أبى الله إلا أن يكون لكَ النصرُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أبى الله إلا أن يكون لكَ النصرُ | وأن يهدم الإيمان ما شاده الكفرُ |
وأن يُرْجعَ الأعلاجَ بعد عِلاجها | خزايا على آثارها الذلّ والقهرُ |
ليهنك فتحٌ أولغ السيف فيهمُ | ولاح بوجه الدين من ذكره بشرُ |
بِسَعْدٍ كساكَ الله منه مهابة ً | وإشراقَ نور منه تقتبسُ الزُّهر |
ودون مرامِ الروم فيما سموْا له | قلائدُ أعناقٍ هي القضبُ البتر |
وخطية ٌ تختطّ منهم حيازماً | وأحداقها زرقٌ وأجسادها حمرُ |
إذا أُشْرِعَتْ للطّعنِ سَرَتْ كأنَّما | كأن حبياً ساكباً فيضَ ودقه |
أشبّهها بالقطر يبدي تألقاً | بأطرافِ أغصان يحاصرها غُدْرُ |
وَسُحْبٌ بأجوافِ الكنائن أودعت | شآبيبها نبلٌ من الزنج لا قطر |
وخيلٌ ترى خيلَ العلوج، مضافة ً | إليها، حميرا لا التي نتج القَفْرُ |
كأنّ على العقبان منها ضراغماً | فأنيابها عصلٌ وأبصارها جمرُ |
وحمرُ دماءٍ كالخمور التي سقوا | تحمّرَ منها في الظبا ورقٌ خضرُ |
بنو الأصفرِ اصفرّت حذاراً وجوههم | فأيديهمُ من كل ما طلبوا صفرُ |
تنادوا كأسراب القطا في بلادهم | وكان لهم في كلّ قاصية ٍ نَفْرُ |
ولمّا تناهى جمعهمْ ركبوا به | |
تولْتْ جنودُ الله بالّريح حَرْبَهُمْ | وليس لمخلوقٍ على حربها صبر |
فكم من فريقٍ منهمُ إذ تفرقوا | له غَرقٌ في زخرة ِ الموج أو أسر |
وظلّت سباغُ الماءِ وهي تنوشُهُمْ | فلا شلو منهم في ضريحٍ ولا قبرُ |
فإن سَلِمَ الشطرُ الذي لا سلامة ٌ | له من ظُبا الهيجا فقد عَطِبَ الشطر |
أتوْا بأساطِيلٍ تمرّ كأنَّها | |
وخيلٍ حَشَوا منها السفينَ ولم يكنْ | لها في مجال الحرب كرّ ولا فرّ |
وقد ركبتْ فرسانُها صَهَواتِها | |
سلاهبُ أهدوْها إليك ولم يكنْ | جزاءٌ لذاكَ من علاك ولا شكر |
فسلْ عنهم الديماسَ تسمعْ حديثهم | فهم بالمواضي في جزيرته جَزْر |
وما غنموا إلاّ مُنى ً كذبتْ لهم | وكان لهم بالقصْرِ عن نيلها قصر |
شَرَوْهُ فباعوا بالرّدى فيه أنفساً | أربحٌ لهم في ذلك البيع أم خُسْر |
وقد طمعوا في الزعم أن يثبتوا له | جناحين يُضْحي منهما وهوَ النّسْر |
وراموا به صيدَ البلاد وغنمها | فأضحى وقد قصّت خوافقه العشرُ |
أُذيقوا به حصراً أذلّ عرامهم | كما ضاق عند الموت عن نفسٍ صدر |
وجرّ إليهم في جبال من القنا | مناياهم بالقتل جحفلكَ المجرُ |
وقائِدكَ الشهمُ الذي كان بينهمْ | صبيحة لاقاهم على يده النصرُ |
رأوا بأبي إسحق سحقاً لجمعهم | فإبْرامُهُمْ نَقْضٌ ونظمهمُ نثر |
ولو لبثوا في ضِيقِ حصرهمُ ولمْ | يَطِرْ منهمُ شوقاً إلى أجلٍ عُمْر |
لقامَ عليهم منجنيقٌ يُظلّهمْ | بِصمّ مرادٍ ما لما كَسَرَتْ جبر |
إذا وُزنَ الموتُ الزؤامُ عليهمُ | بكفّة وزّانٍ مثاقيله الصخرُ |
فكم جهدوا أن يفتدوا من حِمامهم | بأوزانهم تبراً فما قُبِلَ التبر |
هناكَ شَفى الإسلامُ منهم غليلَهُ | بطعن له بترٌ وضربٍ له هبرُ |
وكانوا رأوا مَهْدِيَّتَيْكَ وفيهما | لعزِّ الهدى أمرٌ فهالهمُ الأمرُ |
كأن بروجَ الجوّ منكَ رمتهمُ | بشهبٍ لها نارٌ وليس لها جمرُ |
فما للعلوج امتدّ في الغيّ جهلهم | أما كان فيهم مِنْ لبيبٍ له حجرُ |
فكم قَسَموا في الظنّ أميالَ أرضنا | ولم يطأوا منها مكاناً هو الشبرُ |
ولا وردوا من مائها حسوَ طائرٍ | يُبلّ به منه، إذا يبس، السحرُ |
أما فتحتْ منهم بلاداً بلادنا | بزعمهم كفرا على إثره كفر |
وكانت مفاتيح البلاد سيوفنا | وأقْفالها إذا فتحْهنّ له عُسْر |
وآذى زجارَ فَتْح رَيّو وقُطْرُها | يهدّ قواه من صقلّية قطرُ |
ألم يَسْبِ جيشُ الغزو منهم نواعِماً | فمن تيّب تقتادُ في إثرها بكرُ |
وَقَوْصَرّة ٍ فيها رؤوس جدودهم | إلى اليوم ملآن بأفلاقها العفرُ |
فلو تسألُ الريحُ المعاطسَ منهمُ | لأخبرها عنّ كل شلو بها دفرُ |
وما قتلوا من شدة البأس أهلها | ولكنّهم قُلٌّ أحاطَ بهم كثر |
أتعجمُ نبع العرب عجمٌ ولا يُرَى | لما اشتدّ منها في نواجذها كسر |
توالت عليها منهم كلُّ صيحة ٍ | كما رَوّعَ الأعيارَ من أسَدٍ زأر |
فجاءت رياحٌ والرياح جيادها | فَشُدّ من الدين القويم بها أزر |
فأوّلُ إنصافٍ تولوه كفّهُمْ | أذى كلّ فظٍّ في سجيته غدرُ |
وبادرتِ الإقدام منهم بمقدم | فكم خَبَرٍ عنها يصدِّقه الخُبْر |
ودهم بني دهمان فاض على الوغى | بكلّ فتى أحلى بسالته مُرُّ |
وشاهت من الضلالِ بالعزّ أوجهٌ | عليها بُسُورٌ إذ تَصَدّى لها بتر |
وكرّت بنو زيدٍ على كلّ شيظم | وسرّ المواضي في أكفهمُ جهرُ |
وجاء ابنُ زيّادٍ بصخر فكافحت | عن الثغر أنيابٌ فلم يلثم الثغر |
هزبرٌ على بحرٍ من الحرب مفعمٌ | على جسمه نهيٌ وفي يده نهر |
وقد حال بين الرّوم والبحر فالتجوْا | إلى القصر حتى جاءهم بالردى القصرُ |
أعاربُ جدّوا في جهاد أعاجمٍ | خنازيرَ شبّتْ حربها أسدٌ هصرُ |
إذا قيل يا أهل الحفائظ أقبلتْ | مُلَبيّة ً فيها غطارفة ٌ غُرّ |
عليهم من الماذيّ كل مفاضة ٍ | مُكَحّلَة ٍ بالنّقعِ أعْيُنُها الخزر |
كتائب من كلّ القبائل أقبلتْ | لِفَرْضِ جهادٍ ما لتاركه عذر |
أعزّ بهم ذو العرش دينَ محمدٍ | وَضُمّ عليه من كفالته حجر |
وفي كلّ سيفٍ سايرت منهم العدى | قبائلُ منهم أشبع السهل والوعرُ |
إذا ماج بحرٌ في شوانيهمُ بهم | أتى مَدَدٌ منَّا فماجَ به البَرّ |
حمى ابنُ عليّ حَوْزَة َ الدين فاحتمى | كمفترسِ الكفين يدمي له ظفر |
مليكٌ له في الملك سيرة ُ أكبرٍ | أبى الله أنْ يختال في عطفه الكبرُ |
أبيٌّ كحدّ السيفِ من غير نبوة ٍ | إذا ما مضاءُ الذمر قلّ به الذَّمر |
هو النّجْدُ يقري الرمح والسيف كفه | بعضوين يُلفى فيهما العمر والذكر |
وما حَسَنٌ إلاّ مليكٌ مُتَوَّجٌ | أفاضَ الغنى من راحتيه فلا فقر |
كأن حبياً ساكناً فيضَ ودقه | وقد يحتبي منه لقصّاده البدرُ |
إذا ما جرى في محفلٍ حُسنُ ذكره | تَعَلَّقَ تشريفاً بأذْيالِهِ الفخر |
فلا زال والتوحيدُ مُعْتَصِمٌ به | تُزانُ به الدنيا ويخدمه الدهرُ |