الزندقة
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الزندقة لغة:الزّندقة كلمة معرّبة من اللّغة الفارسيّة استعملها العرب منذ فترة مبكّرة في التّاريخ الإسلاميّ للتّعبير عن طائفة من الملاحدة، وقد شقّت طريقها إلى المعجم العربيّ منذ القرن الثّاني للهجرة فقال عنها الخليل في أقدم معجم عربيّ (هو كتاب العين): زندقة الزّنديق: ألّا يؤمن بالآخرة وبالرّبوبيّة، وقيل: هو الّذي لا يؤمن بالآخرة ووحدانيّة الخالق.
الزندقة اصطلاحًا:
قال التّهانويّ: الزّنديق: هو الثّنويّ القائل بإلهين منهما يكون النّور والظّلمة ويسمّيهما: يزدان، وأهريمن، الأوّل: خالق الخير، والثّاني: خالق الشّرّ يعني الشّيطان، (وقيل) هو الّذي لا يؤمن بالحقّ تعالى وبالآخرة، وقيل: هو الّذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر.
حكم الزندقة:
الزّندقة كفر، والزّنديق كافر، لأنّه مع وجود الاعتراف بنبوّة سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم يكون في عقائده كفر وهذا بالاتّفاق.
حقيقة الزندقة:
قال الحافظ ابن حجر رحمه اللّه تعالى:
الزّنادقة جمع زنديق، وقال: قال أبو حاتم السّجستانيّ وغيره: الزّنديق: فارسيّ معرّب أصله (زنده كرداي) يقول بدوام الدّهر لأنّ (زنده) الحياة و(كرد) العمل، ويطلق على من يكون دقيق النّظر في الأمور.
وقال ثعلب: ليس في كلام العرب زنديق وإنّما قالوا زندقيّ لمن يكون شديد التّحيّل، وإذا أرادوا ما تريد العامّة قالوا ملحد ودهريّ أي يقول بدوام الدّهر، وقال الجوهريّ: الزّنديق من الثّنويّة.
وفسّره بعض الشّرّاح بأنّه الّذي يدّعي أنّ مع اللّه إلها آخر، وتعقّب بأنّه يلزم منه أن يطلق على كلّ مشرك.
ثمّ قال: والتّحقيق أنّ أصل الزّنادقة أتباع ديصان ثمّ ماني ثمّ مزدك.
وحاصل مقالتهم أنّ النّور والظّلمة قديمان وأنّهما امتزجا فحدث العالم كلّه منهما، فمن كان من أهل الشّرّ فهو من الظّلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النّور.
وأنّه يجب السّعي في تخليص النّور من الظّلمة فيلزم إزهاق كلّ نفس.
وكان بهرام جدّ كسرى تحيّل على ماني حتّى حضر عنده وأظهر له أنّه قبل مقالته ثمّ قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقيّة اتّبعوا مزدك، وقام الإسلام والزّنديق يطلق على من يعتقد ذلك، وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل ومن ثمّ أطلق الاسم على كلّ من أسرّ الكفر وأظهر الإسلام حتّى قال مالك: الزّندقة ما كان عليه المنافقون وكذا أطلق جماعة من الفقهاء الشّافعيّة وغيرهم أنّ الزّنديق هو الّذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر.
ونقل ابن حجر عن النّوويّ قوله: الزّنديق الّذي لا ينتحل دينا.
الفرق بين الزنديق وغيره من أصناف الكفار:
وأمّا الفرق بين الزّنديق والمنافق مع اشتراكهما في إبطان الكفر: هو أنّ الزّنديق معترف بنبوّة نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، دون المنافق وهذا الفرق بين الزّنديق من أهل الإسلام والمنافق الاصطلاحيّ.
وأمّا الفرق بين الزّنديق والدّهريّ فيما ذكر فإنّ الدّهريّ ينكر استناد الحوادث إلى الصّانع المختار بخلاف الزّنديق.
وأمّا الفرق بينه وبين الملحد الّذي يعتبر أيضا من زمرة الكفرة على ما دلّ قول حافظ الدّين الكرديّ في فتاواه: لو قال أنا ملحد يكفر فيما أنّ الاعتراف بنبوّته صلّى اللّه عليه وسلّم معتبر في الزّنديق دون الملحد وإن لم يكن عدم الاعتراف دون الملحد وإن لم يكن بالعدم أيضا معتبرا فيه.
وبهذا أي بعدم اعتبار القول بعدم الصّانع المختار في الملحد يفارق الملحد الدّهريّ.
أحكام الزنادقة:
وقال الآمديّ في أبكار الأفكار: حكم أموال الزّنادقة حكم المرتدّين فلا تقبل منهم جزية ولا تنكح نساؤهم ولا دية على قاتل واحد منهم، فإن استرقّ لحق واحد منهم بدار الحرب وسبي، ولو تاب واحدٌ منهم فإن كان ذلك ابتداء منه غير خوف قبلت توبته، وإن كان ذلك خوفا من القتل بعد الظّهور على بدعته فقد اختلف في قبول توبته فقبلها الشّافعيّ وأبو حنيفة ومنع من ذلك مالك وبعض أصحاب الشّافعيّ وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق ولو قُتل واحد منهم أو مات فما له مخمّس عند الشّافعيّ وأبي حنيفة، وعند مالك ماله كلّه لا خمس فيه.
قلت: لا بعد فيه فإنّ الزّنديق يموّه كفره ويروّج العقيدة الفاسدة ويخرجها في الصّورة الصّحيحة وهذا معنى إبطانه الكفر فلا ينافي إظهاره الدّعوة إلى الملّة الضّالّة.
فالملحد أوسع فرق الكفر جدّا، فافهم هذا الفرق.
أنواع الزندقة:
والزّنادقة على ثلاثة أوجه: إمّا أن يكون زنديقًا من الأصل على الشّرك أو يكون مسلمًا فتزندق أو يكون ذمّيًّا فتزندق.
ففي الوجه الأوّل يترك على شركه، وفي الوجه الثّاني يعرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلّا قتل لأنّه مرتّد، وفي الوجه الثّالث يترك على حاله لأنّ الكفر ملّة واحدة.
من الآثار الواردة في ذمّ (الزندقة):
- قال مالك بن أنس رحمه اللّه: توبة الزّنديق لا تقبل وهذا يحكى عن أحمد بن حنبل رحمه اللّه تعالى.
- قال ابن تيميّة رحمه اللّه تعالى: الزّنديق يجب قتله.
من مضار (الزندقة):
(1) شيوع الزّندقة يغري ضعاف الإيمان بالانزلاق إليها.
(2) انتشار المعصية، فليس بعد الكفر ذنب، ومن ثمّ يسهل على الزّنديق ارتكابها.
(3) اضطراب المجتمع، فإنّ الزّنادقة لا يحكمهم مبدأ، ومن ثمّ فإنّهم يفعلون ما تدعوهم إليه أهواؤهم بغير رعاية لحقوق الآخرين.
(4) انصراف النّاس إلى الشّهوات وتلبية دعوة الهوى يضعف المجتمع فيطمع فيه أعداؤه ويستولون عليه ويسلبون عزّته وكرامته.
(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)