أرشيف المقالات

تفسير الربع الأول من سورة النساء بأسلوب بسيط

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]
1.
الربع الأول من سورة النساء


الآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ وهي نفس آدم عليه السلام، ﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾: يعني وخلق حواء عليها السلام من ضلع آدم ﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا ﴾ يعني: وخلق من آدم وحواء بالتناسل: ﴿ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ في أنحاء الأرض، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ ﴾: أي: الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا، فيقول العبد لأخيه: (باللهِ عليكَ افعَل كذا)، (﴿ وَالْأَرْحَامَ ﴾): يعني واحذروا أن تقطعوا الأرحام ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.

الآية 2: ﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى ﴾ (وهم الذين مات آباؤهم وهم قبل سن البلوغ)، فإذا كنتم أوصياء عليهم فآتوهم ﴿ أَمْوَالَهُمْ ﴾ التي لهم عندكم (هذا إذا وصلوا سن البلوغ، ورأيتم منهم قدرة على حفظ أموالهم)، ﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾: يعني ولا تأخذوا الجيِّد من أموالهم، وتجعلوا مكانه الرديء من أموالكم، كأن تعطوهم شاة نحيفة وتأخذوا مكانها شاة سمينة، وغير ذلك ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ﴾: يعني ولا تخلطوا أموالهم بأموالكم بقصد أن تحتالوا بذلك على أكل أموالهم ﴿ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾: يعني إنَّ مَن فعَلَ ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.

الآية 3: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾: يعني وإن أردتم الزواج من البنات اليتامَى (اللاتي كنتم أوصياء عليهم)، وخِفتم ألا تَعدِلوا فيهنّ، وذلك بألا تعطوهنّ مُهورهنّ كغيرهنّ: ﴿ فَانْكِحُوا ﴾: يعني فاتركوهنّ وانكحوا غيرهنّ مِن ﴿ مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ بينهنّ: ﴿ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾: يعني فاكتفوا بواحدة، أو بما عندكم من الجَوَاري المملوكة لكم شرعاً (إن وُجِدْنَ)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي شَرَعتُهُ لكم في اليَتيمات والزواج من واحدة إلى أربع، أو الاقتصار على واحدة أو الجَوَاري هو ﴿ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾: يعني أقرب إلى عدم ظلم الزوجات (بترك العدل بينهنّ في العطاء).

الآية 4: ﴿ وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ ﴾: يعني وأعطوا النساء مُهورهنّ، (واعلم أن صَدُقات: جمع صَدُقة (بضَمّ الدال) وهو الصَداق الذي يُعرَفُ بالمَهر)، ﴿ نِحْلَةً ﴾: يعني عَطِيَّة واجبة وفريضة لازمة، عن طِيب نفسٍ منكم، ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا ﴾: يعني فإن طابَتْ أنفسهنّ لكم عن شيءٍ من المهر فوهَبْنَهُ لكم، ﴿ فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾: أي فخذوه، وتصرَّفوا فيه، فهو حلالٌ طيب.

الآية 5: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ﴾ وهم اليتامى الذين لا يُحسِنون التصرف في المال ﴿ أَمْوَالَكُمُ ﴾: يعني ولا تعطوهم أموالهم التي تحت أيديكم، حتى لا يضعوها في غير وجهها، لأن هذه الأموال هي ﴿ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾: يعني: التي عليها قيام حياة الناس، ﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ﴾: أي وأنفقوا عليهم منها، وَاكْسُوهُمْ، واعلم أنه تعالى قال: (وارزقوهم فيها)، ولم يقل: (وارزقوهم منها) إشارةً إلى أن المال ينبغي أن يُستثمَر لهم في تجارة أو صناعة أو زراعة، بحيث يَبقى رأس المال محفوظاً، وتكون النفقة والكِسوة عليهم من الربح فقط، ﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾: يعني قولاً تَطِيبُ به نفس اليتيم، فلا يغضب ولا يحزن إذا لم يُعطَ من المال، كأن تقولوا له: (هذا مالكم نحفظه لكم لتأخذوه يوم ترشدون).

الآية 6: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ﴾: يعني واختبروا مَن تحت أيديكم مِن اليتامَى لمعرفة قدرتهم على حُسن التصرف في أموالهم، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ﴾ وهو سن البلوغ ﴿ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا ﴾: يعني فإذا عَلمتم منهم صلاحًا في دينهم، وقدرة على حفظ أموالهم: ﴿ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ ﴿ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ﴾: يعني ولا تعتدوا على أموالهم بإنفاقها في غير موضعها (إسرافًا)، ومُسارَعةً بأكلها قبل أن يكبروا فيأخذوها منكم، ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ﴾ بغِناه ولا يأخذ من مال اليتيم شيئًا، ﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: يعني فليأخذ من مال اليتيم (الذي تحت يديه) بقدر حاجته عند الضرورة، ويَرُدُّهُ إليه متى تَيَسَّرَ له ذلك، ﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا ﴾ أحد الناس ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾، وذلك ضمانًا لوصول حقهم كاملاً إليهم لئلا يُنكِروا ذلك، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾: يعني ويكفيكم أن الله شاهدٌ عليكم، ومُحاسِبُكم على ما فعلتم في أموالهم.

الآية 7: ﴿ لِلرِّجَالِ ﴾: يعني للذكور (صغارًا أو كبارًا) ﴿ نَصِيبٌ ﴾ شرعه الله لهم ﴿ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾: يعني فيما تركه الوالدان والأقربون من المال، ﴿ وَلِلنِّسَاءِ ﴾ كذلك ﴿ نَصِيبٌ ﴾ شرعه الله لهنّ ﴿ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾ ﴿ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾: يعني وذلك في أنصِبَةٍ محددة فرضها الله عز وجل، سواء كان المال قليلا أو كثيرًا.

وقد كان العرب في الجاهلية - مِن جبروتهم وقسوتهم - لا يورثون النساء والصبيان، ويجعلون الميراث كله للرجال الأقوياء، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يُشَرِّع لعباده شرعًا، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم.

• واعلم أن الميت إذا ترك شيئاً لا يَقبل التقسيم (كالدار الصغيرة، والجوهرة الواحدة، وغير ذلك)، فالراجح أن هذا الشيء يُباع ويُقسَّم ثمَنَهُ على الوَرَثة، وذلك لتَعَذُّر قِسمتِه.

الآية 8: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ ﴾: يعني وإذا حضر قسمةَ الميراث أقاربُ الميت (مِمَّن لا حقَّ لهم في التَرِكة)، أو حضرها مَن مات آباؤهم وهم صِغار، أو حضرها مَن ليس لهم مال: ﴿ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ﴾: يعني فأعطوهم شيئًا من المال (على وجه الاستحباب) قبل تقسيم التَرِكة على أصحابها، ﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾: يعني وإن تَعَذَّرَ إعطاؤهم من المال: فقولوا لهم قولا حَسنًا، كاعتذارٍ جميل تَطِيبُ به نفوسهم، ولا تُهِينوهم ولا تطردوهم.

الآية 9: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ﴾: يعني ولْيَخَف الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ﴿ ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ﴾ من الظلم والضياع، ﴿ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ﴾ فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحُسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، ﴿ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾: يعني قولاً موافقا للعدل والمعروف (لأنه كما تَفعلُ معهم: سَيُفعَلُ مع أبنائك بعدَ موتك، وكما تدين تدان).

الآية 11: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ ﴾ ويأمركم ﴿ فِي ﴾ شأن ﴿ أَوْلَادِكُمْ ﴾ أنه إذا مات أحدٌ منكم (ذكراً كانَ أو أنثى)، وترك أولادًا (ذكورًا وإناثًا)، ولم يكن هناك وارثٌ غيرهم، فإنّ ميراثه كله يكون لهم، بحيث يكونُ ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ﴾: يعني مثل نصيب ﴿ الأُنْثَيَيْن ﴾.

• فعلى سبيل المثال: لو أنّ المَيِّت ترك ولدين وثلاث بنات، وترك لهم أربعة عشر ديناراً، فإننا سنفترض أن هذه التَرِكة عبارة عن مجموعة من الأسهُم، ثم نوزع هذه الأسهم على أولاد المَيِّت، بحيث يأخذ الولد سهمين، والبنت تأخذ سهماً واحداً، فبالتالي يكون نصيب الولدين كالآتي: (2 (وهو عدد الأولاد) × 2 (وهو عدد الأسهم لكل ولد منهم)) = 4 أسهم، ويكون نصيب البنات كالآتي: (3 (وهو عدد البنات) × 1 (وهو عدد الأسهم لكل بنت منهن)) = 3 أسهم، وبهذا يكون مجموع هذه التَرِكة المفترَضة: (4 أسهم للأولاد + 3 أسهم للبنات) = 7 أسهم.

ثم نقسم الأربعة عشر ديناراً (وهي التَرِكة الحقيقية) على السبعة أسهم (وهي التَرِكة المفترَضة)، فبالتالي يكون نصيب السهم الواحد كالآتي: (14 دينار ÷ 7 أسهم) = دينارين ، وبما أن الولد له سهمان، إذن يكون نصيب الولد الواحد: (2 × 2 دينار) = أربعة دنانير، ويكون نصيب البنت سهماً واحداً (يعني: ديناران).

• فإن ترك المَيِّت ولداً ذكراً فقط: فإن الولد يأخذ التَرِكة كلها، وأما إن ترك أولاداً ذكوراً فقط: فإن التَرِكة كلها تُقسَّم على الأولاد الذكور بالتساوي، (ويُلاحَظ في كل الحالات السابقة أن المَيِّت إذا ترك زوجته مع الأولاد، فإن الزوجة تأخذ ثُمُن التَرِكة (كما سيأتي)، ثم يُقسَّم الباقي على الأولاد).

• واعلم أن الجَنين (الذي مات أبوه وهو في بطن أمه) فإنه يشترك مع الأبناء في تقسيم الميراث (يعني يعتبرونه ضمن القِسمة، ويحفظون له حقه)، فإن عُلِمَ بالوسائل الحديثة أن الجنين أنثى: فإنهم يحفظون لها سهماً واحداً، وإن عُلِمَ أنه ذكر: فإنهم يحفظون له سهمين، وإن لم يُعلَم: (فإنه يُحفَظ له نصيب ذكر (يعني سهمين)، فإذا اتضح بعد ذلك أنه أنثى: فإن السهم الآخر يُوَزَّع على جميع الأولاد كأنه تَرِكة منفصلة)، فإذا كانا (توأم)، ولم يُعلَم: (هل هم ذكور أو إناث؟)، فإنهم يحفظون لهما نصيب ذكرين (يعني أربعة أسهم)، فإذا اتضح بعد ذلك أنهما (أنثَيان، أو أنثى وذكر): فإن الأسهم الزائدة تُوَزَّع على جميع الأولاد كأنها تَرِكة منفصلة.

• وأما إن ترك المَيِّت بناتٍ فقط فقد قال تعالى: ﴿ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ﴾: يعني: فإن مات وترك بناتٍ فقط، وكانت هذه البنات (اثنتين فأكثر): ﴿ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ﴾: يعني: فيكون لهن ثُلُثَي التَرِكة، ثم تأخذ زوجة المَيِّت ثُمُن التَرِكة (إن كانت موجودة)، والباقي يأخذه العَصَبَة، والعَصَبَة: هم أقرباء الرجُل من أَبيه، وهم - في أحَقيَّتِهِم للميراث - على الترتيب التالي: (بُنُوَّة - أُبُوَّة - أُخُوَّة - عُمومة).

• والمقصود بالبُنُوَّة: (أبناء المَيِّت، ويليهم في الترتيب: أولاد (أبناءه الذكور)، وهم أحفاد الميت (وهؤلاء لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً، فيأخذون نصيبه).

• والمقصود بالأُبُوَّة: (أبو المَيِّت، ويليه في الترتيب جدّه (وهو أبو والد الميت)).

• والمقصود بالأُخُوَّة: (إخوة المَيِّت وأخواته الأشِقَّاء، ويليهم في الترتيب: إخوة المَيِّت وأخواته (الذين من جهة أبيه)، ويليهم: الأبناء الذكور (لإخوته الذكور الأشِقّاء)، ويليهم: الأبناء الذكور (لإخوته الذكور الذين من جهة أبيه) (واعلم أن أولاد الإخوة (سواء الأشِقّاء أو الذين من جهة أبيه) لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً فيأخذون نصيبه)).

• والمقصود بالعُمومة: (أعمام المَيِّت الذكور، ويليهم في الترتيب: الأبناء الذكور لأعمام المَيِّت (وهؤلاء لا يأخذون إلا إذا كان أبوهم مَيِّتاً فيأخذون نصيبه)).

• ومعنى (ترتيبهم في أحَقيَّتِهِم للميراث) أنه إذا وُجِدَ أحد هؤلاء (على الترتيب السابق) فإنه يَحجُب مَن بَعدَهُ في الترتيب، بمعنى أنَّ مَن بَعدَهُ في الترتيب لا يكون له حق في الميراث طالما أنَّ مَن قبله موجود، (باستثناء والد المَيِّت، فإنّ له نصيباً مفروضاً وهو السدس، سواء كان أبناء المَيِّت موجودين أو لا، كما سيأتي).

• واعلم أيضاً أنه ليس لهؤلاء العَصَبة قدْرٌ مُحَدَّد في الميراث، وإِنَّما يأْخذون ما تبَقى من الورثة الذين لهم قدر مُحَدَّد في الشرع، بحيث يُقسَّم عليهم هذا المتبقي على أساس: (للذكر مثل نصيب الأُنْثَيَيْن).

﴿ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً ﴾: يعني وإن ترك المَيِّت بنتاً واحدة: ﴿ فَلَهَا النِّصْفُ ﴾: أي فلها نصف التَرِكة، والباقي يأخذه العَصَبة، وكذلك الحال إذا مات وترك (بنت ابنِهِ) وعَصَبة: فإنّ بنت الابن هنا تأخذ النصف (مثلما تأخذ بنت الميت إذا كانت موجودة)، والباقي يأخذه العَصَبة، وأما إنْ ترك (بنات ابنِهِ) وعَصَبة: فإنّ بنات الابن هنا يأخذنَ الثلثين (مثلما تأخذ بنات الميت إذا كُنّ موجودات)، والباقي يأخذه العَصَبة.

واعلم أن المَيِّت إذا ترك (أمه وأباه، وترك أيضاً أولاداً (ذكوراً وإناثاً، أو ذكوراً فقط)): فإنَّ لكل واحد مِن أبويه سدس التَرِكة، والباقي للأولاد، كما قال تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ ﴾: يعني ولوالِدَي المَيِّت: ﴿ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ﴾: يعني هذا إذا كان عند المَيِّت أولاد (ذكوراً وإناثاً، أو ذكوراً فقط).


• أما إن مات وترك (أمه وأباه وزوجته، وترك معهم بناتٍ فقط (أو بنتاً واحدة)): فإنَّ البنات يَأخذنَ نصيبهنّ (كما سبق)، ويأخذ أبوه السدس، وأمه السدس، وزوجته الثُمُن، والباقي يَرِثُهُ أبوه (بالتعصيب)، لأنه يَحجُبُ مَن بَعدَهُ في ترتيب العَصَبة، ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾: يعني وإن لم يكن له أولاد نهائياً، وورثه أبواه فقط: فلأمه ثلث التركة، ولأبيه الباقي، ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾: يعني فإن كان للمَيِّت إخوة (اثنان فأكثر) (ذكورًا كانوا أو إناثًا): فلأمه السدس فقط، وللأب الباقي ولا شيء لإخوته، لأن الأب يَحجُبُ مَن بَعدَهُ في ترتيب العَصَبة، (ولَعَلَّ الحِكمة من ذلك - واللهُ أعلم - أنّ والدهم هو الذي توَلَّى نِكاحَهُم، وكذلك يَتولى نكاح مَن لم يتزوج منهم، وهو الذي يُنفِقُ عليهم دونَ أمّهم)، وأما إذا كانَ للميت أخ واحد فقط، أو أخت واحدة فقط: فإنَّ لأمه الثلث (كما هو الحال لو لم يكن له إخوة أصلاً)، ولأبيه الباقي.

• واعلم أنه إذا كانت أم المَيِّت مَيِّتة، وكان للمَيِّت جدَّة، فإنَّ جدَّة المَيِّت ترث السدس فقط (سواء كان له إخوة أو لا)، أما لو كانت أم المَيِّت موجودة: فلا شيء لِجدَّة المَيِّت، وكذلك الحال إذا كان والد المَيِّت مَيِّتاً، وكان للمَيِّت جدّ، فإن جدّ المَيِّت يَرث ما يَرثه والد المَيِّت، أما إذا كان والد المَيِّت موجوداً: فلا شيء لجدّ المَيِّت.

(﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾): يعني وهذا التقسيم للتَرِكة إنما يكون بعد إخراج وَصِيّة المَيِّت (كأن يُوصي قبل مَوتِه ببناء مسجد أو غير ذلك، بشرط أن تكون هذه الوصية لا تزيد على ثلث التَرِكة، فإن زادت على الثلث، فإن الورثة لا يُخرجون من الميراث إلا الثلث)، وكذلك بعد إخراج ما على المَيِّت مِن دَيْن، واعلم أن الراجح من أقوال العلماء: أنَّ مَن مات وعليه (زكاة أو حَجّ أو كان لم يَعتمِر أو كان عليه كفارة أو نذر)، فإن ذلك يُؤخَذ مِن تَرِكَتِه قبل تقسيم المِيراث (سواء أوصَى المَيِّت بذلك أو لم يُوصِ)، لأنَّ دَيْن الله أحق بالوفاء، وعندئذٍ يختار أهلُهُ مَن يَحُجّ عنه من هذا المال بالإنابة.

• فنَفِّذوا هذه الوصية المفروضة كما عَلَّمَكُم الله، ولا تُفَضِّلوا أحداً على أحد، فإنّ هؤلاء الوارثين هم ﴿ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾ و (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) في دُنياكم وأخراكم، وقد كانت هذه الوصية ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾ عليكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا ﴾ بخلقه وبما ينفعهم ﴿ حَكِيمًا ﴾ في شرعه، وفي تدبيره لشؤونهم، فارضوا بقسمته، فإنها قسمة عليم حكيم.

• واعلم أن الولد الكافر قد خرج مِن قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ ﴾، لأنه لا حَقّ له في الميراث، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين - : (لا يَرث المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ)، وهذا يدل على أهمية السُنَّة، فهي - ليست فقط تُفَصِّل القرآن - وإنما هي أيضاً تُقَيِّد مُطْلَق القرآن، بمعنى أن القرآن هنا قد أطلقَ لفظ (أولادكم)، بحيث يَشمل (المسلم منهم والكافر)، ولكنْ جاءت السُنَّة فقيَّدت الولد بأنه المسلم فقط وليس الكافر.

• وفي هذا رَدٌّ واضح على مَن يأخذون القرآن ويتركون السُنَّة، ومع ذلك فنحن نتلطف بهم، ونقول لهم: (هل تأكلون السمك مذبوحاً (قبل أن يموت)؟، أم تأكلونه (مَيْتَةً) بدون ذبْح؟)، فإذا كانوا يأكلونه بدون ذبح، فليأتونا بآيةٍ من القرآن تبيح أكْل السمك مَيتاً بدون ذبح!، ومع ذلك فهم يأكلونه مَيتاً على الرغم مِن أنّ القرآن لم يَحِلّ مَيْتَتُه، فقد قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾، ولم يَستثنَ منها شيئاً، وإنما جاءت السُنَّة فأحَلَّتْ مَيْتَة السمك.

• فالسُنَّة توضح القرآن وتُكَمِّله، فهي مُنَزَّلة مثل القرآن سواءٌ بسواء، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ يعني: القرآن والسُنَّة، والدليل على أنّ الحِكمة هي السُنَّة: قوْلُ الله تعالى لنساءِ النبي: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾، وإلاّ، فماذا كانَ يُتلَى في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن والسُنَّة؟

• وعندما تطاول بعض الخلق على السُّنَّة ووضعوا فيها أحاديث مكذوبة، قيَّضَ الله للسُنَّةِ رجالاً، وسَخَّرَ لها علماءً ليتتبعوا الأسانيد، وليُظهِروا للناس الأحاديث الصحيحة من غيرها، أليس هذا التوفيق دليلاً على أن الله قد حفظ السُنَّة الصحيحة كما حفظ القرآن؟، وبما أنكم تقِرُّون بقول الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾، إذن فدعونا نسأل: (أين وَرَدَ في القرآن عدد ركعات الصلوات وكيفية أدائها؟! وأين ورد كيفية أداء مناسك الحج؟!، وأين ورد مقدار الزكاة المفروضة؟!) (فتبيَّنَ مِن ذلك أنه لا استغناء عن السُنَّة مُطلقاً بأي وَجْهٍ من الوجوه).

• واعلم أن هؤلاء قد أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهم حينَ قال: ((ألاَ إني أوتِيتُ الكتاب - (وهو القرآن) - ومِثله معه - (وهي السُنَّة) - ألاَ يُوشِكُ رجلٌ شبعان على أريكَتِه يقول: (عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه مِن حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه مِن حرامٍ فحَرِّموه)، ألاَ لاَ يَحِلّ لكم لحم الحِمار الأهلي - (وهو الحمار المُستأنَس الذي يعيش بين الناس، ويَحمل أثقالهم)) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 2643)، فعلى مَن يفعل ذلك أن يرجع إلى ربه الكريم الغفار بالتوبة، وليَحذر مِن تهميش السُنَّة، وذلك حتى لا يُحرَم من الشُرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم عند اشتداد الحر والعطش يوم القيامة.


[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

شارك الخبر

المرئيات-١