على مثله تجري الدُّموعُ السواجمُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
على مثله تجري الدُّموعُ السواجمُ | وتبكي ديارٌ أُخْلَيتْ وَمَعَالمُ |
ومن بعده لم يبق في الناس مطمع | لأنسٍ ولا في هذه الناس عالم |
لتقضِ المنايا شاءت فقد وهت | قوى الصبر وانحلت لديها العزائم |
وشُقَّت قلوبٌ لا جيوبٌ وأُدْمِيَتْ | جوانح قد شُدَّت عليها الحيازم |
تيقَّظ فيها للنوائب نائم | ووافى إلى حرب الزمان مسالم |
وكنّا بما نلهو على حين غفلة | أمنّا هجوم الموت والموت هاجم |
وما ذرفت عيناي إلاّ لحادث | ألمَّ بنا فاستعظمته العظائم |
وفلَّ قضاء الله شفرة صارم | أقارع أعدائي به وأُصارم |
وسكن فعلاً ماضياً من غراره | وما دخلت يوماً عليه الجوازم |
وأصْبَحْتُ لا درعٌ يقيني سهامها | ولا في يميني مرهف الحد صارم |
غداة رأت عيني الأمين محمداً | صريعَ المنايا والمنايا هواجم |
وقد ميطَ عن ذاك الجناب الذي أرى | مآزرُ لمْ تعلق بهنّ المآثم |
وقد خَلَعَتْ منه المعالي فؤادها | وإنسانُ عين المجد بالدمع عائم |
وعهدي به ما لان قط لشدة ٍ | ولا أَخَذَتْ منه الأمورُ العظائم |
على هذه الدنيا العَفا بعد سيّد | به العيش -حتى فارق العيش- ناعم |
تكدِّر ذاك المنهل العذب صفوه | فلا حام ظمآناً على الماء حائم |
لتبك عليه اليوم أنباءُ هاشم | إذا ما بكَتْ أبناءَها الغرَّ هاشم |
تَفَرعَ عنها مُنْجِبٌ وابنُ منجبٍ | غذته لبانَ العزِّ منها الفواطمُ |
فقام بأمر الله غير مداهن | لأمر ولمْ يعقد عن الحقّ قائم |
ولا يتّقي في الله لومة لائم | ولم يثنه عن طاعة الله لائم |
ويقدم للأمر الذي يعد الرّدى | وقد أحجمتْ عنه الأسودُ الضراغم |
ويرضيه ما يرضى به الله وحده | وإنْ غضبَ القوم الطغاة وخاصموا |
فرُحنا نواري في الثرى قَمر الدجى | فلا فجَّ إلاّ وهو أسْوَدُ فاحم |
ونحثو على الضرغام أكرمَ تربة ٍ | ثوى في ثراها الأنجبون الأكارم |
وطافت به أملاكها وتنزلتْ | من الملأ الأعلى عليه عوالم |
وقلنا لقد غاض الوفاء وأقعلتْ | بوابل منهلّ القطار الغمائم |
وهل تبلغ الآمال ما منيتْ به | وقد فجعتْ بالأكرمين المكارم |
هنالك لم تُحبَس لعَينيَّ عبرة ٌ | عليه ولم تثبت لصبر قوائم |
ومن عجب نبكيه وهو منعم | ونعبس مما قد دهى وهو باسم |
سقاك الحيا المنهلُّ عشية ٍ | وحيّاك منه العارض المتراكم |
نأيتَ فودَّعنا الفضائل كلّها | فيا نائباً بالله هلْ أنتَ قادم؟ |
ويا صخرة الوادي التي قد تصدَّعتْ | وكان لعمري يتّقيها المزاحم |
لئن كان أنسي فيك أنساً مرزما | فحُزني عليك اليوم حزن ملازم |
بمن أَتَسلَّى عنك والناس كلُّها | وحاشاك إلاّ من عرفت بهائم |
بمن أتّقي حَرَّ الزمان وبرْدَه | ويعصمني ممّا سوى الله عاصم |
وفيمن تراني أستظلّ بظلّهِ | إذا نفحتْ تشوي الوجوهَ سمائم |
وإنّي على ما فاتني منك نادم | |
أشَنّفُ سَمعي منك باللؤلؤ الذي | يَروقُ ولم ينظِمْه في السِّلْكِ ناظِمُ |
برغميَ فارقتُ لاذين أحبّهم | ولي فيهمُ قلبٌ من الوجد هائم |
وقاطعني لا عن تقالٍ مقاطعٌ | وصارمني لا عن جفاءٍ مصارم |
وضاقت عليَّ الأرض حتّى كأنّها | |
لقد كسفتْ تلك الشموس وأغمدتْ | ببطن الثرى تلك السيوف الصوارم |
أسامرُ ذكراه بها وأنادم | |
وأذكر عهِد الودّ بيني وبينه | وهيهات ينسى عهده المتقادم |
وقد كنت أهوى أنْ أكونَ له الفدا | فألقى الرّدى من دونه وهو سالم |
ولكنْ أراد الله إنفاذَ أمرِه | ليحكم فينا بالجهالة حاكم |
ويرغم أنف الفضل للنقض راغم | |
تبيت القوافي بالرثاء وغيره | تنوح كما ناحت عليه الحمائم |
تقلّص ذاك الظلّ عنا ولم يدم | علينا وما شيء سوى الله دائم |
فيا مُرَّ ما لاقيتُ منه بفقده | على أنَّه الحلوُ اللذيذُ الملائم |
ويا واعظاً حيّاً وميتاً وكلُّه | مواعظ تشفي أنفساً ومكارم |
خرجتَ من الدنيا إلى الله لائذاً | برحمته والله للعبد راحم |
وأعرضتَ عن دنياك حزماً وعفّة ً | وما کغتر في الدنيا الدنيّة حازم |
وما عرفَ القومُ الذين نبذتهم | وراءك ما مقدار ما أنتَ عالم |
على عربيٍّ ضيَّعته الأعاجم | |
وقد أعوزَتْني بعده بلّة الصدى | فمن لي ببحرٍ موجُهُ متلاطم |
ونكّسْتُ رأسي للزمان وخطبه | فلا وضعت فوق الرؤوس العمائم |
وما زال قولي غير راضٍ وإنّما | لشدّة ما تعدو الخطوب الداهم |
لكلّ اجتماع لا أباً لك فرقة | وكلُّ بناءٍ سَوْفَ يلقاه هادم |
يعيد عليَّ العيدُ حزناً مجدّداً | وما هذه الأعياد إلاّ مآتم |