بكيتُ الدّيارَ وأطلالها
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بكيتُ الدّيارَ وأطلالها | وقد بدَّلَ البينُ تمثالها |
وأخنى عليها خطوبُ الزمان | فما خالَها تلك مَن خالِها |
وفي مهجتي للجوى لوعة ٌ | تُقَطِّع بالوَجْد أوصالها |
لقد سوَّلَتْ ليَ سَيْلَ الدموع | فما قلتُ يومئذٍ ما لها |
تذكّرتُ عصرَ الصبا والهوى | يهيّجُ للنفس بلبابها |
وما اختلس الدهر من لذَّة ٍ | لعهدَ الصبابة وکغتالها |
زمانٌ أُعاقِرُ فيه العقار | وأَعصي بِلَهْويَ عذّالها |
وأمشي بها مرحاً تستميل | من السكر بالراح ميّالها |
وكم غادة ٍ في ليالي الوصال | جمعتُ مع القرط خلخالها |
وما زلتُ أرشف من ريقها | لماها وأشربُ جريالها |
لئنْ كان ريقك يحيي النفوس | فقد كان لحظك قتالها |
وساقية ٍ عمَّها حسنها | بجنحِ دجى ً قد حكى خالها |
تديرُ النضار بكأس اللجين | فتحكي المصابيحَ سيّالها |
كُمَيْتاً تجولُ بمضمارها | جاذرُ تصرعُ أبطالها |
فيا طيب معسول ذاك اللمى | إذا هصرَ الصبُّ عسَّالها |
ولستُ بناسٍ لها ما مضى | وإنْ كنتُ أعْمَلْتُ إهمالها |
ليالي لم أبد تفصيلها | إذا أنا أبديتُ إجمالها |
وأُبْتُ لمشبهة في المسير | زفيفَ النَّعامة أو رالها |
كأنَّي تكلَّفتُ مسحاً بها | عروضَ البلاد وأطوالها |
طويتُ القفار وخضتُ البحار | ورضتُ الخطوبَ وأهوالها |
وجرَّبتُ أبناءَ هذا الزمان | وعرَّفني الدهرُ أحوالها |
وإنّي لذاكَ الذي تعرفونَ | حَمَلْتُ المروءَة أثقالها |
وإنْ قلَّ مافي يدي لك أكنْ | لأشكو من العصر إقلالها |
وإنْ أنا أتربتُ فالمكرمات | تحدَّثُ بأنيَّ فعّالها |
وحسبك من ذي يدٍ أصبحت | تطولُ ولا ذو يدٍ طالها |
وإنْ أعْضَلَتْ مشكلاتُ الأمور | أزال وفسَّر إشكالها |
وقافية من شرود الكلام | بأخبار سلمان قد قالها |
وأرسلها مثلاً في الثناء | وخصَّ بمن شاء إرسالها |
فتى ً يقتفي إثْرَ آبائه | وحاكَتْ مزاياه أفعالها |
تنال من الله نعمَ الثوابُ | وتُنْفِقُ لله أموالَها |
تفجَّر من راحتيه النَّدى | وأَوْرَدَ من شاء سلسالها |
من السّادة النجبِ الطاهرين | تزينُ العصور وأجيالها |
لقَد طهَّر الله تلك الذوات | وأجرى على الخير أعمالها |
بني الغوثِ غوث فحول الرجال | ـال إذا کشتَدّ بالناس ما هالها |
وأفعالها في جميع الصَّنيع | من البرِّ تسبقُ أقوالها |
فما زلتُ أذكر تفضيلها | وما زلت أشكر إفضالها |
بكم يُستغاث إذا ما الخطوب | أهالت على الخلق أهوالها |
فكنْتُم من الناس أقطابَها | وكنتمْ من الناس أبدالها |
فلو حلتِ الأرض من مثلكم | لزُلْزِلَتِ الأرض زلزالها |
أبا مصطفى أَنتَ صوبُ الغمام | ويا ربَّما فُقْتَ هطالها |
وقد نَفَقَتْ فيك سُوق القريض | وكان نوالُك دَلاّلها |
ولما بَلَغْتُ المنى في العُلى | وبَلَّغْتُ نَفسي آمالَها |
أَتَتْك النقابة تسعى إليك | تجرُّ من التيه أذايالها |
وأَلْقَتْ إليكَ مقاليدها | وأَبْدَتْ لعزّك إذلالها |
وراثة آبائك الطاهرين | فما أحدٌ غيرهم نالها |
عليكم وفيكم ومنكم نرى | وجوهَ السَّعادة إقبالها |
إذا لم تكنْ أنتَ أهلاً لها | من الأنجبين فمن ذا لها |
فقد نلتَ ما لم ينله سواك | فضائل نشكر أفضالها |
كلامك يشفي صدور الرجال | ويرضي الملوكَ وعمّالها |
وحيثُ أخلَّت بها خُلَّة ٌ | سددتَ برأيك إخلالها |
وكم يدٍ لك في الصالحات | سبقتَ من البرّ أمثالها |
وإنْ أَغْلَقَتْ بابها المكرمات | فإنَّك تفتحُ أقفالها |