أرشيف المقالات

فضل العلم وأهله

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
فضل العلم وأهله


اعلم أخي الكريم - علَّمني الله وإياك - أن العلم هو أشرفُ ما رغِب فيه الراغبُ، وأفضلُ ما طلب وجدَّ فيه الطالِب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب.
والتقوى هي أساس العلم ومفتاح الفهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
 
لقد رفع الله تعالى شأنَ العلم وشأن أهله، وبيَّن مكانتهم، ورفع منزلتهم في أبهى مكان، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]؛ ولهذا أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ يقول: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
قال ابن عُيَيْنة رحمه الله: ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادةٍ مِن العلم حتى توفاه الله عز وجل.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم انفَعْني بما علَّمتَني، وعلِّمْني ما ينفعُني، وزِدْني علمًا، الحمد لله على كل حالٍ، وأعوذ باللهِ مِن حال أهل النار))؛ رواه الترمذي (3599).
 
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان مِن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذُ بك مِن قلبٍ لا يخشع، ومِن دعاءٍ لا يُسمَع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومِن علمٍ لا ينفع، أعوذ بك مِن هؤلاء الأربع))؛ رواه النسائي (8/ 284)، وقال الألباني في الصحيحة: صحيح؛ (3/ 1113)، (5053)، وابن ماجه (250)، واللفظ له.
 
والعلم هو حسنة الدنيا، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ [البقرة: 201]، قال الحسن البصري: هي العلم.
 
لقد منع الله سبحانه المساواةَ بين العالم والجاهل؛ لِمَا يختصُّ به العالم من فضيلة العلم، ونورِ المعرفة، وإدراك واسع، ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، إنما يتذكر ويعرف الفرقَ أصحابُ العقول السليمة.
 
وأهل العلم هم أسرع الناس استجابةً وتأثرًا بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا عرَفوا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 - 109]، وجزى الله الشاعر خيرًا حين قال:






وَفي العِلمِ لَنا نُورٌ
نَسِيرُ بهِ بدُنيَانَا


تَقُومُ بهِ حَوائجُنا
تُحَلُّ بهِ قضَايَانا


تُضِيءُ بهِ بَصَائرُنَا
تُصَاغُ بهِ وَصَايَانا


نُلَقِّنهُ لأَولادٍ
فَتِيَّاتٍ وَفِتيَانا


وَنَقْطِفُ مِن ثِمارِ الفِكْ
رِ أشكالًا وَألوَانا


فَنَأخُذُ مِنهُ أَشياءً
وَنَرفُضُ مِنه أَحْيَانا


فَبالفِكْرِ وَبالعِلمِ
يَصِيرُ المَرءُ سُلطَانا


وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَقًّا
وَيَلقَى مِنهُ رِضوَانا


بهِ أَضْحَى ابْنُ عَبَّاسٍ
يَفُوقُ القَومَ تِبيَانا


أَلَا بِالعِلمِ نَنْتَصِرُ
وَنَأخُذُ مِنهُ بُرهَانا


وَمَنْ لِلعِلمِ قَدْ عَادَى
فَلَيْسَ يُعَدُّ إِنْسَانا


فَيُمْدَحُ فيهِ أَتْقَانَا
وَيُقدَحُ فيهِ أَشْقَانا


نَشِيدُ بهِ حَضارَتَنا
وَنُطْعِمُ مِنهُ جَوْعَانا


تُنَادِي بهِ شَرِيعَتُنا
وَتَجْعَلُ مِنهُ فُرقَانا


بهِ نادَتْ مَصَادِرُها
أَحادِيثًا وقُرآنا


وَأَهلُ الحَلِّ وَالعَقْدِ
أَحَالُوا العِلمَ دِيوَانا







 
والفرق بين العالم وغيره يظهَرُ جليًّا في سجية الطباع، وفطرتها التي فطر الله الناس عليها، فالكل يحب العلمَ ويكره الجهل، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كفى بالعلم شرفًا أن يدَّعِيَه مَن ليس بأهله، وكفى بالجهل عارًا أن يتبرأ منه مَن هو فيه".
 
قال ابن حزم في كتابه الأخلاق والسير: "لو لم يكن من فضلِ العلم إلا أن الجهَّال يهابُونك ويُجِلُّونك، وأن العلماء يُحبُّونك ويُكرِمونك، لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة؟! ولو لم يكن مِن نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء، ويغبط نظراءه من الجهَّال، لكان ذلك سببًا إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟! ولو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغِل به عن الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهمِّ، وكفاية الأفكار المؤلِمة للنفس، لكان ذلك أعظم داعٍ إليه، فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكرُه؟! ومِن أقلِّها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم، وفي مثلِه أتعب ضعفاءُ الملوك أنفسَهم، فتشاغلوا عمَّا ذكرنا بالشطرنج والنَّرْد والخمر والأغاني، وركض الدوابِّ في طلب الصيد، وسائر الفضول التي تعود بالمضرَّة في الدنيا والآخرة، وأما فائدة، فلا فائدة، وأجلُّ وأكرم العلمِ ما كان عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، أو عن الشرع الحنيف، فذاك أشرف العلوم قدرًا ومقامًا".
 
ولقد أحسن القائل:






العِلْمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُهُ
قَالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ بِالتَّمْوِيهِ


مَا العِلْمُ نَصْبَكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً
بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَ رَأْيِ فَقِيهِ


كَلَّا وَلَا جَحْدَ الصِّفَاتِ وَنَفْيَها
حَذرًا مِنَ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ






 
أيها الإخوة، مِن علامات الساعة وأشراطها قلةُ العلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبُت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا))؛ متفق عليه.
 
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئلوا، فأفتَوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا))؛ متفق عليه.
 
والمراد بقبض العلم هو موت العلماء، وذَهاب الفضلاء والفقهاء؛ فقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41]، عن عطاء رحمه الله قال: "هو موت العلماء، وذَهاب الفضلاء، وفقهاء الأرض، وخيار أهلها".
 
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدُّنيا ملعونةٌ، ملعون ما فيها، إلا ذِكْرَ الله وما والاه، وعالِمًا أو متَعَلِّمًا))؛ وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع: (1609)، والصحيحة: (2797).
 
والعلم كالغيثِ النافع؛ عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ ما بعثني الله به مِن الهدى والعلم، كمَثَل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقيةٌ قبِلَتِ الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكانت منها أجادبُ أمسكت الماء، فنفع اللهُ بها الناس، فشرِبوا وسَقَوا وزرعوا، وأصابت منها طائفةً أخرى، إنما هي قِيعانٌ؛ لا تُمسك ماءً، ولا تُنبت كلأً، فذلك مثَل مَن فقُه في دِين الله ونفعه ما بعثني اللهُ به، فعلِم وعلَّم، ومثَل مَن لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلتُ به))؛ رواه البخاري، باب فضل مَن علِم وعلَّم (79)، واللفظ له، وأخرجه مسلم في الفضائل، باب بيان مَثَل ما بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم، رقم (2282).
 
وفي فضل العلم وأهله يقول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ لله تبارك وتعالى ملائكةً سيَّارة فُضُلًا، يتَّبِعون مجالس الذِّكر، فإذا وجَدوا مجلسًا فيه ذِكْرٌ قعَدُوا معهم، وحفَّ بعضُهم بعضًا بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدُّنيا، فإذا تفرَّقُوا عرجوا، وصعِدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل - وهو أعلم بهم -: من أين جئتم؟ فيقولون: جِئْنا من عند عبادٍ لك في الأرض، يسبِّحونك، ويكبِّرونك، ويُهلِّلونك، ويحمدونك، ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأَوا جنتي؟ قالوا: لا، أيْ رب، قال: فكيف لو رأَوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: وممَّ يستجيرونني؟ قالوا: مِن نارِك يا رب، قال: وهل رأَوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرتُ لهم، فأعطيتُهم ما سألوا، وأجَرْتُهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب، فيهم فلانٌ عبدٌ خطَّاء، وإنما مرَّ فجلس معهم؟ قال: فيقول: وله غفرتُ، هم القوم لا يشقَى بهم جليسُهم)).
فهل بعد هذا الفضل من فضل؟ نسأل الله أن يجعلنا منهم.
 
وطلبة العلم هم وصية نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فلقد أوصانا بالعلم وأهله الذين يطلبونه أن يُعلَّموا وأن يرحب بهم؛ فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيأتيكم أقوامٌ يطلبون العلم، فإذا رأيتُموهم فقولوا لهم: مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقْنُوهم))، قلت للحكم: ما اقْنُوهم؟ قال: علِّموهم؛ رواه ابن ماجه (247)، وحسنه الألباني؛ الصحيحة (280).
 
والعلم فضله كبير، ومكانته سامية في شريعتنا الغراء؛ عن حذيفة بن اليمانِ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة، وخير دِينكم الوَرَع))؛ أخرجه الحاكم واللفظ له، وقال الذهبي: (1/ 93) على شرطهما، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه الطبراني في الأوسط (3960)، والبزار بإسناد حسنٍ (2969)؛ انظر: صحيح الترغيب والترهيب للألباني (68) (1 /137).
 
والواجب على مَن تعلَّم علمًا أن يبلغه للناس حتى يتعلموا؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سُئل عن علمٍ علِمه ثم كتمه، أُلجِم يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ))؛ أخرجه أحمد في المسند (2/ 263، 305).
 
وعن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بلِّغوا عني ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرجَ، ومَن كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوَّأ مقعده من النار))؛ رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3461).
 
وهذا عمر رضي الله عنه يقول: أيها الناس، عليكم بالعلم؛ فإنَّ لله سبحانه رِداءً يحبه، فمَن طلبَ بابًا من العلم ردَّأه الله برِدائه، فإن أذنب ذنبًا استعتَبه؛ لئلا يسلُبَه رداءه ذلك حتى يموت به.
 
وقال أبو هريرة وأبو ذر رضي الله عنهما: بابٌ منَ العلم نتعلَّمُه أحبُّ إلينا من ألف ركعة تطوُّعًا، وباب من العلم نُعَلِّمُه - عُمل به، أو لَم يُعمَل به - أحبُّ إلينا من مائة ركعة تطوُّعًا.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: لأَنْ أعلم بابًا مِن العلم في أمْرٍ أو نَهْي أحبُّ إليَّ مِن سبعين غزوة في سبيل الله.
 
حب العلم عند التابعين:
لقد كان سلفنا الصالح يتعلَّمون، فكانوا علماء محبِّين للعلم وأهله، فهذا سفيان الثوري رحمه الله كان إذا لقيَ شيخًا سألَه: هل سمعتَ مِن العلم شيئًا؟ فإن قال: لا، قال: لا جَزاك اللهُ عن الإسلام خيرًا، وكان يقول: لا نزالُ نتعَلَّم العلم ما وجدنا مَنْ يُعلِّمُنا.
والواجب على العبد أن يتعلَّم وأن يصبر حتى ينال أعلى المنازل في الدنيا والآخرة، وفي هذا يقول الإمام الشافعي:






فصبرًا عَلى مُرِّ الجَفَا مِن مُعَلِّمٍ
فَإِن رُسُوبَ العِلمِ في نَفَراتِهِ


ومَن لَمْ يَذُقْ مُرَّ التعَلُّمِ ساعةً
تجرَّعَ ذُلَّ الجهلِ طُولَ حياتِهِ


ومَن فاتهُ التعلِيمُ وقتَ شبابهِ
فكَبِّرْ عليه أربعًا لِوفاتِهِ


وذاتُ الفتى - واللهِ - بالعِلمِ والتُّقى
إذا لم يكونا لا اعتِبارَ لِذاتِهِ






 
قيل للشعبي: مِن أين لكَ هذا العلمُ كله؟ قال: بنَفْي الاعتماد، والسَّيْر في البلاد، وصبْرٍ كصبر الحمارِ، وبُكُورٍ كبُكُور الغرابِ.
وهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم: مرحبًا بِيَنابيع الحكمة، ومصابيح الظُّلَم، جُدَد القلوب، حلس البيوت، ريحان كلِّ قبيلة.
قال الشافعي رحمه الله: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
وقال: مَن أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومَن أراد الآخرة فعليه بالعلم.
وقال: ما تُقُرِّب إلى اللهِ تعالى بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم؛ (تهذيب الأسماء واللغات).
 
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن العلم يرفع صاحبَه في الدنيا والآخرة ما لا يرفعه المُلكُ ولا المال ولا غيرهما، فالعلم يزيد الشريف شرفًا، ويرفع العبد المملوك حتى يُجلِسه مجالس الملوك، كما ثبت في الصحيح من حديث الزهري، عن أبي الطفيل، أن نافع بن عبدالحارث أتى عمر بن الخطاب بعُسفان، وكان عمر استعمله على أهل مكة، فقال له عمر: مَن استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفتُ عليهم ابن أبزى، فقال: مَن ابن أبزى؟ فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟! فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالمٌ بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين))(مفتاح دار السعادة).
وفي فضل العلم أيضًا يقول سفيان بن عُيَيْنة: أرفعُ الناس عند الله منزلةً مَن كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياءُ والعلماء.
ويقول ابن القَيِّم رحمه الله: وهذا مِن أحسن التفسير؛ فإنَّ أجَلَّ حسنات الدُّنيا العلمُ النافع والعمل الصالح؛ اهـ.
 
وما أجمل ما قال الإمام الآجري رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه (أخلاق العلماء):
(إن الله - عز وجل وتقدست أسماؤه - اختصَّ مِن خلقه مَن أحبَّ، فهداهم للإيمان، ثم اختص مِن سائر المؤمنين مَن أحبَّ، فتفضل عليهم فعلَّمهم الكتاب والحكمة، وفقَّههم في الدين، وعلَّمهم التأويل، وفضَّلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوانٍ، رفعهم بالعلم، وزيَّنهم بالحلم، بهم يُعرف الحلال مِن الحرام، والحق من الباطل، والضارُّ من النافع، والحسن من القبيح، فضلُهم عظيم، وخطرهم جزيل، ورثة الأنبياء، وقرَّة عين الأولياء، الحيتانُ في البحر لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تُفِيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل من العُبَّاد، وأعلى درجةً من الزهاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يُذكِّرون الغافل، ويُعلِّمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، بحسن تأديبِهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتِهم يرجع المقصِّرون، جميعُ الخلق إلى علمهم محتاج).
 
ثم أعقب الكلام بقوله: (فهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوبُ أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مَثَلهم في الأرض كمَثَل النجوم يُهتَدَى بها في ظلمات البرِّ والبحر، إذا انطمَسَتِ النجوم تحيَّروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصَروا).
هذا، والله تعالى أعلم
والحمد لله رب العالمين

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢