تنفَّسَ عن وَجْدٍ تَوقَّدَ جمرُهُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
تنفَّسَ عن وَجْدٍ تَوقَّدَ جمرُهُ | فأجرى مَسيلَ الدَّمع يَنهلُّ قَطرُهُ |
وبات يعاني الهَمَّ ليس ببارحٍ | على قلبه إقدامه ومكرُّه |
تمنّى وما يغني التمنّي مطالباً | حَرِيٌّ به لولا الدَّنيَّة ُ دهره |
ودون أمانيه عوائق جمّة | يضيق لها في المنزل الرحب صدره |
تحمَّل أعباءُ المتاعب والتقى | على غرّة صرف الزمان وغدره |
وأشقى بني هذا الزمان أريبه | وأتعبُ من فيه من الناس حرُّه |
وربَّ خميص البطن مما يشينه | ينوءُ بأثقال الأبوَّة ظهره |
له كلّ يوم وقفة بعد وقفة | يهيجُ جوى أحشائه وتقرّه |
يطول مع الأيام فيها عتابه | ويسهر ليلاً ما تبلّجَ فجره |
يشيم سنا برق المطامع وامضاً | تألَّقَ إلاّ إنّه لا يغرّه |
فأمسى يغضّ الطرف عنه ودونه | وقوف الفتى يفضي إلى الضّيم أمره |
وحالَف مختاراً على العزّ نفسه | إباءً ولم يُؤخَذْ على الذُلِّ إصره |
بنفسي امرؤ يقسو على الدهر ما قسا | ولم يتصدَّع في الحوادث صخره |
إذا ما رأى المرعى الدنيّ تنوشه | يَدُ الرذل يُستحلى مع الهون مرُّه |
تَناول أفنان الخُصاصة وارتدى | بفاضل ذيل الفخر يُسْحَبُ طمره |
جليد على عسر الزمان ويسره | وما ضَرَّه عُسُر الزمان ويسره |
فلا البؤسُ والإقلال مما يسوؤه | وليس ثراءُ المال مما يسره |
لئن تخلص الإبريزَ نارُ التجارب سكبه | إلى ٌ أنْ صفا من شائب الزِّيف تبره |
قريبُ مجاني الجود من مستميحه | بعيدٌ على من سامهُ الخسفَ غوره |
فلا يأمنَّن الدهرَ مكري فإنّني | من القوم لم يؤمن بمن ساء مكره |
وما أنا بالمدفوع إن ضيم شرّه | ولا أنا بالممنوع إن سيمَ خيره |
منحتُ الصّبا عذب الموارد في الهوى | بمبتسم باللؤلؤ الرطب ثغره |
قضيتُ به عهد الشباب وعصره | فهل راجعٌ عهدُ الشباب وعصره؟ |
تفتَّحَ نوّار المشيب بلمَّتي | وأينعَ في روض الشبيبة زهره |
وما فاتني هذا الوقار الذي أرى | إذا فاتني وصل المليح وهجره |
صحا والهوى العذريُّ باقٍ خماره | بنشوانَ من خمر الصبابة سكره |
معذّبتي من غير جُرم يلومها | وأعذبُ شيءٍ في هواكِ أمرَّه |
أرابك منّي أنْ أقمتُ بموطن | تجوعُ ضواريه وتشبع حمره |
وكيف أخاف الفقر أو أُحرم الغنى | هذا ندى عبد الغنيّ ووفره |
فلا زال موصولاً من الله لطفه | إليَّ ومسبولاً من الله ستره |
بأبلج وضاح الجبين أغرّه | فللّه وضّاح الجبين أغرّه |
كما لم يزل منّي عليه ولم يَزَلْ | ثنائي على طول الزمان، وبرّه |
كفاني مهمّات الأمور جميعها | فما سرَّني أن ساءني الدهر غيره |
وما بات إلاّ وهو في الخطب كالئي | بطرف يريع الدهر إذ ذاك شزره |
وما لامرئٍ عندي جميلاً أعدُّه | وكيف وقد غطّى على البحر نهره |
وإنَّ الجميل المحضَ معنى ً وصورة ً | خلائقه بين الأنام وذكره |
حياة جميل الصنع فيها حياته | وعمر المعالي والأبوّة عمره |
حياض العطاء المستفاض أكفُّه | ومن فيضها جزل العطاء وغمره |
يمينٌ كصوب المزن يهرق جودها | ووجه كروض الحزن قد راق بشره |
دعاه إلى المعروف من نفسه لها | وتلك سجاياه وذلك طوره |
أدَرَّتْ له أخْلاف كُلِّ حَلُوبَة ٍ | من المجد حتّى قيل لله دَرُّه |
تتصّل هذا الدهر من ذنبه به | فلا تعتبنّ الليل والصبح عذره |
فما ذنبه من بعد ذلك ذنبه | ولا وزره من بعد ذلك وزره |
ولي منه ما أهدي لديه وأبتغي | ومنّي له المدح الذي طاب نشره |
فيا قمراً في أفق كلّ أبية ٍ | سريع إلى المعروف والبرّ سيره |
فداؤك نفسي والمناجيب كلّها | ومن سرَّه في الناس أنَّك فخره |
أفي الناس إلاّ أنتَ من عَمَّ خيرُه | بيوم على الدنيا تطايَرَ شرّه |
وما غيرك المدعوُّ إن شبَّ جمرها | وأنشبَ نابُ الخطب فينا وظفره |
قواضٍ على صرف الحوادث بيضه | مواضٍ لعمري في الكريهة سمره |
إذا ما غزا معروفه النكر مرَّة ً | فللّه مغزاه وبالله نصره |
تدفَّق في حوض المكارم جوده | وحَلَّق في جَوٍّ من الفخر صقره |
فهل يعلمنَّ المجدُ أنّك فخره | وهل يَعْلَمنَّ الجود أنَّك بحره |
ومستعصم بالعزِّ منك وثوقه | إليك إذا هاب الدنايا مفره |
وما خفيت حال عليك ظهروها | وكيف وسرُّ العَبد عندك جهره |
فلا تحسبّني من ثراك مملّقاً | وربَّ غنيٍّ ليس يبرح فقره |
وليس فقيراً من رآك له غنى ً | ولا آيساً من أنتَ ما عاش ذخره |
فشكراً لأيديك التي قد تتابعت | إليَّ بما يستوجب الحمد شكره |
ولو نظم الجوزاء فيك لما وفى | بها نظمه المثني عليك ونثره |
وما يملأ الأقطار إلاّ ثناؤه | ويعذب إلاّ في مديحك شعره |