أرشيف المقالات

الفرق بين التفضيل من حيث الجملة ومن حيث الأفراد

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الفرق بين التفضيل من حيث الجملة ومن حيث الأفراد
 
معلوم أن الله سبحانه يختار ما يشاء ويفضله على غيره سواء كان مكانًا كالمسجد الحرام، أو زمانًا كرمضان، أو ذريَّةً كآل إبراهيمَ وآل عمرانَ، أو شعبًا كتفضيلِه سابقًا بني إسرائيل على شعوبِ عالمي زمانهم، والأدلة على ذلك مشهورة كقوله تعالى عن بني إسرائيل: ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الجاثية: 16]، وتوجد أدلة أخرى تدلُّ على أن الأفضلية عند الله بالإيمان والتقوى والعمل الصالح، ولا تعارض بين الأمرين؛ لأن التفضيل من حيث الجملة غير التفضيل من حيث الأفراد، فمثلًا جنس الرجال من حيث الجملة أفضل من جنس النساءِ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]، وقال: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]، ولكن ليس كل رجل أفضل من كل امرأة، فكم من امرأة واحدة أفضل من مائةِ رجلٍ، بسبب صلاحها وفسادهم، فالعبرة في تفضيل الأفراد بالتقوى كما قال الله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
 
وهكذا العرب أفضل من العجم من حيث الجملة؛ لكون خاتمِ الأنبياءِ من العرب أنفسهم، وجاء بلغتهم، والقرآن عربي، وهذا لا ينافي أن يوجد رجل صالح أعجمي أفضل من مائة عربي غير صالح؛ لذلك جاء في الحديث الصحيح: «لا فضلَ لعربي على عجمِي إلا بالتَّقوَى».
 
وهكذا تفضيل قبيلة قريش وبني هاشم هو من حيث الجملة وليس من حيث الأفراد، فمثلًا بلال الحبشي رضي الله عنه أفضل من أبي لهب القرشي الهاشمي؛ فالميزان عند الله في تفضيل الأفراد هو الإيمان والتقوى، وليس الأنساب أو الأموال وغيرها، وقد أخبر الله أنه بارك في ذرية إبراهيم وإسحاق عليهما الصلاة والسلام وأنَّ من ذريتهما محسنٌ وظالم فقال سبحانه: ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ [الصافات: 113]، فجمعتْ هذه الآية بين مسألة التفضيل من حيث الجملة ومن حيث الأفراد، ومثلها قوله تعالى عن نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 26]، فمن أساء لا ينفعه نسبُه ولو كان ابن نبي، فهذا نوح عليه الصلاة والسلام كان أحد أبنائه كافرًا، وكان من المغرقين الهالكين، وفي "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومَنْ أبَطأ به عملُه لم يُسرِعْ به نسبُه»، فلا يجوز في الشرع الفخر بالأحساب والأنساب دون عمل صالح كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ اللهَ أذهبَ عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناسُ كلُّهم بنو آدم، وآدم خُلق من تُرابٍ»، رواه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
وبهذا البيانُ نعلم الفرقَ بين التَّفضيلِ من حيث الجملة ومن حيث الأفراد، وأختم مقالي بالصلاةِ الإبراهيمية الثابتة في صحيحَي البخاري ومسلم:
«اللَّهمَّ صلِّ علَى محمَّدٍ وأزواجِه وذُريَّتِه كما صلَّيت على آلِ إبراهيمَ، وبارك على محمَّدٍ وأزواجِه وذريَّتِه كما بارَكتَ على آلِ إبراهيمَ إنَّك حميدٌ مجيدٌ.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢