أكذا المنون تقنطر الأبطالا
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
أكذا المنون تقنطر الأبطالا | أكذا الزمان يضعضع الأجبالا |
أكذا تصاب الأسد وهي مذلة | تَحْمي الشُّبُولَ، وَتَمنَعُ الأغيَالا |
أكذا تقام عن الفرائس بعد ما | ملأت هماهمها الورى أوجالا |
أكذا تحط الزاهرات عن العلى | مِنْ بَعدِما شَأتِ العُيُونَ مَنَالا؟ |
أكذا تكب البزل وهي مصاعب | تطوي البعيد وتحمل الأثقالا |
أكذا تغاض الزاخرات وقد طغت | لجباً وأردت الظماءُ زلالا |
يا طالب المعروف حلَّق نجمه | حُطّ الحُمُولَ وَعَطّلِ الأجمَالا! |
وأقم على يأس فقد ذهب الذي | كَانَ الأنَامُ عَلى نَداهُ عِيَالا |
من كان يقري الجهل علما ثاقباً | والنقص فضلاً والرجاء نوالا |
ويجبن الشجعان دون لقائه | يَوْمَ الوَغَى ، وَيُشَجَعُ السّؤّالا |
خلع الردى ذاك الرداء نفاسة | عنا وقلص ذلك السربالا |
خبر تمخض بالأحبة ذكره | قَبلَ اليَقِينِ، وَأسْلَفَ البَلبَالا |
حتى إذا جلَّى الظنون يقينه | صدع القلوب وأسقط الأحمالا |
الشك أبرد للحشا من مثله | يا ليت شكي فيه دام وطالا |
جَبَلٌ تَسَنّمَتِ البِلادُ هَضَابَهُ | وَتَخَرّمَ الأذْوَاءَ وَالأقْيَالا |
يا طَوْدُ! كَيفَ وَأنتَ عاديُّ الذُّرَى | ألقى بجانبك الردى زلزالا |
إنْ قَطّعَ الآمَالَ مِنكَ، فإنّهُ | مِنْ بَعْدِ يَوْمِكَ قَطّعَ الأُمّالا |
ما كنت أول كوكب ترك الدنا | وسما إلى نظرائه فتعالى |
أنَفاً مِنَ الدّنْيَا بَتَتَّ حِبَالَهَا | ونزعت عنك قميصها الأسمالا |
ذا المنزل المظعان قد فارقته | يا شَافيَ الأدْوَاءِ كَيفَ جَهِلْتَهُ |
داءً رَمَاكَ بِهِ الزّمَانُ عُضَالا | وَصَلَ الدّمُوعَ، وَقَطّعَ الأوْصَالا |
يا آمِرَ الأقْدارِ كَيْفَ أطَعتَهَا | أوَمَا وَقَاكَ جَلالُكَ الآجَالا |
كَيفَ اغتَفَلْتَ، فَفاجأتْكَ بِغُرّة ٍ | أوَ لَيسَ كُنتَ المِخلَطَ المِزْيَالا |
لم تكف يا كافي الكفاة منية | وَتَصَوّبَ الوَادي إلَيْكَ، فَسَالا |
ألاّ وَقَى المَجْدُ المُؤثَّلُ رَبَّهُ | ألاّ زَوَى المِقدارُ، ألاّ حَالا |
ألاّ أقَالَتْكَ اللّيَالي عَثْرَة ً | يا من إذا عثر الزّمان أقالا |
إن الذي أنجى إليك بسهمه | قدر ينال ذبابه الريبالا |
لا مُسْمِعُ الإنْبَاضِ منهُ، فيُتّقَى | يوماً ولا مالي الجفير نبالا |
وأرى الليالي طارحات حبالها | تَسْتَوْثِقُ الأعْيَانَ وَالأرْذَالا |
يبرين عود النبع غير فوارق | بين النبات كما برين الضالا |
لا تـأمن الدنيا عليك فإنها | ذاتُ البُعُولِ تُبَدِّلُ الأبْدَالا |
وَتَنَاذَرِ الدّهْرَ الذِي شرَعَ الرّدَى | وتخرم الأذواد والأقيالا |
واسترجع الأملاك قسراً بعد ما | رَكِبُوا مِنَ الشّرَفِ المُطِلّ جِبَالا |
وطوى مقاول من نزار ذادة | في الحَرْبِ لا كُشفاً وَلا أمْيَالا |
قَوْمٌ، إذا وَقَعَ الصّرِيخُ تَنَاهَضُوا | بالخيل قُباً والقني طوالا |
وَتُرَى خِفافاً في الوَغَى ، فإذا انتَدَوْا | وتلاغط النادي رأَيت ثقالا |
صاحت بهم نوب الليالي صيحة | فَتَتَابَعُوا لِدُعَائِهَا أرْسَالا |
يَتَوَاكَلُونَ المَوْتَ جُبْناً بَعدَمَا | كَانُوا أُسُودَ مَغَاوِرٍ أبْطَالا |
نزعوا الحمائل عن عواتق فتية | كانوا لكل عظيمة حُمالا |
مِنْ بَعْدِ مَا دَعَموا القِبابَ وَخيّسوا | ذُلُلَ المَطِيّ وَدَمَّنُوا الأطْلالا |
عرب إذا دفعوا الجياد لغارة | هزوا العباب وخضخضوا الأوشالا |
مِنْ كُلّ مُنْهِبِ مَالِه سُؤّالَهُ | أو بالغ بعطائه ما نالا |
أو بائت يرعى النجوم لغارة | ويَعدّ للمغدى قناً ونصالا |
لَمْ تَرْهَبِ الأقْدارُ عِزّتَهُ، وَلا | اتقت النوائب جمعه العضالا |
وعصائب اليمن الذين تبوَّأُ وأ | قُلَلَ الهِضَابِ وَشَرّدُوا الأوْعَالا |
كانوا فحول وغى تساند بالقنا | لا كالفحول تساند الأجذالا |
زَفَرَ الزّمَانُ عَلَيهِمُ، فَتَطارَحُوا | فِرَقاً وَطَارُوا بِالمَنُونِ جِفَالا |
وَعَلى الهَبَاءَة ِ آلُ بَدْرٍ إنّهُمْ | طَرَحُوا لَهُ الأسْلابَ وَالأنْفَالا |
مِنْ بَعدِ ما خَلَطوا العَجاجَ وَجلجلوا | تِلْكَ الزّعَازِعَ وَالقَنَا العَسّالا |
وَالمُنذِرُونَ الغُرُّ شَرّدَ مِنْهُمُ | حيا على لقم العراق حلالا |
والأزد شيريون أبرز منهم | مُتَفَيّئِينَ مِنَ النّعِيمِ ظِلالا |
تَلُوِي لَهُمْ عُنقُ الفُرَاتِ بِمَدّهِ | |
مِنْ مَعشَرٍ وَرَدُوا المَنونَ، وَمَعشرٍ | سَلَبوا الحِجالَ، وَألبَسوا الأحجَالا |
قد غادروا الإيوان بعد فراقهم | يَنعَى القَطِينَ وَيَندُبُ الحُلاّلا |
إن كنت تأمل بعدهم مهلاً فقد | مَنّتْكَ نَفْسُكَ في الزّمَانِ ضَلالا |
لمن الضوامر عريت أمطاؤها | حول الخيام تنازع الأمطالا |
بُدّلْنَ مِنْ لُبْسِ الشّكِيمِ مَقاوِداً | مَرْبُوطَة ً، وَمِنَ السّرُوجِ جِلالا |
فجعت بمنصلت يعرّض للقنا | أعناقها ويحصن الأكفالا |
لمن المطايا غير ذات رحائل | فَارَقْنَ ذاكَ السَّدْوَ وَالإرْقَالا |
أمست تمنع بالسقاب وطالما | جعل الظبا لرضاعهنَّ فصالا |
من كان يحمل فوقهنّ عصابة | مِثْلَ الصّقُورِ غَرَانِقاً أزْوَالا |
من كان يجشمهن كل مفازة | تلد المنون وتنبت الأهوالا |
لمن النصول نشبن في أغمادها | كَلَفَ الظُّبَى لا يَنْتَظِرْنَ صِقَالا |
لمن الأسنة قد نصلن عن القنا | وَعَدِمْنَ جَرّاً في الوَغَى وَمَجَالا |
إن صين سردك في العياب فطالما | أمْسَى عَلَيْكَ مُذَيَّلاً وَمُذالا |
كَمْ حجّة ٍ في الدّينِ خُضْتَ غِمارَها | هَدْرَ الفَنِيقِ تَخَمّطاً وَصِيَالا |
بسنان رمحك أو لسانك موسعاً | طَعْناً يَشُقّ عَلى العِدَا وَجِدالا |
إن نكّس الإسلام بعدك رأسه | فَلَقَدْ رُزِي بِكَ مُوْئِلاً وَمآلا |
واهاً على الأقلام بعدك إنها | لَمْ تَرْضَ غَيرَ بَنَانِ كَفّكَ آلا |
أَفقدن منك شجاع كل بلاغة | إن قال جلَّى في المقال وجالا |
مَنْ لَوْ يَشَا طَعْنَ العِدَا بُرؤوسِها | وَأثَارَ مِنْ جِرْيَالِهَا قَسْطَالا |
سلطان ملك كنت أنت تعزه | ولرب سلطان أعزّ رجالا |
إنّ المُشَمِّرَ ذَيْلَهُ لكَ خِيفَة ً | أرْخَى وَجَرّرَ بَعْدَكَ الأذْيَالا |
مَا كنتُ أخشَى أنْ تَزِلّ لحَادِثٍ | قَدَمٌ جَعَلْتَ لهَا الرّكَابَ قِبَالا |
يا شَامِتاً بالسّيْفِ أُغْمِدَ غَرْبُهُ | كم هب مندلق الغرار وصالا |
إن طوح الفعَّال دهرٌ ظالمٌ | فلقد أقام وخّلد الأفعالا |
طَلَبُوا التُّرَاثَ، فلَم يَرَوْا من بعدهِ | إلا عُلاً وفضائلاً وجلالا |
هيهات فاتهم تراث مخاطر | حَفِظَ الثّنَاءَ، وَضَيّعَ الأمْوَالا |
قَدْ كانَ أعرَفَ بالزّمَانِ وَصَرْفِهِ | من أن يثمّر أو يجمّع مالا |
مفتاح كل ندى ورب معاشر | كانوا على أموالهم أقفالا |
كان الغريبة في الأنام فأصبحوا | مِنْ بَعْدِ غَارِبِ نَجْمِهِ أمثَالا |
قَرْمٌ، إذا كَحَلَتْ بهِ ألحَاظَهَا | شوس القروم تقطع الأبوالا |
وَإذا تَجَايَشَتِ الصّدُورُ بِمَوْقِفٍ | حَبَسَ الكَلامَ وَقَيّدَ الأقْوَالا |
بِصَوَائِبٍ كَالشّهْبِ تَتْبَعُ مِثْلَها | ورعال خيل يتّبعنَ رعالا |
مَنْ فاعلٌ من بعده كفعاله | أوْ قَائِلٌ مِنْ بَعْدِهِ مَا قَالا |
سمع يرفع للسوال سجوفه | وَيُحَجّبُ الأهْزَاجَ وَالأرْمَالا |
يا طالباً من ذا الزّمان شبيهه | هيهات كلفت الزمان محالا |
إنَّ الزّمان أضن بعد وفاته | من إن يعيد لمثلهِ أشكالا |
وأرى الكمال حنى عليه لأنَّهُ | غَرَضُ النّوَائِبِ مَنْ أُعِيرَ كمَالا |
صَلّى الإلَهُ عَلَيكَ مِنْ مُتَوَسِّدٍ | بَعْدَ المِهَادِ، جَنَادِلاً وَرِمَالا |
كَسَفَ البِلَى ذاكَ الجَمالَ المُجتَلى | وَأجَرّ ذاكَ المِقْوَلَ الجَوّالا |
ورأيت كل مطية قد بدلت | مِنْ بَعْدِ يَوْمِكَ بالزّمَامِ عِقَالا |
طرح الرجال لك العمائم حسرة | لمّا رَأوْكَ تَسِيرُ أوْ إجْلالا |
قالوا، وَقد فُجِئوا بنَعشِكَ سَائراً: | من ميل الجبل العظيم فمالا |
وَتَبَادَرُوا عَطّ الجُيُوبِ، وَعاجلوا | عَضّ الأنَامِلِ يَمْنَة ً وَشِمَالا |
مَا شَقّقُوا إلاّ كُسَاكَ، وَألّمُوا | إلاّ أنَامِلَ نِلْنَ مِنْكَ سِجَالا |
مَنْ ذا يَكُونُ مُعَوِّضاً ما مَزّقُوا | وَمُعَوَّلاً لِمُؤمَّلٍ وَثِمَالا |
فَرَغَتْ أكُفٌّ مِنْ نَوَالِكَ بَعدَها | وَأطَالَ عُظْمُ مُصَابِكَ الأشْغَالا |
أعزز عليَّ بان يهزك طالب | فَتَضَنّ، أوْ تَلْوِي النّوَالَ مَطَالا |
أو أن تبدل من يؤمك زائراً | بَعْدَ التّهَلّلِ، عِندَكَ استِهلالا |
أوْ أنْ يُنَادِيكَ الصّرِيخُ لكُرْبَة ٍ | حُشِدَتْ عَلَيْهِ، فَلا تُجيب مَقالا |
يا كَاشِفَ الأمحَالِ كَيفَ رَضِيتَهُ | لمقيل جنبك منزلاً ممحالا |
قَدْ كُنتُ آمُلُ أنْ أرَاكَ، فأجتَني | فَضْلاً، إذا غَيرِي جنَى أفضَالا |
وَأُفِيد سَمعَكَ مِقوَلي وَفَضَائِلي | وتفيدني أيامك الإقبالا |
وَأعدُّ مِنكَ لرَيْبِ دَهرِي جُنّة ً | تَثني جُنُودَ خُطُوبِهِ فُلاّلا |
وطواك دهرك غير طي صيانة | وَأعَادَ أعْلامَ الهُدَى أغْفَالا |
قَبْرٌ بِأعْلَى الرّيّ شُقّ ضَرِيحُهُ | لأَعزَّ حقره الردى أعجالا |
إن يمسِ موعظة الرجال فطالما | أمسى مهاباً للورى ومهالا |
لتسلّب الدنيا عليه فإنها | نَزَعَتْ بِهِ الإحْسَانَ وَالإجْمَالا |
ورعاه من أرعى البرية سيبه | وَسَقَاهُ مَنْ أسْقَى بِهِ الآمَالا |