كلَّ يوم مودِّع أو مودَّعْ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
كلَّ يوم مودِّع أو مودَّعْ | بفراقٍ من الزمان متنوَّعْ |
فانقطاع الوصال كم يتمادى | وحصاة ُ الفؤاد كم تتصدَّعْ |
ليت شعري هل أرتدي بظلامٍ | لا يراني الضياءُ فيه مروّعْ |
بحداءٍ من واصفِ البين غادٍ | وَنَعيبَ من حالكِ اللّون أبقع |
فبنارِ الأسى يُحرّق قلبُ | وبماءِ الهوى يُغرقُ مدمعْ |
هذه عادة ُ الليالي فلمها | وهي لا تسمعُ الملامة ، أو دعْ |
تطعنُ الحيّ فالجسوم بواقٍ | في يدِ السّقْمِ والنفوسُ تُشَيَّع |
وكأن الحسان زُودنَ صبري | فهو بالبين بينه نيوزع |
كلّ نمامة ِ الرياح تلاقي | منه أنفاسَ روضة ٍ تتضوّع |
يلمعُ الماءُ في سنا الخدّ منها | فكأن الرحيقَ منه يشعشع |
تنتحي بالأراك ثغرَ أقاحٍ | للندى فيه ريقة ٌ تتميّع |
نصّلتْ في القوام باللحظ منها | صعدة ً في يدِ الملاحة تُشرعْ |
تجرحُ القلبَ، والأديمُ صحيحٌ | فعن السحر منه حدثتُ فاسمع |
قفْ وقوفَ الحيا بدمنَة ِ ربعٍ | ضَيّعَ الدمعَ فيه رسمٌ مُضَيّع |
دارسٌ لا تزالُ غُبْرُ السّوافي | تَفْرِقُ التربَ فيه ثُمّتَ تجمع |
كم به من سوانح في المغاني | آمناتٍ من نبأة الخوف ترتعْ |
وظباءٍ كأنهنَّ دُماهُ، | حينَ تَرْنُو، لو أنَّها تَتَبَرْقَعْ |
وحبيسٍ على الفلا زمخريٍ | خاضبٍ أفتخِ الجناحين أقزعْ |
رافِعٍ في الهواءِ طُولى عليها | عنقٌ كاللّواءِ في الجيش يُرْفَعْ |
تحسب العين رجله نصب رحل | أصلمٌ ليتَ أنّه كان أجدعْ |
إنّ ثوبَ الصبا يمزّق مني | ما الذي بالخضاب منه يُرقَّعْ |
فعصتني الفناة ُ كيداً وكانتْ | في الهوى من يدي إلى الفم أطوعْ |
أنْبَتَ الدهر في المفارقِ شيباً | بهموم في مُضْمَرِ القلب يُزْرع |
وابتدا والنوى بيمناه تبدي | صورة الماء في السراب، فتخدع |
بشمالٍ تثني عليها جنوباً | بهبوبٍ، يقلقلُ الكورَ زعزع |
كلما أمرعت ببقلٍ جُفالٍ | قلتُ بالحمر من حمى القيظ تُلذعْ |
حيثُ أذكتْ ذكاءُ فيها أوارا | يلفحُ الوجهَ في اللثام فيسفعْ |
وإذا ما لَمَسْتَ جَدْوَلَ ماءٍ | خلتهُ حية ً من الحر تلسعْ |
أنا نبعٌ لا خروعٌ عند عمري | وأرى العود منه نبعٌ وخروع |
لستُ أُثْنِي عن السُّرى في طريقٍ | خَيّمَ الليلُ فوقه وهو خيدع |
فكأني خُلقتُ جوّابَ أرضٍ | أصلُ العزم حشوها وهي تقطعْ |
وكأنَّي في مِقْوَلٍ من زماني | مَثَلٌ وافدٌ على كلّ مسمع |