أمنْ بعد الهمام القرم وادي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أمنْ بعد الهمام القرم وادي | تصوبُ غمامة ٌ ويسيل وادي |
وهل يسقي الغمامُ بني زبيدٍ | فتنقع غلة ويبلّ صادي |
لتصدى بعده الورّاد طرا | وأين الماء من غلل الصوادي |
شديد البأس أروع مستشيط | يرد شكيمة الكرب الشداد |
فكيف يقوده صرف المنايا | وكنت عهدته صعب القياد |
قريباً كان مِمَّن يَرْتَجيه | رماه الحتفُ منّا بالبعاد |
وذخر الأنجبين وكلّ ذخر | ستسلِمه الخطوبُ إلى النفاد |
فقدنا صبحَ غرَّته بليل | كسا الأيام أردية السواد |
وروّعت النجوم الزهر حتى | برزن من الدجنّة في حداد |
كأنَّ له من الأحشاء قبراً | فؤادي لو شققت على فؤادي |
يعزّ على العوالي والمعالي | وسمر الخط والخيل الجياد |
أسيرٌ بين أيديها المنايا | فلا يُفدى وإن كثر المفادي |
يغضّ الطرف لا عن كبرياء | ولم يشغل بمكرمة ودادي |
فليس القول منه بمستعاد | وليس الجود منه بمستفاد |
يبيت بلا أنيس بين قومٍ | نيامٍ لا تَهُبُّ من الرقاد |
ولو يفدى فدته إذّن رجال | عوادٍ بالسيوف على الأعادي |
وحالت دونه بيض حداد | شفعن بزرقة السمر الصعاد |
ولاجتهدت بمنعته عقول | لها في الرأي حقّ الاجتهاد |
ولكن قد أصيبَ بسهم رامٍ | قضى أن لا يرد عن المراد |
وليس لما قضاه الله ردٌ | وأمرٌ الله يجري في العباد |
أرى الآجال تطلبنا حثيثاً | ونحن من الغواية في تهاد |
وأعمار تناكصُ بانتقاص | وآمال تهافت بازدياد |
وقد غلبت لشقوتنا علينا | وكاد الغيٌّ يمكر بالرشاد |
ونطمع بالبقاء وما برحنا | نروَّع بالتفرّق والبعاد |
نودّع نائياً بالرغم منا | إلى سفر يطول بغير زاد |
ونسلو عن أحبتنا ولسنا | بملتقيين إلاّ في المعاد |
لقد عظم المصاب وجل رزاءٌ | بفقد المكرمين من البلاد |
فقدنا وادياً فيها فقلنا | على الدنيا العفا من بعد وادي |
وفلَّ الموت مضرب هندوانٍ | وأرزى بالحمائل والنجاد |
أذوب عليك بالحزن إدّكاراً | وأشرق منك بالماء البراد |
ولي نفسٌ تلهَّبُ عن زفيرٍ | كما طار الشَّرار عن الزناد |
على ليث هزبر تكاد منه | ليوث الغاب تصفد في صفاد |
يماط عن الثياب وكان يكسو | غداة الروع سابغة اللؤادي |
قد انقشعت سحابة كلّ عافٍ | بوبل القطر في السنة الجماد |
وكدرت المشارب بعد صفو | وما يجديك رفق من ثماد |
هي الأيام لا تصفو لحيٍّ | ولا تبقي الموالي والمعادي |
ألَمْ تنظر لما صنعت بعادٍ | وأقيالٍ مضت من بعد عاد |
وما أدري على أيّ اتكال | وثقنا بالسلامة واعتماد |
فكم نطأ الرماد ونحن ندري | ونعلم أنَّ جمراً في الرماد |
وهبنا مثل نبت الزرع ننمو | فهل زرع يدوم بلا حصاد |
وتهلِكُ أمَّة وتجيء أخرى | ويخفى ذا وهذا اليوم بادي |
على هذا اطّراد الدهر قِدماً | فكيف نروم عكس الإطراد |
لقد كانت بيوت بني زبيد | ولا أرمٌ بها ذات العماد |
فراحت كالسوام بغير راع | وضلّت كالجمال بغير حاد |
فمن للجود بعدك والعطايا | ومن للحرب يقدم والجلاد |
فلا تستسقيا غيثاً مريعاً | وقرّي يا طوارم في الغماد |
فقد فَقَدَ المكارم ناشدوها | فلا جود يؤمل من جواد |
بربك هل سمعت لنا نداءً | وما يغني النداء ولا التنادي |
أما أنتَ المجيب لكل هول | ببيض الهند والزرق الحداد |
ومنتدب الكماة ومقتداها | إذا انتدب الفوارس للطرد |
ووابل صوبها المنهل تندى | بنائله الروائح والغوادي |
فمن يدعى وقد صمَّ المنادي | فوالهف الصريخ عن المنادي |
بللتك بالنجيع نجيع دمعي | وأقلامي بمسود المداد |
وقد قلت الرثاء وثَمَّ قولٌ | يثير لظى حشاً ذات اتقاد |
فليتك كنت تسمع فيك قولي | وما أبديه من محض الوداد |
تشق لها قلوب لا جيوب | ولو كانت أفظّ من الجماد |
قوافٍ تقطر العبرات منها | وتستسقى لك الديم الغوادي |
إذا ناحت عليك بكلّ نادٍ | بكينا المكرمات بكل ناد |