بكت بدمٍ من بعد عيسى وبندر
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بكت بدمٍ من بعد عيسى وبندر | عيونُ ذوي الحاجات من كلّ معشر |
أهرقت الدمع الغرير عليهما | لواعج حزن في الجوانح مضمر |
فلم تبق منه زفرة ما تأججت | ولا عبرة من مقلة لم تحدّر |
أقول لركب راح يرتاد منزلاً | لربع على نهر المجرّة مقفر |
سرى ضارباً في الأرض ما بين منجد | يخدّ أخاديد الفلاة ومغور |
أقيموا عل قبر ثوى بندر | صدور المطايا ما ثوى قبر بندر |
ولا تسأموا من واكف الدمع وافرجوا | من الحزن مبيض الدموع بأحمر |
ولا تندبوا غير المكارم والعلى | لعالٍ كما صدر القناة مشهر |
بكيت فأكثرت البكاء وحقّ لي | بكائي على وفد من العز مكثر |
وإنّي لمعذور إذا ما بكيته | بأكثر من قطر الغمام وأغزر |
ولي عبرة لم ترقت عند ادّكاره | كما لي فيه عبرة المتفكر |
وهيهات أنْ أسلوه يوماً وإنّني | خلا منه يوماً خاطري وتذكري |
حسامٌ صقيل المتن أُغمِدَ في الثرى | ووارى ترابُ الأرض طلعة نيّر |
وقد كان لم يحجب سناه بحاجب | ولم تستتر أضواؤه بمستّر |
فوا أسفي إنْ كان يغني تأسُّفي | وما حَذَري إنْ كان يجدي تحذري |
وكنت أراني في النوائب صابراً | فأعدمني صبري فأنى تصبّري |
وإنّي لمقبول المعاذير في الأسى | ومن يعتذر مثلي إلى الصبر يُعذر |
لقد ضقت ذرعاً بعد فقدان باسل | من الصيد مفتول الذراع غضنفر |
وما سرّ نفسي بعده ما يسرّها | ولا راق ما قد راق شيء لمنظري |
فيا عبراتي كلّ آن تحدّري | ويا نار أحشائي عليه تسعّري |
فقد غاض بحر كلَّما مدّ راحة | إلى الوفد فاضت منه خمسة أبحر |
فتسخر من ويل السحاب أكفُّه | بأبرعَ من وبل السحاب المسخّر |
إلى الله خطب كل يوم يعاد لي | برزءٍ من الأرزاء يقطع إبهري |
مصابٌ أُصيبَتْ فيه آل محمد | برغم العوالي من وشيج وسمهري |
أصيبت بقوم ما أصيبت ولم تصب | به مضرُ الحمرا ولا آل حمير |
أرتنا المنايا كيف تُصمي سهامها | وكيف تصول النائبات وتجتري |
ولو أنَّه يُفدى فَدَتْهُ أماجدٌ | ترى الموت إلاّ فيه أربحَ متجر |
ولو أنه يدعو الكماة لنصره | عليها أجابته بنصرٍ مؤزر |
ولكنه اغتالته إذ ذاك غيلة ً | ولم تمنع عنه بجند وعسكر |
خذي من تشائي بعد أخذك بندراً | من الناس من قد شئته وتخيّري |
فما كان مفقود تشق جيوبها | عليه المعالي يوم مجد ومفخر |
سقاك الحيا المنهلُّ يا قبر بندر | وحيّاك مهراقُ الغمام الممّطر |
سألتك والأجفان يرفضّ ماؤها | عن الضيغم العادي فهل أنت مخبري |
تدلّى عقيراً فيك والحتف صارم | لعمري متى يعقر به الليث يعقر |
محاسنُ ذاك الوجه كيف تغيّرت | وكان على الأيام لم تتغيَّر |
وكان يلاقي ضيفه متهلّلاً | بوجه صباحٍ بالمحاسن مسفر |
وقد نُكّرت من بعد علمي بأنها | معارف للمعروف لم تتنكر |
مضى لا مضى إلاّ إلى عفو ربه | ومسرح جنات ومورد كوثر |
فهل وَدَّعَتْه المشرفيّة والقنا | وناحت عليه البيض في كل محضر |
لمن ترك الخيل الجياد كأنها | عرائس ما زُفَّت لغير مظفر |
صواهل يعشقن الطراد بموقف | تبيع الردى فيه الكماة وتشتري |
دعونا للجدوى مراراً فلم يجب | دعاءً لنا عن عزّة وتكبّر |
وكان من الداعي بمرآى ومسمعٍ | وفي منظر ما يروق ومخبر |
قريب من الحسنى مجيب لمن دعا | زعيم بأخذ الفارس المتجبر |
تراه سلانا بعد هذا بغيرنا | بأرغد عيشٍ أم بأكرم معشر |
ألم يَدْر أنَّ المُلك أُهمل بعده | ليس سوى فهد له من مدبر |
وأنَّ بني العلياء ضاقت صدورها | لفقدان ذاك السيّد المتصدر |
ومن نَظَرَ الأيام معتبراً بها | رآها بعين الذاهل المتجر |
تحذّرنا صرف المنون نزولها | وتنذرنا في كلّ يوم بمنذر |
شراب ولا منها ورود لمصدر | |
ونبكي على الدنيا على غير طائل | وما أحدٌ من أهلها بمعمَّر |
نؤمّل فيها أنْ يدوم لنا بها | حياة وما دامت لكسرى وقيصر |
ونطمع منها بالمحال ولم تكن | أمانيُّنا إلاّ أحاديث مفتري |
وهذي هي الآجال قد قدّرت لنا | ولم يَنَل الإنسان ما لم يُقدَّر |
ولا بد أن يُمشى بنا فوق أرْبَعٍ | إلى حفرة لا مشية المتبختر |
ولو أننا كنّا بقصرٍ مشيّدٍ | وحصن حصين بالحديد مسوّر |
وإنَّ المنايا كائناتٌ لوقتها | إذا قدّمت للمرء لم تتأخر |
ولا وزرٌ مما قضى الله عاصم | ولا يتّقى منه بدرع ومغفر |
على أنها الدنيا إذا ما صفا لنا | بها العيش شابت صفوَه بمكدّر |
ومن ترك الدنيا رآها بعينه | قصاصة ثوب أو قلامة أظفر |