الأخوة في الإسلام
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الأخوة في الإسلام إن حاولْتُ التطرُّقَ إلى هذا الموضوع، لَسالَ حبري دونما توقُّفٍ!
الأُخوَّة في الإسلام معنًى عظيم جدًّا؛ فهي دليل المودَّة والرحمة والتكافلِ والحُبِّ ومدِّ يدِ المساعدة بيننا كمسلمين.
الإسلامُ دينٌ رائعٌ، ومن يَنتسِب إليه يجب أن يكون على مستوى هذه الرَّوْعة! ولهذا فمن الواجبِ على المسلمِ أن يكون مثالًا في أخلاقِه، عنوانًا لشمائل الإسلام السَّمْحة، نبراسًا وتاجًا يُوضَعُ على الرأس.
يقول حبيبُنا وشفيعُنا محمدٌ عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم: ((المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلِمُه، ولا يُسلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه، كان اللهُ في حاجته، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربةً، فرَّج الله عنه كربةً من كربات يومِ القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يومَ القيامة))؛ البخاري ومسلم.
إن القارئ المتمعِّن المتفحِّص لهذا الحديث يتراءى له دون أدنى شكٍّ الحقوقُ والواجبات التي يجب أن تثبتَ بيننا كمسلمين، فنراعيها في معاملاتنا وعلاقاتنا.
ويقول عليه الصلاةُ والسلام أيضًا: ((المؤمنُ للمؤمن كالبنيانِ يَشدُّ بعضُه بعضًا - وشبَّك بين أصابعه))؛ البخاري ومسلم.
إذًا رسولُنا صلى الله عليه وسلم يُوصينا كمسلمين أن نكون يدًا واحدة متعاضِدِينَ متكاتفينَ، إنني أرى أجملَ ما في هذا الدينِ هذه القِيم التي تدعونا للإقبال بعضنا على بعض، وعلى الإغداق بعضناعلى بعض؛ من المحبَّة والوُدِّ والتراحم.
تمعَّنوا معي في هذا الحديث النبوي الشريف الذي يقول: ((تهادَوْا؛ فإن الهَديَّة تُذهِبُ وحرَ الصدرِ))؛ البخاري، ومسلم، والترمذي.
والله إن هذا الحديثَ لكافٍ لنا كي نعلم ما يجب علينا كمسلمين تجاه بعضِنا بعضًا، فالهديَّة مَدعاةٌ لإحسان الظن والرغبة في ردِّ الجميل لصاحبها، وإذا كثرت مثل هذه الصفات في مجتمعٍ ما، توطَّدَتِ العَلاقات، وأصبح المجتمعُ بأسرِه أسرةً واحدة، كلٌّ يخاف على الآخر، وكلٌّ يُحس بوجعِ الآخر، فما بالك إذا كان ذلك المجتمع مجتمعًا مسلمًا، قيمُه تحثُّه على ذلك، وما عليه إلا أن يغرفَ منها بالقدر الذي يريد؟
الفُرقةُ والتشرذُمُ مَقيتتان جدًّا، والمجتمع الذي تنتشران فيه لا بدَّ أنه مجتمعٌ يعيش أزمات وهزَّات في عمقه، وهي خطيرة عليه!
وهذه أبيات جميلة أسوقها إليكم عن روعة الأُخوَّة:
مواكبُ الشوق من قلبي إليكَ أتَتْ
تهدي المحبَّةَ في الرحمن تُبدِيها
إني أحبُّك في الله الذي سجَدَتْ
له الجِباهُ فرَبُّ العرش باريها
منابرُ النور يومَ العرضِ موعدُنا
بُشراكَ إن أنت قد آخيْتَ مَن فيها
يجب التنبيهُ إلى أن مدَّ جسور التواصلِ والتغافل عن الزَّلات - ضروريٌّ حتى يحيا الناس في المجتمع بسلامٍ، كما أن العدلَ والفضلَ لَسببانِ وجيهان في تمتين هذا الأساس.
المبادئ التي ذكرتُها هي من لبِّ وصميم إسلامنا العزيز، فالإسلامُ يدعونا إلى السلام، ورسالتُه سمحاءُ لكلِّ الناس، فكيف إذًا بنا نحن أبناءَه ومنتسبي عقيدته؟!
أتمنَّى - والأمنية مشروعة في سجل الحياةِ - أن نتحلَّى جميعًا بهذه القيم؛ فيصبحُ المسلمُ أخا المسلم عن حقٍّ، وترى الذي بالمغرب يحسُّ بأخيه الذي بالمشرقِ، لم أرَ جمالًا مثل هذا الجمال! إنه قمة في الرُّقيِّ الأخلاقي، ما يجعل الناظرَ من بعيد، المكتشف لخبايا هذا الدين - يعجبُ به، ويؤسر لبه؛ لأن الإنسان تتقاذفُه أفكارٌ عديدة، وإذا رأى عقيدةً سمحاءَ تشفي غليلَه وظمأه، أقبَل عليها، لتمنحَه الهدوءَ والسكينة، فيشعر بأنه يعيش ضمنَ مجتمعٍ يمنحُه الدِّفْء والطمأنينة.
المسلمُ يجب أن يكون على قدرِ مستوى الإسلام، فكما أنَّ الإسلام منارةٌ تشعُّ نورًا على الأرض بأكملِها، فعلى المسلمِ أن يتحلَّى بشمائله وأخلاقِه، يُحسِنُ إلى أخيه في الدين، يكون مثلًا يُحتذَى به وسبيلًا ُيقتفَى أثرُه؛ فنصبح - عن حقٍّ - خيرَ أمةٍ أُخرجَت للناس؛ لنخرجَ كثيرًا من الناس من الظلمات إلى النور إلى رحابِ الإسلام العظيمِ، وهذا هو دورُنا الحقُّ في أن نكون رسلَ رسالته ومبلغي قِيَمِه؛ لأنه واجب علينا كمسلمين إخوة، وكمجتمع يُنظرُ إليه بشغف وتساؤل عن سبب صلاحِه، ونحن قادرون على ذلك بما لدينا من تاريخٍ مشرقٍ يشفع لنا، ويمنحُنا الأملَ بما يحمله لنا المستقبل.