تصنيف المدعوين ضرورة دعوية
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
تصنيف المدعوين ضرورة دعويةتحتاج الدعوة الفردية، وكذلك الدعوة العامة؛ إلى عملية تصنيف ثم فرز للمدعوّين، وذلك حتى يتسنى للدعاة تقديم الإفادة على وجهها، وحتى يُستخرج من المدعوّ كلّ خير ممكن، ومن ثَمّ تتحقق لنا دعوة ناجحة بإذن الله تعالى.
وفي نظري أن فرز المدعوين بعد تصنيفهم طبقًا لأحوالهم المتباينة المختلفة من حيث قربهم وبُعدهم عن الدين، وكذلك قربهم وبعدهم عن الدعوة والدعاة، ومن حيث إمكانياتهم، ومن حيث جوانب أخرى كثيرة..
في نظري أن هذا الفرز وهذا التصنيف أولّ لبنة في الدعوة الناجحة المثمرة للخيرات الدنيوية والأخروية.
وتختلف صور الفرز والتصنيف الدعوي في الدعوة الفردية عن الدعوة العامة، وذلك أن الدعوة العامة يقع فيها تصنيف المدعو بشكل إجمالي وعام، أما الدعوة الفردية أو الخاصة..
فإن تصنيف المدعوّ فيها يكون مفصّلا، لأن دعوته دعوة خاصة تفصيلية، ولهذا ربما لا تلائم دعوة الفرد غيره من المدعوّين.
تصنيف المدعوّين في الدعوة الخاصة:
صور الدعوة الخاصة كثيرة مختلفة؛ فتعليم المدعو، أو توجيهه التربوي، أو نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ودعوته إلى الخير..
كل هذه وغيرها من صور الدعوة الفردية، وهذه الصور كلها في الدعوة الفردية تحقق لنا بقدر كاف جدًّا عوامل تصنيف المدعو المُترتب عليها دعوته الناجحة فيما بعد.
ولكننا كثيرًا ما نحتاج لهذا التصنيف قبل أن يتحقق لنا القرب من المدعوّ بداية، وذلك أننا بناء على تصنيف المدعو سنضعه في موضعه الصحيح من حيث دعوتنا، فنحن نحتاج إذن أن نقف على إمكانيات المدعوّ وعوامل شخصيته ومعرفة محيطه الاجتماعي والأُسري لنستطيع أن نصنّفه تصنيفًا صحيحًا فترتقي به الدعوة علميًّا أو تربويًّا.
ويمكن أن تتخطى مشكلة التصنيف الدعوي للمدعو قبل معرفة أحواله في البداية عن طريق اختباره وتجربته، ومن ثَمّ يظهر لنا عادةً طبائعُه وأحواله التي تمكننا من تصنيفه الدعوي، فالذي نحرص على تعليمه من المدعوين لا بدّ أن يجتمع فيه مؤهلات طلب العلم، من الحرص والهمّة والعقل وغير ذلك..
والذي لم يتأهل لطلب العلم له موضعه ومكانه كذلك في الدعوة والتربية الكبيرتينِ، وأقل هذا التعهد بالنصح والتوجيه والإرشاد، وقُرب الناس منا.
واختبار المدعو أو تجربته له أشكال كثيرة، تختلف من مجال إلى آخر، وفي الجملة التكليف بالمهام ومناقشتها بعد ذلك يفتح لنا أبوابًا كثيرة تعيننا على تقدير أحوال المدعو تقديرًا صحيحًا لا إفراط فيه ولا تفريط.
كما يمكننا تخطي مشكلة جهالة أحوال المدعوّ عن طريق القرب المجرد عن المهامّ منه، فنستكشف أحواله من حديثه ومواقفه، ولهذا يحرص الداعية اللبيب في البداية على السماع من المدعو أكثر من إسماعه.
وطرق معرفة أحوال المدعوّ كثيرة لمن له خبرة دعوية وتربوية، كما أنها في النهاية أمر نسبي، وحسبي من المقالة الإشارة فقط.
ثم يأتي بعد عملية التصنيف الدعوي للمدعو العملُ الدعوي ذاته، سواء كان هذا العمل الدعوي تعليمًا أو دعوة أو تربية أو توجيهًا ونصحًا، وقد بني العمل بعد التصنيف على قواعد صحيحة تضمن لنا نجاح مهامنا الدعوية.
تصنيف المدعوين في الدعوة العامة:
وهي لا تعني أكثر من معرفة الداعية للمحيط الدعوي الذي يعمل فيه أعمالا دعوية، كالخطيب يعرف أحوال أهل مسجده..
حتى يتوافق حديثه مع أحوال المدعوين، وكذلك القنوات الدعوية الحديثة من فضائيات أو شبكة إنترنت، يتبيّن الداعية أحوال متابعيه ومستمعيه عادة، فلا يخالف خطابه مداركهم أو أحوالهم.
وعملية التصنيف الدعوي وإن كانت تبدو في الظاهر أمرًا واضحًا، من الناحية الإدارية والعقلية، بل والناحية الفطرية الجِبِلّية..
لكنها مع كلّ هذا الوضوح يكتنفها أحيانًا غموض في الواقع الدعوي العلمي والعملي عند كثير من المتصدرين في الدعوتينِ الفردية والعامة.
ففي محيط الدعوة الفردية كثيرًا ما يصدم الداعية في المدعو بعد عمل وجهد دعويينِ شاقّينِ، وذلك راجع في كثير من الأحيان لعدم فهم الداعية للمدعو وقلة الإحاطة بأحواله النفسية أو الاجتماعية أو الإيمانية، أي غفلة الداعية عن تصنيفه للمدعوّ.
وعلى المحيط الدعوي للدعوة العامة يقع كذلك تصنيف المدعوين تصنيفًا قائمًا على غير أسس من الواقع صحيحة، فيحصل أنواع من المفاسد على الدعوة وأهلها.
فليست الأزمة في قضية تصنيف المدعوين تقتصر على أي تصنيف فحسب، بل لا بد من تصنيف مبني على أصول وأسس تضمن لنا إحاطة معتبرة بأحوال المدعوين.
وكما أن تصنيف المدعوين أول لبنات الدعوة الناجحة، فكذلك إغفال هذا التصنيف من شأنه أن يفرض على الدعوة التخبط والفوضى، كما أن تنكب هذا التصنيف يعني تنكب الطريق إلى المدعو وإلى الغاية المرجوّة منه.
فالتوجيه الدعوي إن لم يكن في موضعه فلا بدّ أن يضر، ولنعتبر بأناس منا وُجِّهوا للعلم، وللعلم فقط، وآخرين أُقيموا بالحماسة والعاطفة فحسب، وغيرهم اختلط عليهم الأمر فلم يفرّقوا بين الوسيلة والغاية نتاج الخطاب الدعوي الذي نشأوا عليه..
وكيف أن كلّ هؤلاء وغيرهم وقع –وما زال يقع- من جراء وجودهم الدعوي مفاسد.
التصنيف أمر متغيّر وليس ثابتًا:
ومن الضروري أن نعي كذلك أن تصنيف المدعوين أمر متغيّر طيقًا لتغيّر أحوال المدعوين.
وهذا على الجانب الدعوي الفردي والجانب الدعوي العام، فعلى الجانب الفرد يرتقي المدعو من وقت لآخر، وربما كان الأمر بالعكس، وسواء كان التغيّر للأفضل أو الأسوأ فإن تصنيفنا يجب أن يعاد وينشأ من جديد حتى يتلاءم مع مستقبل دعوة المدعوّ.
وكذلك الأمر بالنسبة للدعوة العامة، فإن أحوال الناس لا تثبت على حال واحد، وإن لم نلحظ هذا التغيّر الطارئ عليهم، لكنه حتمًا موجود، وعليه نعيد عملية استكشافنا وتصنيفنا ثانية وثالثة ورابعة..
وربما يذهل المرء عندما يجد بعض الأفاضل من الدعاة يتحدث عن واقع انقرض منذ سنين طوال!
فليس من الصواب الجزم في التصورات المتغيّرة أو حتى القابلة للتغيّر على مرّ الأيام.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّ اللهم وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.