ما قضى إلاّ على الصبّ العميد
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ما قضى إلاّ على الصبّ العميد | وغدا يعثر في ذيل الصُّدود |
رشأٌ يقتنص الأسدَ ومنْ | علَّم الظبي اقتناصاً للأسود؟ |
بأبي الشادن يرنو طرفه | بلحاظ الرّيم سود |
ما ألاقي من سيوفٍ وقناً | ما ألاقي من عيون وقدود |
ويحَ قلبٍ لعبَ الشوقُ به | من عيون بابليّات وجيد |
ربَّ طيفٍ من زَرودٍ زارني | فسقى صوبُ الحيا عهدَ زرود |
فتذكَّرتُ زماناً مرَّ بي | طرب النشوة مرعيَّ العهود |
وبعيد الدار في ذاك الحمى | من فؤادي في الهوى غير بعيد |
يا دموعي روّضي الخدَّ ويا | حرَّ نيرانِ الجوى هل من مزيد؟ |
أين أيّامُ الهوى من رامة | يا لياليها رعاك الله عودي |
وبكاء المزن في أرجائها | إنَّما تغرف من بحر مديد |
قذفتْ أنجمها -كأسَ الطلا | كلَّ شيطانِ من الهمِّ مريد |
فأَدِرْها قهوة ً عادية ً | عصرت في عهد عادٍ وثمود |
أيها السّاقي وهبْ لي قبلة ً | هبة ً منكِ باحسان وجود |
أنا لا أَشْرَبُها إلاّ على | أقحوانِ الثَّغر أو ورد الخدود |
وبفيك المورد العذب الذي | أرتوي منه ومن لي بالورود |
وبقلبي نار خَدَّيْك التي | لم تزل في مهجتي ذات الوقود |
من معيد لي زماناً قد مضى | بمذاب التبر في الماء الجمود |
دارتِ الأقداح فيها طرباً | من يدي أحوى ومن حسناءَ وردِ |
وكأنَّ الكأسَ في توريدها | قطفتْ واعتصرتْ من خدّ خود |
في رياض غرَّدت ورقاؤها | بفنون السجع منها والنشيد |
وغصون البان في ريح الصبا | تنثني بين ركوع وسجود |
فسقى تلك المغاني عارضٌ | مستطيرُ البَرقِ مِهدارُ الرعود |
كانت الجنّة إلاّ أنَّها | لم تكن حينئذٍ دار الخلود |
في ليالٍ أَشْبَهَتْ ظلماؤها | بدخانٍ كان من ندٍّ وعود |
وكأنَّ الأنجمَ الزهر بها | أعينٌ من وجدها غير رقود |
وكأنَّ البدرَ فيها ملكٌ | حُفَّ بالموكب منها والجنود |
وكأنَّ الصُّبحَ في إثر الدجى | طائرٌ يركض في إثر طريد |
رقّ فيه الجوُّ حتى خِلتَه | رقَّة َ القاضي بنا عبد الحميد |
لطفتْ أخلاقه وابتهجتْ | كابتهاج الرَّوض يزهو بالورود |
إنَّ من يأوي إلى أحكامه | إنَّما يأوي إلى ركن شديد |
عادلٌ في الحكم يمضي حكمه | بقضاء الربّ ما بين العبيد |
كلَّما كرَّرْتُ فيه نَظَراً | رمقتني منه ألحاظُ الورود |
حجّتي فيه الأيادي والندى | وجميل الصنع بالخلق الحميد |
وشهودي من مزاياه ولا | تثبت الحّجة إلاّ بالشهود |
قمرٌ في المجد يكسوه السنا | شرف الآباء منه والجدود |
أنا لولا صيِّبٌ من سَيْبِه | من منيل ومراد لمريد |
عالم فيه لنا فائدة | فجزى الله مفيد المستفيد |
ألمعيٌّ ناظرٌ في بصر | في خوافي غامضِ الأمر حديد |
وبما في ذاته من هممٍ | كلُّما ترهفُ أزرتْ بالحدبد |
شَرَحَتْ معنى معاليه لنا | فهي لا تخفى على غير البليد |
وأرتنا منه في أقرانه | مفرداً يغني عن الجمع العديد |
شرعة ُ الدين ومنهاج الهدى | قائمٌ بالقسط مجريُّ الحدود |
حاملٌ للحقّ سيفاً خاضعٌ | لمضاه كلُّ جبار عنيد |
يُرتجى أو يُختشى في حدِّه | مُؤنِسُ الوعد وإيحاش الوعيد |
وعدتني منه آمالي به | فَوَفَتْ لي بعد حَوْلٍ بالوعود |
فحمدتُ الله لما أنْ بدا | طالعاً كالبدر في برج السعود |
عاد للمنصب قاضٍ لم يزل | |
وبفضل الله يعلو مجده | فتعالى الله ذو العرش المجيد |
يا عماد المجد في المجد ويا | دُرَّة التاج ويا بيت القصيد |
دمتَ في العالم عطريَّ الشذا | دائمَ النعمة مكبوتَ الحسود |
يا لك الله فتى ً من مبدئٍ | بالندى والفضل فينا ومعيد |
وقوافيّ الّتي أُنْشِدُها | نُظِمَتْ في مدحه نظم العقود |
أَطلَقَتْ فيه لساني أنعُمٌ | قيَّدَتْني من عُلاه بقيود |
أما لولا صيِّبٌ من سيبه | ما ارتوى غصني ولا أورقَ عودي |