منه ملامٌ ولازَجْرُ |
إذا التبستْ بي خطة ٌ فتّ شأوها | كما فوت " الأقذاءَ " جانبه التبرُ |
" نصيبك " مما يكثر الناسُ ذكرهُ | ومحصولُه في عَرْضِ أفعالهمْ نَزْرُ |
فللمجدِ ما أَهوَى البقاءَ وربَّما | حباني به عصرٌ ودافعني عصرُ |