خَمِدَتْ لِفَضْلِ وِلادِكَ النّيرانُ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
خَمِدَتْ لِفَضْلِ وِلادِكَ النّيرانُ، | وانشَقّ من فَرَحٍ بكَ الإيوانُ |
وتزلزلَ النّادي، وأوجسَ خيفة ً | مِن هَولِ رؤياهُ أنوشِروانُ |
فتأوّلَ الرؤيا سَطيحُ وبَشّرَتْ | بظُهورِكَ الرّهبانُ والكُهّانُ |
وعليكَ إرميّا وشَعيا أثنَيا، | وهُما وحِزقيلٌ لفَضلِكَ دانُوا |
بفضائلٍ شهدتْ بهنّ السحبُ والـ | ـتوراة ُ والإنجيلُ والفرقانُ |
فوُضِعتَ للَّهِ المُهَيمِنِ ساجِداً، | واستبشرتْ بظهورِكَ الأكوانُ |
متكملاً لم تنقطعْ لكَ سرة ٌ | شَرفاً، ولم يُطلَقْ علَيكَ خِتانُ |
فرأتْ قصورُ الشّامِ آمنَة ً، وقد | وَضَعَتكَ لا تَخفى لها أركانُ |
وأتتْ حليمة ُ وهي تنظرُ في ابنِها | سِرّاً تَحارُ لوَصفِهِ الأذهانُ |
وغَدا ابنُ ذي يَزَنٍ ببَعثِكَ مُؤمِناً | سِرّاً ليَشهَدَ جَدَّكَ الدّيّانُ |
شرحَ الإلهُ الصدرَ منكَ لأربعٍ، | فرأى المَلائكَ حَولَكَ الإخوانُ |
وحبيتَ في خمسٍ بظلّ غمامة ٍ | لكَ في الهواجرِ جرمُها صيوانُ |
ومَرَرتَ في سَبعٍ بدَيرٍ فانحَنَى | منهُ الجدارُ، وأسلمَ المطرانُ |
وكَذاكَ في خَمسٍ وعشرينَ انثنى | نَسطورُ منكَ، وقَلبُهُ مَلآنُ |
حتى كملتَ الأربعينَ، وأشرقتْ | شمسُ النبوة ِ، وانجلى التبيانُ |
فرَمَتْ رجومُ النيراتِ رجيمَها، | وتَساقطتْ من خَوفِكَ الأوثانُ |
والأرضُ فاحتْ بالسّلامِ عليكَ، والـ | ـأشجارُ، والأحجارُ، والكثبانُ |
وأتَتْ مَفاتيحُ الكُنوزِ بأسرِها، | فنهاكَ عنها الزهدُ والعرفانُ |
ونَظرتَ خلفَكَ كالإمامِ بخاتَمٍ | أضحَى لدَيهِ الشكُّ، وهوَ عِيانُ |
وغدَتْ لكَ الأرضُ البسيطة ُ مَسجداً، | فالكلُّ منها للصلاة ِ مكانُ |
ونُصِرْتَ بالرُّعبِ الشّديدِ على العِدى ، | ولكَ المَلائكُ في الوَغَى أعوانُ |
وسعَى إليكَ فتى سلامَ مسلِّماً | طَوعاً، وجاءَ مُسَلِّماً سَلمانُ |
وغدتْ تكلمُكَ الأباعرُ والظبا، | والضّبُّ والثّعبانُ والسِّرحانُ |
والجِزعُ حَنّ إلى عُلاكَ مُسَلِّماً، | وببَطنِ كَفّكَ سَبّحَ الصّوّانُ |
وهَوَى إلَيكَ العِذقُ ثمّ رَدَدتَهُ | في نَخلَة ٍ تُزهَى بهِ وتُزانُ |
والدّوحَتانِ، وقد دَعوتَ، فأقبَلا | حتى تَلاقَتْ منهما الأغصانُ |
وشكا إليكَ الجيشُ من ظمإِ بهِ، | فتَفَجّرَتْ بالماءِ منكَ بَنانُ |
ورَدَدتَ عَينَ قَتادَة ٍ من بَعدِ ما | ذهبَتْ، فلَم يَنظُرْ بها إنسانُ |
وحكَى ذِراعُ الشّاة ِ مُودَعَ سُمّه، | حتى كأنّ العُضوَ منهُ لِسانُ |
وعَرَجتَ في ظَهرِ البُراقِ مُجاوِزَ الـ | ـسّبعِ الطباقِ كما يشا الرحمانُ |
والبدرُ شقّ وأشرقتْ شمسُ الضّحى | بعدَ الغروبِ، وما بها نقصانُ |
وفضيلة ٌ شهدَ الأنامُ بحقّها، | لايستطيعُ جحودَها إنسانُ |
في الأرضِ ظِلّ اللَّهِ كنتَ، ولم يلُحْ | في الشّمسِ ظِلُّكَ إنْ حَواكَ مكانُ |
نُسخَتْ بمَظهَرِكَ المَظاهرُ، بعدَما | نُسِختْ بملّة ِ دينِكَ الأديانُ |
وعلى نُبُوّتِكَ المُعَظَّمِ قَدرُها، | قامَ الدليلُ، وأوضحَ البرهانُ |
وبكَ استغاثَ الأنبياءُ جميعهمْ، | عندَ الشدائدِ، ربهمْ ليعانوا |
أخذَ الإلهُ لكَ العهودَ عليهِمُ، | من قبلِ ما سمحتْ بكَ الأزمانُ |
وبكَ استغاثَ اللهَ آدمق عندما | نُسِبَ الخِلافُ إليهِ والعِصيانُ |
وبكَ التجا نوحٌ وقد ماجتْ بهِ | دُسْرُ السّفينَة ِ، إذْ طغَى الطّوفانُ |
وبكَ اغتدى أيوبُ يسألُ ربَّهُ | كَشفَ البَلاءِ فزالَتِ الأحزانُ |
وبكَ الخليلُ دعا الإلهَ، فلم يخفْ | نَمرودَ إذْ شُبّتْ له النّيرانُ |
وبكَ اغتدى في السّجن يوسفُ سائلاً | رَبّ العِبادِ، وقَلبُهُ حَيرانُ |
وبكَ الكليمُ غداة َ خاطبَ ربَّهُ | سألَ القبولَ، فعمَّهُ الإحسانُ |
وبكَ استبانَ الحقُّ بعدَ خفائه، | حتى أطاعَكَ إنسُها والجانُ |
ولوَ أنّني وفّيتُ وصفَكَ حقَّهُ، | فَنِيَ الكَلامُ وضاقَتِ الأوزانُ |
فعلَيكَ من رَبّ السّلامِ سَلامُهُ، | والفَضلُ والبَركاتُ والرّضوانُ |
وعلى صِراطِ الحقّ آلُكَ كلّما | هَبّ النّسيمُ، ومالَتِ الأغصانُ |
وعلى ابنِ عمّكَ وارِثِ العِلمِ الذي | ذَلّتْ لسَطوَة ِ بأسِهِ الشّجعانُ |
وأخيكَ في يومِ الغديرِ، وقد بدَا | نُورُ الهُدى وتآخَتِ الأقرانُ |
وعلى صحابتكَ الذينَ تتبّعوا | طُرُقَ الهُدى ، فهَداهمُ الرّحمانُ |
وشَرَوا بسَعيهِمُ الجِنانَ، وقد دَرَوا | أنّ النّفوسَ لبيعِها أثمانُ |
يا خاتمَ الرّسلِ الكرامِ وفاتحَ الـ | ـنّعمِ الجِسامِ، ومَن لهُ الإحسانُ |
أشكُو إليكَ ذنوبَ نَفسٍ هَفوُها | طبعٌ عليهِ رُكّبَ الإنسانُ |
فاشفَعْ لعَبْدٍ شانَهُ عِصيانُهُ؛ | إنّ العبيدَ يشينُها العِصيانُ |
فَلكَ الشّفاعة ُ في مُحبّيكمْ، إذا | نصبَ الصراطُ، وعلقَ الميزانُ |
فلقد تعرضَ للإجازة ِ طامِعاً | في أن يكونَ جزاءَهُ الغفرانُ |