عليكَ دُموعُ العَين لا زال تَنْهَلُّ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
عليكَ دُموعُ العَين لا زال تَنْهَلُّ | ووجدي بكم وجدُ المفارقِ لا يسلو |
وها أنا من فقدانكم ما دجا ليل | أبيتُ ولي وَجْدٌ حرارته تعلو |
ودمع له في عا | رضي عارض هطلُ |
شُغِلْتُ بهذا الوجد قلباً مجّذذاً | ولم أَر لي من شاغل الدمع منقذا |
إلامَ أعاني ما اعانيه من أذى | وأطوي على جمرٍ وأغضي على قذى |
وأشغلُ أعضائي وقلبي له شغلُ | |
أقضي نهاري في عسى ولربّما | وأبكي عليكم كلّ آونة ٍ دما |
وإنّي وعيشٍ فيكم قد تصرَّما | إذا الليل وافى ضقتُ ذرعاً إلى الحمى |
وفاضت شؤون ليس يعقِلُها عَقْلُ | |
شَجاني حَديثٌ بالبَوار مُصَرِّح | وأوضحَ لي حالَ الرُّصافة ِ موضح |
فمن ثمَّ إنْ يفصحْ وللشوقِ مفصح | حداني إلى الزوراء شوق مبرِّح |
فماذا الذي حدَّتثْ عن حالها سهل | |
وقالوا نبتْ لكنْ بأرباب فضلها | وجارتْ على أشرافها بعد عدلها |
فقلتُ ولا مأوى ً إلى غير ظلها | إذا ما نيت دارُ السلام بأهلها |
فلا جبلٌ يؤوي الكرامَ ولا سهل | |
على ما أُصيبَت من عظيم مصابها | وما آذنتْ أحداثها بخرابها |
فلا ظِلَّ إلاَّ في فسيح رحابها | وإنْ قلصَ الظلّ الذي في جنابها |
فأين من الرمضاء في غيرها ظلّ | |
أيُعرفَ خفضُ العيش إلاّ بخفضها | وفيض النمير العذب إلاّ بفيضها |
لئن أجدَبَتْ يوماً فهل مثل روضها | وإنْ نَضِبَ الماء النمير بأرضها |
فأيّ شراب في سواها لنا يحلو | |
رعى الله ماضي عَهديَ المتقادمِ | ببغدادَ في رغدٍ منَ العَيْش ناعمِ |
وفي الكرخِ جاد الكرخَ صوبُ الغمائمِ | ديارٌ بها نيطَتْ عليَّ تمائمي |
قديماً ولي فيها نما الفرع والأصلُ | |
يكلِّفُني عنها النّوى فوقَ طاقتي | فسكري بتذكاري بها وإفاقتي |
منازلُ أحبابي ومنشا علاقتي | بها سَكني في رَبعها الخصب ناقتي |
بها جملي يرغو بها قيمتي تغلو | |
تذكَّرتُ أحباباً لأيامِ جمعها | ولم يصدعِ البينُ المشتُّ بصدعها |
فآهاً على وصلي لها بعد قطعها | ألا ليت شعري هل أراني بربعها |
مقيماً وبالأحباب يجتمع الشمل | |
عفا ربعها من رَسْمِه وطلوله | وأضحى هشيماً روضها بمحموله |
فيا هلْ يروّيها الحيا بهموله | وهل روضها يخضرُّ بعد ذبوله |
ويهمي على أوراقه الوبل والطل | |
لقد شاقني منها كرامٌ أماجدُ | مشاهدهم للعالمين مقاصدُ |
فهلْ أنا في تلك المقاعد قاعد | وهل أنا في يوم العروبة قاصد |
لحضرة بازٍ شأنها الفصلُ والوصلُ | |
وهل أنا يوماً ظافرٌ بمقاصِدي | فمكرمُ أحبابي ومكبتُ حاسدي |
وأجري مع الإخوان مجرى عوائدي | وهلْ كلّ يوم لاثم كفَّ والدي |
أبي مصطفى ذي همة أبداً تعلو | |
وهلْ علماءٌ طبَّقَ الأرض علمهم | وحيَّر أفهامَ البريّة ِ فهمهمْ |
تَقَرّ بهم عَيني وينجاب غمّهم | وهل أدباء الجانبين يضمّهم |
وايّاي طاقٌ نقله الأدب الجزل | |
فأغدو ولا كانَ التفرُّق لاقيا | وجوها عليها قد بللتُ المآقيا |
بطاقٍ رقى فيمن حواه المراقيا | وذلك طاقُ الشهم لا زال باقيا |
له العَقُد في أرجائه وله الحلّ | |
وهلْ يُريني مُصبحاً كلّ منجب | وخوّاض أغمارِ الخطوب مجرّب |
وكلّ فتى ً عذب الكلام مهذّب | وهل يريّني ذاهباً بعد مغرب |
لتكية شيخِ العصرِ من جوره العدل | |
بناها لأشياخٍ قرارة عزِّهم | وصدَّرهم فيها ولاذَ بحوزهم |
وإنْ كان لم يفقه إشارة رمزهم | ففيها صدورٌ لازموه لعجزهم |
وما ظعنوا بالسير عنه وقد كلّوا | |
بلونا سراها بعد إصرام حبلها | فكان من البلوى تعذُّرُ مثلها |
ديارٌ عَرَفنا بعدها كنه فضلها | سلام على تلك الديار وأهلها |
فهم في فؤادي دائماً أينما حلّوا | |
يروقُ لعيني أنْ تكونَ جلاءها | وتشتاقُ نفسي أرضها وسماءها |
ومَن قال أسلو ماءَها وهواءَها | فوالله لا أسلو هواها وماءها |
إذا كان قلبي عندها فمتى أسلو | |
أحبَّتَنا مِنّي السلامُ عليكمُ | إذا نُشِرَتْ صحفُ الغرام لديكمُ |
أحبَّتنا والدهرُ أبعد عنكمُ | أحِبَّتنا هلْ من وُصولٍ إليكمُ |
فقد تعبت بيني وبينكم الرسل | |
تناءيت عنكم والهوى فيكم معي | كأنْ لم أكنْ منكم بمرأى ً ومسمع |
وقد طالَ بعدي عن دياري وأربعي | ألا هِمَّة ٌ تُرجى ووصلٌ مُرجعي |
لديكم إذا شئتم به اتصل الحبل | |
أحبَّتنا أصبوا إلى حسن قولكم | وإنْ ذقتُ فيه المرَّ من حلو عذلكم |
أحِنُّ لمغناكم وسامي محلكم | وإنّي بناديكم على سُوء فعلكم |
أرى أبداً عندي مرارته تحلو | |
سألتُ إلهاً لم أخبْ بسؤاله | بلوغَ المنى من فضله ونواله |
وأدعو دعاءَ العيد عند کبتهاله | وأسأل ربي بالنبيّ وآله |
يسهّل عَودي نحوكم وله الفضل |