من عاشقٍ ناءٍ، هواهُ دانِ،
من عاشقٍ ناءٍ، هواهُ دانِ، | ناطِقِ دَمعٍ صامتِ اللّسانِ |
موثقِ قلبٍ مطلقِ الجثمانِ، | مُعَذَّبٍ بالصّدّ والهِجرانِ |
طليقِ دمعٍ، قلبهُ في أسرِ | |
من غَيرِ ذَنبٍ كَسَبتْ يَداهُ، | غيرَ هَوًى نمّتْ بِهِ عَيناهُ |
شوقاً إلى رؤية ِ من أشقاهُ، | كأنما عافاهُ من أبلاهُ |
إذ كانَ أصلُ نَفعِهِ والضّرّ | |
يا ويحهُ من عاشقٍ ما يلقى ، | من أدمعٍ منهلة ٍ ما ترقا |
ذابَ إلى أن كانّ يفني عشقاَ، | وعن دقيقِ الفكرِ عنهُ ذقّا |
فكادَ يَخفَى عن دَقيقِ الفِكرِ | |
لم يبقَ منهُ غيرُ طرفٍ يبكي، | بأدمعٍ مثلِ نظام السلكِ |
يُخمِدُ نِيرانَ الهَوى ويُذكي، | كأنّها قَطرَ السّماءِ تَحكي |
هيهاتَ هل قِيسَ دَمٌ بقَطرِ | |
إلى غَزالٍ من بَني النّصارَى ، | فضلَ بالحسنِ على العذارى |
كلُّ الورى منذُ نشا حيارَى ، | في رِبقَة ِ الحُبّ لهُ أسارَى |
ينشدُ قولَ مدركٍ في عمرِو | |
يا عمرو ناشَدتُكَ بالمَسيحِ | ألا سمعتَ القولَ من نصيحِ |
يُعربُ عن قَلبٍ لهُ جَريحِ، | ليسَ من الحبّ بمستريحِ |
كَسيرِ قَلبٍ ما لَهُ من جَبرِ | |
يا عمرو بالحَقّ منَ اللاّهوتِ، | والروحِ روح القدسِ والناسوتِ |
ذاكَ الذي خَصّ من النّعوتِ، | |
وأنشَرَ المَيتَ ببَطنِ القَبرِ | |
بحَقّ ناسوتٍ ببَطنِ مَريمِ، | حَلّ مَحلّ الرّوحِ منها في الفَمِ |
ثمّ استحالَ في القنومِ الأقدمِ، | يُكَلّمُ النّاسَ ولمّا يُفطَمِ |
بحَقّ مَن بَعدَ المَماتِ قُمّصَا | ثوباً على مقدارهِ ما قصصَا |
وكانَ للَّهِ تَقِيّاً مخلِصَا، | ومبرئاً من أكمهٍ وأبرصَا |
بما لَدَيهِ من خَفيّ السّرّ | |
بحَقّ مُحيي صورَة ِ الطّيورِ، | بالنّفخِ في المَوتَى وفي القبُورِ |
ومَن إلَيهِ مَرجِعُ الأُمُورِ، | يعلمُ ما في البرّ والبحورِ |
وما بِهِ صرفُ القَضاءِ يَجرِي | |
بحَقّ مَن في شامخِ الصّوامعِ | من ساجدٍ لربهِ وراكعِ |
يبكي، إذا ما نامَ كلّ هاجعِ، | خَوفاً من اللَّهِ بدَمعٍ هامعِ |
ويهجرُ اللذات طولَ العمرِ | |
بحَقّ قومٍ حَلَقوا الرّؤوسَا، | وعالجوا طولَ الحياة ِ بوسا |
وقرعوا في البيعة ِ الناقوسا، | مشمعلينَ يعبدونَ عيسَى |
قد أخلصوا في سرّهم والجهرِ | |
بحَقّ ماري مَريمٍ وبولُسِ، | بحَقّ شَمعون الصّفا وبطرُسِ |
بحَقّ دانيلٍ وحَقّ يُونُسِ، | بحَقّ حَزقيلَ، وبَيتِ المَقدِسِ |
وكلّ أوّابٍ رَحيبِ الصّدرِ | |
ونينَوى إذ قامَ يَدعو رَبّهُ | مطهراً من كلّ ذنبٍ قلبهُ |
ومستقيلٍ، فأقيلَ ذنبهُ، | ونالَ من أبيهِ ما أحَبّهُ |
إذ رامَ من مَولاهُ شدّ الأزرِ | |
بحَقّ ما في قُلّة ِ المَيروُنِ | من نافِعِ الأدواءِ للجنُونِ |
بحَقّ ما يُؤثَرُ عن شَمعونِ | من بَرَكاتِ النّخلِ والزّيتونِ |
خِصبِ البلادِ في السّنينَ الغُبرِ | |
بحَقّ أعيادِ الصّليبِ الزُّهرِ، | وعيدِ مارِيّا الرّفيعِ الذّكرِ |
وعيدِ أشموني، وعيدِ الفِطرِ، | وبالشعانينِ الجليلِ القدرِ |
مواسمٌ تمنعُ حملَ الإصرِ | |
وعيدِ اشَعيا وبالهَياكِلِ، | والدخنِ اللاتي لوضعِ الحاملِ |
يشفى بها من كلّ خبلٍ، | ومن دَخيلِ السّمّ في المَفاصِلِ |
لكونها من كلّ داءِ تبري | |
بحَقّ سَبعين من العِبادِ، | قاموا بدينِ اللهِ في البلادِ |
وأرشدوا الناسَ إلى الرشادِ، | حتى اهتدى من لم يكن بالهادي |
وحققَ الحقُّ بكشفِ السترِ | |
بحَقّ الاثني عشرَ منَ الأمَم، | ساروا إلى الرحمن يتلونَ الحكم |
حتى إذا صُبحُ الهدى جَلا الظُّلَم، | صاروا إلى اللَّهِ ففازوا بالنِّعَم |
ثمّ استداموها بفرطِ الشكرِ | |
بحَقّ ما في مُحكَمِ الإنجيلِ | من منزلِ التحريمِ والتحليلِ |
وبالبتول والأبِ الهيولي، | بحَقّ جيلٍ قد مضَى وجيلِ |
يُسنِدُ زيدٌ علمَهُ عن عمرِو | |
بحَقّ مار عَبدا التّقيّ الصّالحِ، | بحَقّ لوقا، بالحَكيمِ الرّاجحِ |
والشّهَداءِ بالفَلا الصّحاصِحِ، | من كلُّ غادٍ منهمُ ورائحِ |
بحَقّ مَعموديّة ِ الأرواحِ، | والمذبحِ المعمورِ في النواحي |
ومن به من لابس الأمساحِ، | من راهبٍ باكٍ ومن نَوّاحِ |
يذرفُ ليلاً دمعهُ ويذري | |
بحَقّ تَقريبِكَ في الآحادِ، | وشربكَ القهوة َ كالفرصاد |
وما بعَينَيكَ من السّوادِ، | بطولِ تقطيعكَ للأكبادِ |
وسلبكَ العشاقَ حسنَ الصبرِ | |
بحَقّ شَمعونَ، وما يَرويهِ | بالحمدِ للهِ وبالتنزيهِ |
وكلّ ناموسٍ لهُ فَقيهِ، | مُؤتَمَنٍ في دينِهِ وجيهِ |
مُتّبَعٍ في نَهيِهِ والأمرِ | |
شيخينِ كانا من شيوخِ العلمِ، | وبَعضِ أركانِ التّقَى والحِلمِ |
لم ينطقا قطّ بغيرِ الفهمِ، | موتهما كانَ حياة َ الخصمِ |
وعنهما أخبرض كلّ حبرِ | |
بحُرمَة ِ الأسقُفِّ، بالمطرانِ، | والجاثِليقِ العالِمِ الرّبّاني |
والقِسّ، والشمّاسِ، والغُفرانِ، | والبَطرَكِ الأكبرِ، والرّهبانِ |
والمقربانِ ذي الخصالِ الزهرِ | |
بحُرمَة ِ المَحبوسِ في أعلى الجَبَل، | بحَقّ لوقا حينَ صَلّى وابتَهَل |
وبالمَسيحِ المُرتضَى وما فَعَل | وبالكنيساتِ القديماتِ الأُوَل |
وبالذي يُتلَى بها من ذِكْرِ | |
بكلّ ناموسٍ لهُ مقدَّمِ | يعلمُ الناسَ ولمّا يعلمِ |
بحُرمَة ِ الصّومِ الكَبيرِ الأعظَمِ، | وما حَوَى الميلادُ لابنِ مريمِ |
من شرَفٍ سامٍ عظيمِ الفَخرِ | |
بحَقّ يومِ الذّبحِ في الإشراقِ، | وليلة ِ الميلادِ والسلاقِ |
بالذّهَبِ الإبريزِ لا الأوراقِ، | بالفصحِ يا مهذبَ الأخلاقِ |
وكلِّ ميقاتٍ جَليلِ القَدرِ | |
ألاّ سعيتَ في رضَى أديبِ، | باعَدَهُ الحبُّ عن الحَبيبِ |
فذابهُ شوقاً إلى المذيبِ، | أعلى مُناهُ أيسَرُ القَريبِ |
من بَسطِ أخلاقٍ وحُسنِ بِشرِ | |
وانظُرْ أميري في صَلاحِ أمري، | مُحتَسِباً فيّ عَظيمَ الأجرِ |
مكتَسِباً منّي جَميلَ الشّكرِ، | في نظمِ ألفاظٍ ونظمِ شعرِ |
ففيكَ نظمي أبداً ونثري |