تَوَلَّتْ من الظَّلماء تِلْكَ الدياجرُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
تَوَلَّتْ من الظَّلماء تِلْكَ الدياجرُ | وشاقكَ طيفٌ من أميمة َ زائرُ |
سرى حيث لا واشٍ هناك يصدّه | ولا لَمَحَتْه نم رقيب نواظر |
ووافى على بعد المزار فليته | أقام وقد آوته تلك المحاجر |
يبلُّ غليل الشَّوق من ذي صبابة | يذكّره المنسيَّ في الحبّ ذاكر |
تذكّرت فيما بعد ذلك نائياً | فلا هو بالداني ولا أنا صابر |
فيا ليت شعري هل يعود لي الصبا | وتألف هاتيك الظباء النوافر |
فأغدو إلى ما كنت أغدو وللهوى | على برحاء الوجد عين وناظر |
فللّه عهدٌ بالصبابة مرّ بي | وما فتكت أحداقهن الجآذر |
أعاذلتي والعتب بيني وبينها | رويدك فالإنصاف لو كان عاذر |
لبست الضنى حتى أبادني الضنى | وخامرني في الحبّ داءٌ مخامر |
وحسبُك أَنّي فيكِ يا ميٌّ وامقٌ | وأنّي کمرؤٌ مما يريبك طاهر |
وهل تعلقُ الفحشاء من ذي صبابة | وقد كَرُمَتْ نفسٌ وعفَّت مآزر |
زكوتُ فما ألممُ يوماً بربية | ويزكو الفتى من حيث تزكو العناصر |
تطالبني نفسي بما تستحقُّه | وإنْ أَجْحفت فيها الجدود العواثر |
تحاول مجداً في المعالي ورفعة | فيرجى لها نيل وتخشى بوادر |
فأكرمتها أنْ صنتها عن دنيّة | وأنّي بها في الأنجبين أفاخر |
أنوء بأعباء المروءة حاملاً | من الهمّ ما لا يستطيع الاباعر |
وأزداد طيباً في الخطوب كانّني | أنا المندليّ الرطب وهي مجاحر |
فما ساءني فقرٌ ولا سرّني غِنى ً | وعرضي لم يكلمْ إذا هو وافر |
سواءٌ لديَّ الدهر أحسنَ أسا | وما ضائري من حادث الدهر ضائر |
فمن عزماتي للهموم معاذر | ومن كلماتي للنجوم ضرائر |
ولي في بلاد الله شرقاً ومغرباً | نوادر من حرِّ الكلام سوائر |
شواردها حلي الملوك وصوغها | من اللفظ إلاَّ أنَّهنَّ جواهر |
تحضّ على الذكر الحميد بفعله | وفيها لأرباب العقول بصائر |
إذا کختَبَرَتْ كُنْهَ الرجال بعلمها | أفادَتْك عِلماً والرجال مخابر |
سقى الله حيّاً فيه أبناءُ راشد | سمامُ الاعادي والسيوف البواتر |
ونزلة بين الفرات ودجلة | إذا لم يكن فيها المشير فناصر |
إذا نزلوا الأرض المحيلة أخْصَبَت | وجادت عليها المرسلات المواطر |
صوارمهم نارٌ وأمّا أكفُّهم | فأبحرُ جودٍ بالنوال زواخر |
يروقك في داجي الحوادث منهمُ | وجوهٌ عن البدر المنير سوافر |
فهذا غمام بالمكارم ماطر | وهذا حسام للمعاند قاهر |
يقي من سموم الحادثات بنفسه | إذا لَفَحَتْها بالسموم الهواجر |
وأرضاً حماها ناصر بحسامه | حمى ً لم يطأه للنوائب حافر |
رحى الحرب إنْ رحاها فإنَّه | هو القطب ما دارت عليه الدوائر |
ومتخذٍ بيض الأسنّة والظبا | موارد تستحلى لديها المرائر |
وحسبك يوم الرَّوع من متقدم | إذا أحجمت فيه الأسود القساور |
يُريعُ ولا يرتاع يوماً لحادث | ومن ذا يريعُ الليثَ والليث خادر |
فيا موردَ الفرسان في حومة الوغى | مواردَ حتفٍ ما لهنّ مصادر |
تطلّبتها حتى ظفرت بنيلها | ولا مطلبٌ إلاّ العلى والمفاخر |
وراثة آباءٍ كرامٍ تقدَّموا | أوائلُهمْ أربابها والأواخر |
تطاولت حتى نلت أعلى مقامها | بطول يدٍ طولى وماأنت قاصر |
ومن ذا الذي يدنو إليك مبارزاً | وأنتَ على أنْ تصرع الليث قادر |
بوجهك يا سَعْدَ البلاد تطلَّعَتْ | مطالعُ فيها للبعاد بشائر |
وما شقيت من آل بيتك عصبة ٌ | وأنتَ بهم في العدل ناهٍ وآمر |
يُؤَمِّلهم من جود كفِّك نائل | ويزجرهم من حد سيفك زاجر |
تهابك في أقصى البلاد وإن نأتْ | قبائل شتى ً لم ترع وعشائر |
تنام عن الدنيا وما أنت نائم | وحزمك يقظانٌ وسعدك ساهر |
تخافك أعداءٌ كأنَّكَ بينهم | وما غِبْتَ عن قوم وبأسك حاضر |
إذا قيل في الهيجاء هلم مبارز | فما عقدتْ إلاّ عليك الخناصر |
فإنَّ بني أهليك في كل موطن | بدور المعالي والنجوم الزواهر |
وإنّ بني أهليك لله درّهم | أكابرُ أقوام نهتهم أكابر |
فلا غروَ أن أرتاحَ يوماً بمدحكم | ويسمحَ لي في نظمي الشعر خاطر |
فإنّي بكم أبناء راشد شاعر | وإنّي لكم ما دُمْتُ حيّاً لشاكر |
فلا راعت الأيام قوماً ولا خلتْ | ديارٌ بها من آلِ بيتك عامر |