ليالينا على الجرعاء عودي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ليالينا على الجرعاء عودي | بماضي العيش للصَّيبِّ العميدِ |
بحيث منازلُ الأحباب تزهو | ونظمُ الشمل كالدر النضيد |
وفي تلك المنازل لا عداها | حَياً ينهلّ من ذات الرعود |
مسارح للمها يسخن فيها | وإنْ كانتْ مرابضَ للأسود |
تعلَّقها هوى قيس لليلى | سوانح ربرب وقطيع غيد |
هنالك تفتك اللحظات منها | وتنتسب الرماح إلى القدود |
وكم فيا لحيّ من كبدٍ تلظّى | وتصلى حرَّ نيران الخدود |
ولما أنْ وقفت بدار ميٍّ | |
سقتك بمستهلّ المزن قطرٌ | وشاك الحيا وشي البرود |
فأينَ ملاعب الغزلان فيها | وصفو العيش في الزمن الرغيد |
وفي تلك الشفاه اللُّعس ريٌّ | فواظمأ الفؤاد إلى الورود |
وما أنسى الإقامة في ظلالٍ | على ماء من الوادي برود |
تُغَنّينا من الأوراق وُرْقٌ | وتشدونا على الغصن الميود |
وتنشدنا الهوى طرباً فنلهو | وتطربنا بذياك النشيد |
لقد كانت ليالينا بجَمْعٍ | مكان الخال من وجنات خود |
أبيتُ ومن أحبُّ وكأس راحٍ | كذوب التبر في الماءِ الجَمود |
وقد غَنَّت فأعربَتِ الأغاني | عن اللذات من نايٍ وعود |
فما مالت إلى الفحشاء نفس | ولا ركنت إلى حسناء رود |
وما زالت بي الألحاظُ حتى | ألانتْ هذه الأيام عودي |
ولم تملك يمين الحرص نفسي | ولا ألوتْ إلى الأطناع جيدي |
وليلٍ قد لبست به دجاه | بأردية من الظلماء سُود |
لبيدٍ يَفْرَقُ الخريتُ فيها | ولم أصْحَبْ سوى حَنَشٍ وسيد |
يجاوبني لديها الحتف نفسٌ | فيلمَسُ ملمَس الصعد الشديد |
وتمنع جانبي بيضٌ شدادٌ | ولي بأسٌ أشدُّ من الحديد |
وكم يوم ركبنا الفلك تطفو | بسيط الماء في البحر المديد |
إذا عصفت بها ريحٌ هوت بي | كما يهوي المُصلّي للسجود |
فآونة ً تكون إلى هبوط | وآونة ً تكون إلى صعود |
ولولا اليوسُفان لما رمت بي | مراميها إلى خطر مبيد |
وقد أهوى الكويتَ وأنتحيها | إلى مَغنى محمدها السعيد |
إذا طالعت بهجته أرَتْني | مطالعها مطالع للسعود |
أنامِلُه جداول للعطايا | وبهجته رياضٌ للوفود |
وأكرَمُ من غَدَتْ تُثني عليه | بنو الدنيا بقافية شرود |
مفيدٌ كلّ ذي أمل وحاجٍ | يمدُّ إليه راحة مستفيد |
وَمُنْتَجَعُ العُفاة ينالُ فيه | مكانة ُ رفعة ومنالُ جود |
تَحُطُّ رحالَها فيه الأماني | وتعنيه المدائح من بعيد |
وتأوي كلّما آوت إليه | ومأواها إلى ركن شديد |
فتى ً من عقدِ ساداتٍ كرام | يتيمة ُ ذلك العقد الفريد |
نعمتَ فتى ً من الأشراف خلاًّ | فيا لله من خِلٍّ ودود |
ولولا جودُه والفضلُ منه | كما منَّ الوجودُ على وجودي |
مناقبُ في المعالي أورثوها | عن الآباء منهمْ والجدود |
أسودُ مواطن الهيجاء قومٌ | لهم شرفُ العقول على الأسود |
هو الشرف الذي يبدو سناه | فيخضع كلُّ جبار عنيد |
ويخمد نورهم ناراً تلظى | وكان الظنّ آبية الخمود |
وما اعترف الجحود بها وفاقاً | ولكنْ لا سبيل إلى الجحود |
رفاعيٌّ رفيعٌ القدرِ سام | أبيٌّ راغمٌ أنفَ الحسود |
ومُبدي كلِّ مكرمة ٍ، معيدٌ | فيا لله من مبدٍ معيد |
مكارمُ منعم ونوالُ بَرٍّ | غنيٌّ بالنجاز عن الوعود |
وما مَلَكَتْ يداه من طريف | فلم تضع الجميل ومن تليد |
عمودُ المجد من بيت المعالي | وهل بينُ يقوم بلا عمود |
مَدَحْتُ سواه من نُقباء عصر | فكنتُ كمن تَيَمَمَّ بالصعيد |
ولُذْتُ به فَلُذْتُ إذَن بظلٍّ | يمدُّ ظلال جنات الخلود |
ولستُ ببارحٍ عن باب قرم | أقيّدُ من نداه في قيود |
إذا جرَّدته عضباً صقيلاً | وقفتَ من الحديد على حديد |
وإن ذكروا له خلقاً | فقلْ ما شئت بالخلق الحميد |
إليك بعثتها أبيات شعر | يسير بها الرسول مع البريد |
كقطر المزن يسجم من نمير | وروض المزن يبسم عن ورود |
لئنْ كانت بنو الدنيا قصيداً | فإنّك بينهم بيتُ القصيد |