تنقلتَ مثل البدر يا طلعة البدر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
تنقلتَ مثل البدر يا طلعة البدر | فمن منزلٍ عزٍّ إلى منزلٍ فخر |
بأمر وليّ الأمر سرت ولم تزل | كما أنت تهوى صاحب النهي والأمر |
دعاك إليه فاستجبت كأنّما | دعاك وزير العصر دعوة مضطرِّ |
ومثلك من يُدعى لكلِّ مُلِمَّة ٍ | من الدهر مقدام على نوب الدهر |
تعدّك للخطب الملوك ذخيرة | وأن الرجال الشوس من أنفس الذخر |
فإمّا إلى حرب وقد شبّ جمرها | لها شرر ترمي به الجميع كالقصر |
وإمّا إلى بأسٍ شديدٍ وقدرة | وإمّا إلى عالٍ رفيع من القدر |
طلعت على بغداد يوماً فشاهدت | بوجهك يا مولى الورى طلعة البدر |
تباشرت الأشراف حين تحقَّقت | قدومك بالإكرام والنائل الوفر |
إذا قيل وافى بندر قال قائل | من البشر وافاكم إذَنْ وابل القطر |
فأغمرتهم بالفضل حتى ملكتهم | ببّرك، إن الحرَّ يملكُ بالبر |
قضت بك أعياد المسَرَّة والهنا | وهاتيك أعيادٌ تعدُّ من العمر |
وشد وزيرٌ أزره بك فاغتدى | لعمري قويَّ الأزر منشرح الصدر |
ولما نشرت العدل من بعد طيّه | وأحسنت طيَّ الجور في ذلك النشر |
ذكرت لسلطان السلاطين كلّها | وقد قيل إنَّ الأذنَ تعشقُ بالذكر |
فأهدى إلى علياك ما أنت أهله | فقارن بدر التّمَّ بالكواكب الدري |
وأرغمت آنافاً وأكبتّ حُسَّداً | وحاق بأهل المكر عاقبة المكر |
وقد جئت مسرور الفؤاد مؤيّداً | من الله بالتوفيق والفتح والنصر |
تجرُّ ذيول الفخر تيهاً على العدى | ألا إنَّ خفض العيش من ذلك الجرِّ |
تحفُّ بك الفرسان من كلِّ جانب | وتدعو لك الأملاك بالسرّ والجهر |
ولما رأيت الماء طمَّ على القُرى | وأصبح في إفساده أبداً يجري |
طغى والذي يطغى وقد مدَّ باعه | ليفسدَ أمسى مدهُّ منك في جزر |
وما سال مثل اليل إلاّ رددته | وخليت منه سائل البحر في نهر |
سلكت به النهج القويم لو اهتدى | لما ضلَّ هذا الماء في مهمه قفر |
حشرت لسدّ الماء كلَّ قبيلة ٍ | لها وقفة ترضيك في وقفة الحشر |
تسدُّ ثغوراً لا تسدُّ ولم يكن | سواك سداد في الحقيقة للثغر |
فكيف إذَن بحر أضرَّ وإنَّما | فعلتَ بهذا البحر فعلك في البر |
وما زلت مدعوَّ الجناب لمثلها | فتكشف ما قد حلّ بالناس من ضُرِّ |
تدافع عن ملك العراق وأهله | مدافعة المغتار عن ربة الخدر |
يضرب ظباً بيض تأجَّجُ بالرّدى | وطعن قناً سمرٍ أحرَّ من الجمر |
وأنتم أباة الضيم ما ذلَّ جاركم | ولا نظرتكم أعين الضيم عن شزر |
لكم والليالي حيث تمضي وتنقضي | على كل حال كان في العسر واليسر |
بيوت على شط الفرات رفيعة | يرى نارها تبدو لمن حلّ في مصر |
ولولا طروق الضيف من كل وجهة | لما بنيت إلاّ على الأنجم الزهر |
وما ضلّ ساري الليل إلاّ اهتدى بها | كنور سنا الإسلام في ظلمة الكفر |
إلى الغاية القصوى إلى الجود والندى | إلى منزلٍ رحب إلى نائل وفر |
فللضيف فيها مشهد الحج في منى | وللنوق فيها للقرى مشهد النحر |
مكارم قد أورثْتُموها قديمة ً | وتلك مواريث لآبائك الغر |
سلكت بتلك الخيم ما سلكت به | وما سلكت إلاّ بمسلكها الوعر |
تسلُّ السيوف البيض كفك للورى | فكفّك للجدوى وسيفك للقهر |
وعلّمتها ضرب الرقابِ فأصبحت | تقدّ رقاب الفاجرين ولا تدري |
ملأت فؤاد الضدّ رعباً ورهبة | وأوّل ما ترمي أعاديك بالذعر |
فهابك من خلَّ العراقَ وراءه | فكيف بمن لا يستزل عن الوكر |
ولم تنج من صمصام صولتك العدى | ولو أنها طارت بأجنحة النَّسر |
لك الله ما شيدت بيتاً من العلى | على غير سمر الخطّ والقضب البتر |
لك المدح منّا والثناء بأسره | على أنَّ في الأخرى لك الفوز بالأجر |
عن النعم اللاّتي بلغنا بها المنى | وبيض أيادٍ منك في الأزمن الغبر |
تجل عن التعداد إنْ هي أحصيت | فيا ليت شعري ما أقول من الشعر |
عجزت بأن أقضي لها حقّ شكرها | فليس يعني نظمي بذاك ولا نثري |