ألَمْ تَدْرِ مَا قَالَ الظِّبَاءُ السَّوانِحُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ألَمْ تَدْرِ مَا قَالَ الظِّبَاءُ السَّوانِحُ | مَرَرْنَ أمَامَ الرَّكْبِ والرَّكْبُ رَائِحُ |
فَسَبَّحَ مَنْ لَمْ يَزْجُرِ الطَّيْرَ مِنْهُمُ | وأيقنَ قلبي أنّهنَّ نواجحُ |
فأوَّلُ مَنْ مَرَّتْ بِهِ الطَّيْرُ نِعْمَة ٌ | لَنَا وَمَبِيتٌ عِنْدَ لَهْوَة َ صَالِحُ |
سبتكَ بعينيْ جؤذرٍ حفلتهما | رِعاثٌ وَبَرَّاقٌ مِنَ اللَّوْنِ وَاضِحُ |
وأَسْوَدَ مَيَّالٍ عَلَى جِيدِ مُغْزِلٍ | دَعَاهَا طَلًى أحْوَى بِرَمَّانَ رَاشِحُ |
وعذبُ الكرى يشفي الصّدى بعدَ هجعة ٍ | لَهُ مِنْ عُرُوقِ الُمُسْتَظِلَّة ِ مَائِحُ |
غذاهُ وحوليُّ الثّرى فوقَ متنهِ | مدبُّ الأتيِّ والأراكُ الدّوائحُ |
فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ السُّيُولُ بَدَا لَهَا | سقيُّ خريفٍ شقَّ عنهُ الأباطحُ |
إذا ذقتَ فاها قلتَ طعمُ مدامة ٍ | دنا الزّقُّ حتّى مجّها وهوَ جانحُ |
وَفِي الْعَاجِ والحِنَّاءِ كَفٌّ بَنَانُهَا | كَشَحْمِ النَّقَا لَمْ يُعْطِهَا الزَّنْدَ قَادِحُ |
فكيفَ الصّبى بعدَ المشيبِ وبعدما | تمدّحتَ واستعلى بمدحكَ مادحُ |
وقدْ رابني أنَّ الغيورَ يودّني | وَأنَّ نَدَامَايَ الْكُهُولُ الجَحَاجحُ |
وصدَّ ذواتُ الضّغنِ عنّي وقدْ رأى | كَلاَمِيَ تَهْوَاهُ النِّسَاءُ الْجَوَامِحُ |
وَهِزَّة َ أظْعَانٍ عَلَيْهِنَّ بَهْجَة ٌ | طَلَبْتُ وَرَيْعَانُ الصِّبَى فِيَّ جَامِحُ |
بِأسْفَلِ ذي بيضٍ كَأنَّ حُمُولَهَا | نخيلُ القرى والأثأبُ المتناوحُ |
فَعُجْنَ عَلَيْنَا مِنْ عَلاَجِيمَ جِلَّة ٍ | لِحَاجَتِنَا مِنْهَا رَتُوكٌ وَفاسِحُ |
يحدّثننا بالمضمراتِ وفوقها | ظِلاَلُ الْخُدُورِ والْمَطِيُّ جَوَانِحُ |
يُنَاجِينَنَا بالطَّرْفِ دُونَ حَدِيثِنَا | وَيَقْضِينَ حَاجَاتٍ وَهُنَّ مَوَازِحُ |
وخالطنا منهنَّ ريحُ لطيمة ٍ | منَ المسكِ أدّاها إلى الحيِّ رابحُ |
صلينَ بها ذاتَ العشاءِ ورشّها | عَلَيْهِنَّ في الْكَتَّانِ رَيْطٌ نَصَائِحُ |
فَبِتْنَا عَلَى الأنْمَاطِ والْبِيضُ كالدُّمَى | تضيءُ لنا لبّاتهنَّ المصابحُ |
إذا فاطنتنا في الحديثِ تهزهزتْ | إلَيْها قُلُوبٌ دُونَهُنَّ الْجَوانِحُ |
وظلَّ الغيورُ آنفًا ببنانهِ | كَمَا عَضَّ بِرْذَوْنٌ عَلَى الْفَأْسِ جَامِحُ |
كئيبًا يردُّ اللّهفتينِ لأمّهِ | وَقَدْ مَسَّهُ مِنَّا وَمِنْهُنَّ نَاطِحُ |
فلمّا تفرّقنا شجينَ بعبرة ٍ | وَزَوَّدْنَنا نُصْباً وَهُنَّ صَحَائِحُ |
فَرَفَّعَ أصْحَابي الْمَطِيَّ وأبَّنُوا | هنيدة َ فاشتاقَ العيونُ اللّوامحُ |
فَوَيْلُ کمِّهَا مِنْ خُلَّة ٍ لَوْ تَنَكَّرَتْ | لأعَدائِنَا أوْ صَالَحَتْ مَنْ نُصَالِحُ |
وَصَهْبَاءَ مِنْ حَانُوتِ رَمَّانَ قَدْ غَدَا | عَلَيَّ وَلَمْ يَنْظُرْ بِهَا الشَّرْقَ صَابِحُ |
فساقيتها سمحاً كأنَّ نديمهُ | أخا الدّهرِ إذْ بعضُ المساقينَ فاضحُ |
فَقَصَّرَ عَنِّي الْيَوْمَ كَأْسٌ رَوِيَّة ٌ | وَرَخْصُ الشِّوَاءِ والْقِيَانُ الصَّوَادِحُ |
إذا نحنُ أنزفنا الخوابيَ علّنا | مَعَ اللَّيْلِ مَلْثُومٌ بِهِ الْقَارُ نَاتِحُ |
لدنْ غدوة ً حتّى نروحَ عشيّة ً | نُحَيَّا وأَيْدِيَنَا بِأَيْدٍ نُصَافِحُ |
إذا ما برزنا للفضاءِ تقحّمتْ | بأقْدَامِنَا مِنَّا الْمِتَانُ الصَّرَادِحُ |
وَدَاوِيَّة ٍ غَبْرَاءَ أكْثَرُ أهْلِهَا | عَزِيفٌ وَهَامٌ آخِرَ اللَّيْلِ ضَابِحُ |
أقَرَّ بِهَا جَأْشِي بِأوَّلِ آيَة ٍ | وَمَاضٍ حُسَامٌ غِمْدُهُ مُتَطَايِحُ |
يَمَانٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ يُرْعَدُ مَتْنُهُ | إذَا هُزَّ مَطْبُوعٌ عَلَى السَّمِّ جَارِحُ |
يزيلُ بناتِ الهامِ عنْ سكناتها | وَمَا يَلْقَهُ مِنْ سَاعِدٍ فَهْوَ طَائِحُ |
كأنَّ بقايا الأثرِ فوقَ عمودهِ | مدبُّ الدّبا فوقَ النّقا وهوَ سارحُ |
وطخياءَ منْ ليلِ التّمامِ مريضة ٍ | أجنَّ العماءُ نجمها فهوَ ماصحُ |
تعسّفتها لمّا تلاومَ صحبتي | بِمُشْتَبِهِ الْمَوْمَاة ِ والْمَاءُ نَازِحُ |
وعدٍّ خلا فاخضرَّ واصفرَّ ماؤهُ | لِكُدْرِ الْقَطَا وِرْدٌ بِهِ مُتَطَاوِحُ |
نَشَحْتُ بِهَا عَنْساً تَجَافَى أَظَلُّهَا | عَنِ الأُكْمِ إلاَّ مَا وَقَتْهَا السَّرَائِحُ |
فسافتْ جبًا فيهِ ذنوبٌ هراقهُ | عَلَى قُلُصٍ مِنْ ضَرْبِ أَرْحَبَ نَاشِحُ |
تريكٍ ينشُّ الماءُ في حجراتهِ | كما نشَّ جزرٌخضخضتهُ المجادحُ |
كَرِيحِ خُزَامَى حَرَّكَتْهَا عَشِيَّة ً | شَمَالٌ وَبَلَّتْهَا الْقِطَارُ النَّوَاضِحُ |
فأصبحتِ الصّهبُ العتاقُ وقدْ بدا | لهنَّ المنارُ والجوادُ اللّوائحُ |