لَيالي الحِمَى ما كنتِ إلاّ لآليا،
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
لَيالي الحِمَى ما كنتِ إلاّ لآليا، | وجيدُ سروري بانتظامِكِ حاليَا |
قرنقَ منكِ الدهرُ ما كانَ ريقاً، | وكدرِ منكِ البعدُ ما كان صافياً |
وقد كنتُ أخشَى من تَجافي أحبّتي، | فلَمّا فَقدناهم، وَدَدتُ التّجافِيا |
ومَن لي بصَدٍّ منهُمُ وتَجنّبٍ، | إذا كان منّا مَنزِلُ القومِ دانيِا |
لقد أرسلَتْ نحوي الغَوادي من الحمى | روائحَ أرخصنَ الكبا والغواليا |
وما أذكَرَتني سالفاتُ عُهُودِهم، | تذكرُ بالأشياءِ من كانَ ناسيا |
وأغيدَ رخصِ الجسمِ كالماءِ رقة ً، | أكابدُ قلباً منهُ كالصخرِ قاسيا |
كثيرِ التجنّي لستُ ألقاهُ شاكراً | على مضضٍ، إلاّ وأُلفيهِ شاكِيا |
يقول، إذا استشفيتُ منه بنظرة ٍ: | كَفَى بك داءً أن ترَى الموتَ شافيا |
ويعجبُ منّي إن تمنيتُ عتبهُ، | وَحسبُ المَنايا أن يكنّ أمانِيا |
فَوا عَجبا يُدعى حَبيبي، وإن غَدا | يُجاوِرُ في سُوءِ الصّنيعِ الأعادِيا |
كما قيلَ للخَرْمِ المخوفِ مَفازَة ً، | ولقبَ أصنافُ العبيدِ مواليا |
ولمّا اعتنقنا للوداعِ، وقد وهتْ | عُقُودُ لآلي نَحرِهِ ومآقِيا |
فحلتْ عقودُ الدمعِ ما كان عاطلاً، | وعطلَ عقدُ الضمّ ما كانَ حاليا |
وكم سِرْتُ إثرَ الظّاعنِينَ مُصَيِّراً | هوايَ دليلاً والذكرَ حاديا |
أسيرُ ومن فَوقي وتَحتي ووُجهَتي، | وخَلفي ويُمنايَ الهَوى وشِماليا |
فما لي إذا يَمّمتُ في الأرضِ وُجهة ً | وصرفتُ في أهلِ الزمانِ لحاظيا |
تَضيقُ عليّ الأرضُ حتى كأنّني | أحاولُ فيها لابنِن أرتقَ ثانيا |
مليكٌ، إذا شبهتُ بالغيثِ جوده، | هجوتُ نداهُ، وامتدحتُ الغواديا |
يعيدُ شبابَ الشيبِ مرآهُ في النّدى ، | وفي الحَربِ مَرآهُ يُشيبُ النّواصِيا |
يرينا الندى في البأسِ والبأسَ في الندى ، | فينعمُ غضباناً، وينقمُ راضيا |
كبيضِ الظبَى تردي القتيل ضواحكاً، | وسُحبِ الحَيا تَروي الغليلَ بَواكِيا |
وما ليَ لا أسعَى بمالي ومُهجَتي، | إلى من بهِ استدركتُ روحي وماليا |
إلى مَلِكٍ يَستَخدِمُ الدّهرَ بأسُهُ، | ويُرجعُ طرفَ الخَطبِ بالعدلِ خاسيا |
إلى مَلِكٍ يُخفي الملوكَ إذا بَدا، | كما أخفَتِ الشّمسُ النّجومَ الدّرارِيا |
إلى مَلِكٍ يُولي الإرادَة َ والرّدى ، | وتحوي المنايا كفُّهُ والأمانيا |
بوَجهٍ غَدا للشّمسِ والبَدرِ ثالثاً، | وقلبٍ غَدا للجَوهَرِ الفَردِ ثانيا |
وعزمٍ يزيلُ الخطب عن مستقرّهِ، | رأينا بهِ السّبعَ الطِّباقَ ثَمانِيا |
وشدّة ِ بأسٍ تَترُكُ الماءَ جامِداً، | جعلتَ الرّدى راحاً وخيلَك راحة ً، |
كفٌّ تشيمُ السيفَ غضبانَ ضاحكاً، | وتَثنيهِ بعدَ الكَرّ جَذلانّ باكِيا |
يعمُّ الأقاصي جودهُ والأدانيا | |
جوادٌ أبادَ المالَ إلاّ صيانة ً، | مخافة َ أن يُمسي من البذلِ خاليا |
لهُ قلَمٌ، إن خَرّ في الطِّرسِ ساجداً | يخرُّ لهُ ذو التاجِ في الأرض حاكيا |
إذا ما مشَى يوماً على الرأسِ مُوحياً | إلى مَلِكٍ وافَى على االرّأسِ ماشِيا |
إذا أعلمتهُ كفُّهُ خلتَ أنّهُ | يَسُنُّ سِناناً أو يَسُلُّ مَواضِيا |
لقد حسدَ الأقوامُ لفظي وفضلَهُ، | وقد غَبَطوا إحسانَهُ ولِسانِيا |
غداة َ تَجارَينا إلى السّبقِ، فاغتَدى | يشيدُ المعالي، أو أُجيدُ المعانِيا |
وقالوا: أجَدتَ النّظمَ فيهِ، أجبتُهم: | يرى الزّهرُ أنّى أصبحَ الغيثُ هامِيا |
فَيا مُحسِناً إلاّ إلى المالِ وحدَهُ، | وفي ذاكَ إحسانٌ لمن كانَ راجِيا |
فذلكَ قومٌ لو مدحتُ صنيعهُمْ، | لظَنّ الوَرى أنّي أعُدُّ المَساويا |
رعيتُ أمورَ المُسلمينَ بهِمّة ٍ، | رأيتُ بها مستقبلَ الأمرِ ماضيا |
لقد عجزوا عن أن يروا لكَ في الندى | مدى الدهرِ أو عنهُ من الناسِ ثانيا |
ويومٍ أعدتَ الصبحَ كالليلِ عندما | حجبتَ ذُكا لمّا أجلتَ المذاكيا |
وأجرَيتَها قُبّ البُطونِ تَخالُها، | إذا ما سعتْ تحتَ العجاجِ، سعاليا |
يمزقُ تكرارُ الصدامِ جلودَها، | فتُكسَى دَماً ما أصبَحَ السّيفُ عارِيا |
سقَيتَ بها الأعداءَ كأساً من الرّدَى ، | غداة َ غَدا كلٌّ من الكرّ ظاميا |
وبيضَ الظُّبَى كأساً وعزمَكَ ساقِيا | |
وكم قد كَسَيتَ العِزَّ من جاءَ آمِلاً | إذا ما مشَى في ربعِ قدسِكَ حافِيا |
بسطتَ من المعروفِ أرضاً مديدة ً، | وأنبَتَّ فيها للحُلوم رَواسِيا |
وإنّي، وإن فارَقتُ مَغناك مُخطِئاً، | لأعلمُ أنّي كنتُ في ذاكَ خاطِيا |
فكيفَ بعادي عن مغانٍ ألفتُها، | وأفنَيتُ عُمري بَينَها وشَبابِيا |
وقَضّيتُ فيها الأربَعينَ مُجاوِراً | ملوكَ البَرايا والبحورَ الطّواميا |
أصيفُ وأشتو بينهم، فكأنني | نزَلتُ على آلِ المُهَلَّبِ شاتِيا |
بذلتَ لنا، يا ذا المكارمِ، أنعُماً | تسرُّ الموالي، إذ تسوءُ المعادِيا |
ولولاكَ لم تُعنَ الملوكُ بمَنطِقي، | ولا خَطَبوا مَدحي لهم وخِطابِيا |
ولولاكَ لم يُعرَفْ مُسمّايَ بَينَهم، | ولا أصبَحَ اسمي في المَمالكِ سامِيا |
أَحيدُ عن السُّحبِ التي تُرسِلُ الحَيا، | وإن كنتُ حرّانَ الجوانحِ صادِيا |
فسوفَ أجيدُ النّظمَ فيكَ وأنثَني | إلى النّثر، إنّ أفنى النّظامُ القَوافِيا |
وأشكرُكم ما دمتُ حيّاً، وإن أمُتْ | ولم أُوفِه، أوصيتُ بالشّكرِ آليا |