الحلقة (2): أدلة وجود الله - دورة علمية ميسرة - أبو الهيثم محمد درويش
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الدورة العلمية الميسرة: الحلقة الثانية (أدلة وجود الله)1- دليل الفطرة
شرح الفطرة والميثاق:
الفطرة السليمة متعلقةٌ بحدثٍ تاريخي في ضميرالإنسان، حوارٌ حقيقيٌ بينه وبين الله يجعله يتجه فِطرياً إلى تصديق وجود الخالق سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ .
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ .
وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [ الأعراف: 172-174].
أخرج ابن جرير عن جويبر قال: مات ابن الضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام، فقال: إذا وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عقده، فإن ابني مجلس ومسؤول.
فقلت: عم يسأل؟! قال: عن ميثاق الذي أقر به في صلب آدم، حدثني ابن عباس: «أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه فلن تقوم السّاعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة» (تفسير الطبري) .
قال الشيخ الألباني في تعليقه على حديث ابن عباس مرفوعًا: أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ يعني عرفة ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال: «ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون» (السلسلة الصحيحة: 1623).
وهذا هو الراجح إن شاء الله، وأن الإشهاد في الآية حقيقي، سواء أكان ذلك خاصًا بالأرواح أو كان لها في أجسادها.
قال ابن القيم في كتاب (الروح): قال ابن الأنباري: مذهب أهل الحديث وكُبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولًا عرفوا بها ما عرض عليهم، كما جعل للجبل عقلًا حين خوطب، وكما فعل ذلك بالبعير لما سجد والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت.
وقال الجرجانى: ليس بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته» وبين الآية اختلاف بحمد الله؛ لأنه عز وجل إذا أخذهم من ظهر آدم فقد أخذهم من ظهور ذريته، لأن ذرية آدم لذريته بعضهم من بعض، وقوله تعالى: {أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ} أي عن الميثاق المأخوذ عليهم، فإذا قالوا ذلك كانت الملائكة شهودًا عليهم بأخذ الميثاق، قال: وزعم بعض أهل العلم أن الميثاق إنما أُخذ على الأرواح دون الأجساد، إن الأرواح هي التي تعقل وتفهم ولها الثواب وعليها العقاب، والأجساد أموات لا تعقل ولا تفهم، قال: وكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى، وذكر أنه قول أبي هريرة، قال إسحاق: وأجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد، استنطقهم وأشهدهم.
اهـ.
2- الأدلة المادية على وجود الله:
وتتلخص في شيئين:
أ- نظم الكون : هذا الخلق الهائل شديد الإتقان دقيق الصنعة بداية من الذرة وتكوينها وصولاً إلى تركيب المجرات والسماوات العُلا ومروراً بدقيق أفعال الله في خلق الإنسان وأجهزته الداخلية وخلق النبات والحيوان والبحار وما فيها من مخلوقات، خلق الله المعجز يدل على وجوده سبحانه.
هذا ما نطق به لسان الفطرة عند الأعرابي عندما سُئل عن دليل وجود الله ؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير...سبحان الله.
فالعقل قاضٍ بأن الموجود لابد له من مُوجد، وأن المخلوق لا بُد له من خالق
وفي كل شيءٍ له آية ***تدل على أنه واحد
فهذا مثلًا "قس بن ساعدة الإيادي" حين كان في الجاهلية، قبل الإسلام يركب ناقته ويسير إلى السوق يخاطب الناس بكلمات تفكريةٍ بحثيةٍ عقليةٍ إيمانية، يقول لهم: "أيها الناس ..
اسمعوا وعوا ..
من عاش مات ..
ومن مات فات ..
وكل ما هو آتٍ آت ..
ليلٌ داج ..
ونهارٌ ساج ..
وأرضٌ ذات فجاج ..
وسماءٌ ذات أبراج ..
ونجومٌ تزهر ..
وبحارٌ تزخر ..
أفلا يدل ذلك على الله الواحد القهار؟!".
ب- انتظام الكون والمخلوقات: وهذا الإعجاز الأكبر وهو استمرار دورات الحياة ومسيرة الكون بنفس الدقة والإعجاز الذي يدل على وجود من يحافظ عليه ويُسَيره ولا يقول بغير هذا إلا من فقد عقله.
3 - الأدلة الحسية:
الشعور والإحساس والاتجاه إلى الله، جانبٌ عاطفيٌ زرعه الله في قلب عباده سبحانه، وهو قريبٌ من الفطرة لأن تذكر الميثاق الأول (الفطرة) يحرك الإحساس بوجود الله تعالى، ومن أمثلة الأدلة الحسية:
تصرفات الإنسان عند النوازل التي تنزل به دالةٌ على وجود الخالق مثل لجوء المضطر إلى الله، وكل إنسانٍ يشاهد هذا في نفسه، حتى الكفار عند الشدائد كانت عواطفهم تتجه إليه، تأمل هذه الآية:
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]
و من الأدلة الحسية: دعاء الله ثم استجابة الله للدعاء قال الشيخ ابن عثيمين: لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيث الخلق، قال: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا» ( البخاري : 1013)، ثم نشأ السحاب، وأمطر قبل أن ينزل من المنبر، هذا يدل على وجود الخالق .
4- الأدلة الشرعية:
كل الرسل أتوا ليدلوا الناس على الله ويأمروهم بتوحيده، وعلى هذا كل الشرائع قبل تحريف ما تم تحريفه منها.
قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36].
قال الشيخ ابن عثيمين: جميع الشرائع دالةٌ على وجود الخالق وعلى كمال علمه وحكمته ورحمته لأن هذه الشرائع لابد لها من مُشَرِع والمشرع هو الله عز وجل.
انتهى.
من شرح السفارينية.