ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجيرِ؟
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجيرِ؟ | كئيبٍ ذي فؤاد مستطير |
يقلِّبُه الأسى ظهراً لبطن | ويسلمه إلى حرِّ الزفير |
وكيف يقرُّ بالزفرات صبٌّ | وفي أحشائه نار السعير |
يعالج بالهوى دمعاً طليقاً | يصوبُ للوعة القلب الأسير |
وكم في الحيّ من ليثٍ هصور | صريع لواحظ الرشأ الغرير |
وكنت على قديم الدهر أصبو | بأشواقي لربات الخدور |
وكنت إذا زأرت بأسد غيل | رأيت الأسدَ تفزع من زئيري |
فغادرني الزمان كما تراني | عقيراً في يد الخطب العقور |
فأغدو لا إلى خلٍّ أنيسٍ | وما لي غير همّي من سمير |
فآهاً يا أميمة ثم آهاً | لما لاقيت من دهرٍ مبير |
محا من أسرتي الأشراف منهم | كما مُحِيت حروفٌ من سطور |
لقد بعد الكرام النجب عني | فليلي بعدهم ليل الضرير |
على أنّي دفعت إلى زمان | يخاطر فيه ذو المجد الخطير |
تشبهت الأسافل بالأعالي | وقد تاه الصغير على الكبير |
وأمست هذه الدنيا تريني | حوادثها أعاجيب الأمور |
ولا زالت تتوق لذاك نفسي | إلى يومٍ عبوسٍ فمطير |
لعلّي أنْ أبُلَّ به غليلاً | ويهدأ بعض ما بي من زفير |
أراني إنْ حللتُ بدار قوم | أساءَ ببعض أقوامٍ حضوري |
وذي عجب أضرّ الجهل فيه | وأنفٍ مشمخّرٍ بالغرور |
يرى من نفسه رب المعالي | ولا رب الخورنق والسدير |
ضريت بوجهه وصددت عنه | كما صدَّ العظيم عن الحقير |
وألقى المعجبين بكلِّ عُجْبٍ | وأسحبُ ذيل مختالٍ فخور |
وكم رفع الزمان وضيع نفس | فنال الحظَّ بالباع القصير |
وكم حطَّ القضاء إلى حضيض | وكان محلُّه فوق الأثير |
أصونُ عن الأراذل عزَّ نفسي | وَصَوْنُ النفس من شِيَم الغيور |
ولا أهديتُ منذ قرضت شعراً | إلى من لا يزال بلا شعور |
وكم في الناس من حيٍّ ولكن | يرى في الناس من أهل القبور |
أتيت البصرة الفيحاء أسعى | وحبَّكِ سعي مقدام جسور |
أزور بها من العلماء شيخاً | حباه الله بالعلم الغزير |
إلى علمٍ من الأعلام فردٍ | تفض علومه البحور |
لأحمد نخبة الأنصار يغدو | مسيري إنْ عزمت على المسير |
إذا ما عدّدت أعيان قوم | وقابلنا نظيراً بالنظير |
فعين أولئك الأعيان منهم | وقلب في صدور بني الصدور |
وإني مذ ركنت إلى علاه | كأنّي قد ركنت إلى ثبير |
رغمتُ بودّه آناف قوم | رَمَوْني بالعتوّ وبالنفور |
إذا أخذت يغاربهم يميني | أخذتُ بغارب الجد العثور |
رعيت لديه روض العز غضاً | وأنهلني من العذب النمير |
إلى منهاج شرعته ورودي | وعن مورود نائله صدوري |
ركنت إلى المناحب الأعالي | ولم أركَنْ إلى وغدٍ شرير |
أبار بنور تقوى الله وجهاً | وقد يزهو على القمر المنير |
غنيٌّ عن جميع الناس عفٌّ | رؤوفٌ بالضعيف وبالفقير |
ترى من وجهه ما قد تراه | على وجه الصّباح المستنير |
يعدُّ من الأوائل في تقاه | وإن وافاك بالزمن الأخير |
وهل يخفى على أبصار بادٍ | شموس علاه بادية الظهور |
فخذ عنه العلوم فقد حباه | إله العرش بالفضل الشهير |
ولم نظفره بمثل علاه يوماً | بمطلّع بصير بالأمور |
فسل منه الغوامض مشكلات | فإنّك قد سقطت على الخبير |
تحوم عليه أهل الفضل طراً | كما حام الظِماءُ على غدير |
ولم يبرح لأهل العلم ظلاًّ | يقي بظلاله حرَّ الهجير |
ويغنيني عن الأنصار مولى ّ | نصيري حين يخذلني نصيري |
له محض المودَّة من خلوصي | ومحض الود إخلاص الضمير |
سأجزيه على النعماء شكراً | بما يرضيه من عبد شكور |
لمطبوع على كرم السجايا | ومحبول على كرم وخير |
زهت في حسن مدحتك القوافي | كما تزهو القلائد في النحور |
وطاب بك الثناء وإنَّ شعري | تضمَّخَ من ثنائك بالعبير |
فدم واسلم على أبد الليالي | وعش ما دمت حيّاً في سرور |