طرفٌ يراعي النَّجم وهو مؤرَّقُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
طرفٌ يراعي النَّجم وهو مؤرَّقُ | وجوى ً تكاد به الجوانح تُحْرَقُ |
ومع الذين أودهم لي في الدجى | عتب برقّ وعبرة تترقرق |
إني لأذكرهم على شحط النوى | فتظلّ عيني بالمدامع تشرق |
يا سعد قد ألف السهاد متيّمُ | دامي الحشاشة مستهام شيّق |
ماذا تقول وكيف ظنّك بالكرى | أيراجع الأجفان وهو مطلَّق |
أمْ هل يعود لنا الزمان بما مضى | من لهوه والعود غض مورق |
أيام ترفل بالشباب وعيشنا | فيما تسرّ به النفوس منمق |
واهاً لعيشك بين أكناف الحمى | وأحبّة بالجزع لم يتفرقوا |
في منزل نشأت به زهر الرّيا | وسقاه ريقته السحاب المغدق |
والروق تطربنا بسجع لحونها | والبان يرقص تارة ويصفّق |
أمّا خمائله وأيّ خمائل | فالسندسُ المخضرُّ والإستبرق |
كشف الربيع لنا مخايل وجهه | فيها وطاب صبوحنا والمغبق |
فرياضنا زهر النجوم وكأسنا | يسعى بها ساقٍ أغنُّ مقرطق |
برزت بنوّار الشقيق فلم يزل | بدر الدجنة عندها يتشقق |
فكأنَّ كأس الراح برق لامع | وكأنَّ جنح الليل غيم مطبق |
ومهفهف الأعطاف تحسب أنّه | قمر بدرُيّ النجوم ممنطق |
يرنو إليك بمقلة سحّارة | تهوى ملاحتها القلوب وتشفق |
أرأيت ما فعلت نواظر شادن | لم يلتفت لدم يطل ويهرق |
يا أيها الرشأ الذي ألحاظه | ترمي بأسهمها القلوب وترشق |
قلبي أسيرٌ في هواك معذب | فأنا المقيّد في هواك المطلق |
ولقد أرقْت لك الدموع بأسرها | شوقاً فما لك لا ترقّ وترفق |
هلاّ رجعت إلى وصال متيّم | شبّ الغرام وشاب فيه المفرق |
فامنن عليَّ بقبلة تسخو بها | كرماً كما يتصدق المتصدق |
هيهات فاتت بعد فائتة الصبا | لذاتنا اللاتي لها أتشوق |
ذهبت ولم تذهب عليها حسرة | في كل يوم تستجّد وتخلق |
وعفت منازل للهوى ومعالم | كان الزمان بها عليه رونق |
أعِدِ الحديث عن الديار وقل لنا | بأبيك ما فعل الحمى والأبرق |
لا جاز أرضك يا منازل مرعد | من عارض يسقي ثراك ومبرق |
واعشوشبت منك البقاع وأينعت | منك الأزاهير التي تتأنّق |
أنّى تغيّرت البلاد وأهلها | وأتى عليها الدهر وهو مفرق |
وتبدلت تلك الوجوه بغيرها | غربت بدور ما هنالك تشرق |
نعم الذين شقيت من أدبي بهم | فيما لقيت فما نعمت ولا شقوا |
هذي هي الدنيا كما تريانها | حرم اللبيب بها وفاز الأحمق |
فصبرت فيها والخطوب متاحة | لا ضاجر منها ولا أنا مشفق |
حتى رأيت النائبات تقول لي | عجباً لصبرك كيف لا يتمرق |
ومذ امتدحت أبا الجميل فلا يدي | صفر ولا أنا من نداه مملّق |
حملت مناقبه الرواة بأسرها | فمغرّب بثنائه ومشرّق |
من مبلغ الشعراء عنّي أنني | في الجدّ شاعره المجيد المفلق |
وسواي في الشعراء عن ممدحه | راوٍ بمثل حديثه لا يوثق |
غرّدت فيه مطوَّقاً بجميله | إنّ الحمام كما علمت مطوق |
أنبأت عنه وكنت أصدق لهجة | ويسرّني أني أقول فأصدق |
نبأٌ عن المجد الأثيل ومنبىء ٌ | تصغي له أُذُنُ الزمان فيطرق |
لو بارز الليل البهيم أعانه | من صبح غرّته عليه فيلق |
يسطو على الأرزاء سطوة ضيغم | إحدى براثنه السنان الأزرق |
متصرف في البأس حيث وجدته | ما زال يفتق ما يشاء ويرتق |
ويروق عند لقائه وعطائه | غيث يصوب وبارق يتألق |
فكأنما العافون منه بروضة | أنهارها من كفّه تتدفق |
فانظر إلى الأحرار وهي عبيده | بالبر إلاّ أنها لا تُعتَق |
خلق الجميل بذاته لوجوده | خلقاً وها هو في سواه تَخَلُّقُ |
كرم على عسر الزمان ويسره | لا يستقر المال حتى ينفق |
ولقد كفاني الله فيه عصابة | لا أرتجيهم أبرقوا أم أرعدوا |
والله يعلم أنَّ قدرك فوقهم | وعلاك في جوّ السماء محلّقُ |
يا لابساً بُرْدَ الأبوّة والعلى | أرج الثناء بطيّ بردك يعبق |
فلكم يضوع مكارماً ومفاخراً | يحيا بطيب أريجه المستنشق |
لم تبصر العينان مثلك لاحقاً | للأولين وسابقاً لا يُلحق |
أحييتَ مجداً رمّ بعد فنائه | فالمجد حيٌّ في حياتك يرزق |
تفديك مما تشتكيه من الأذى | خلقٌ وددَت لو أنهم لم يخلقوا |
وُفّقت للفعل الجميل وصنعه | إنّ الموفّق للجميل موفَّق |
فسعى إلى جدواك كلُّ مؤمّلٍ | باب المواهب دونه لا يغلق |
تملي عليك الشكر ألسِنة ٌ لها | يحلو لها لفظ ويعذب منطق |