أرشيف المقالات

من مداخل الشيطان: الأمن من مكر الله

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
من مداخل الشيطان
الأمن من مكر الله

من الناس من يقيم على المعاصي، فإذا نصحته رد عليك بقوله: «الله غفور رحيم» ولقد نسي هذا المسكين أن عذابه هو العذاب الأليم، فقد قال تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 49، 50]، فالله غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين، ولكن العاصين لهم عذاب أليم، فلا تغتر أيها العبد برحمة الله ولا تأمن مكره: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99].
 
ومكر الله: استدراجه بالنعمة والصحة [1] .
 
والأمن من مكر الله يورث الغفلة، والغفلة تورث التهاون، وما أدراك ما التهاون؟! هو سلم الشيطان وسبب من أسباب الخسران، فمن تهاون في أمر من أوامر الله، جره الشيطان إلى ما هو أكبر منه، وهكذا حتى يوقعه في شباك المعاصي.
 
فلا بد للنفس من خوف يردعها عن المعاصي ويصدها عن المحارم، بل إن المؤمن كلما ازداد إيمانًا، ازداد خوفًا وشفقة على نفسه، ولذلك حكى الله تعالى عن المؤمنين في الجنة قولهم: ﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 26، 27].
 
ولذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن[2].
 
وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»؛ رواه البخاري[3].
 
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» رواه الترمذي وحسَّنه.
 
يقول المنذري رحمه الله: ومعنى الحديث أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة، والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفًا من القواطع والعلائق؛ اهـ[4].
 
وروى الحاكم عن بهز بن حكيم قال: أمَّنا زرارة بن أوفى رضي الله عنه في مسجد بني قشير، فقرأ المدثر، فلما بلغ: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ﴾ [المدثر: 8]، خرَّ ميتًا.
 
وكيف تأمن مكر الله وأمامنا يوم تشيب فيه الولدان؟! يوم نقف أمام الله حفاة عراة، فيسألنا عن كل كبيرة وصغيرة، وكل حركة وسكنة، ولعمر الله إن الأمر عظيم، والخطب جليل؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ، تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ[5] قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ»[6].
 
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2]، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: «أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ»، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ»، قَالَ: فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الحِمَارِ»[7].




[1] تفسير القرطبي (7/ 254).


[2] تفسير ابن كثير (2/ 234).


[3] صحيح: رواه البخاري رقم (4621) في «التفسير».


[4] حسن: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (8/ 377)، والبيهقي (7/ 358/ 10577)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 308)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في «الصحيحة» (954)، و«صحيح الجامع» (6222).


[5] أي باطن قدميه الذي لا يصل إلى الأرض عند المشي.


[6] صحيح: رواه البخاري رقم (6561) في «الرقاق» باب صفة الجنة والنار.


[7] متفق عليه: رواه البخاري رقم (6530) في «الرقاق»، ومسلم رقم (222) في الإيمان.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن