(7) السحر، ومنه الصرف والعطف (3) - من نواقض الإسلام - عبد الله بن حمود الفريح
مدة
قراءة المادة :
15 دقائق
.
المسألة الثامنة: تصديق الكاهن كفر.روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة».
قال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد (2/60):
"والعراف قيل هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن المستقبل، وقيل: هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمّال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها، وهذا المعنى أعم، ويدل عليه الاشتقاق؛ إذ هو مشتق من المعرفة، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة".
قوله: «فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا»: ظاهر الحديث أنه مجرد سؤال يوجب عدم قبول صلاته أربعين يومًا، ولكنه ليس على إطلاقه، فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالًا مجردًا، فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».
(رواه مسلم) من حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه، إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله، فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65].
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله، فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد، فقال: «ماذا خبأت لك؟» قال: الدُّخ.
فقال: «اخسأ فلن تعدو قدرك» فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له، لأجل أن يختبره، فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور يتبن بها كذبه وعجزه، وهذا مطلوب، وقد يكون واجبًا.
وإبطال قول الكهنة لاشك أنه أمر مطلوب، وقد يكون واجبًا، فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى" (أ.هـ).
المسألة التاسعة: هل يدخل في الوعيد ما تبثه قنوات السحر الفضائية؟
مما ينبغي أن يعرفه المسلم أن إتيان الكهنة والسحر والعرافين المترتب عليه الحديث الذي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» وكذلك تصديقهم وأنه كفر لا يشترط أن يقف فيه على باب الكاهن أو الساحر فيقطع المسافات إليه، بل إن الإتيان يتحقق بما انتشر في الوسائل الحديثة اليوم ومنه ما انتشر في المجلات بقراءة برج الحظ لمعرفة ما يستقبله من أخبار سعيدة أو منحوسة أو بقراءة الكف والفنجان أو بالاتصال عليهم، أو بمشاهدة ما تبثه القنوات الفضائية من السحر ومنها ما هو خاص بذلك فكل ذلك يدخل في الوعيد المتقدم، ولقد أفتى بدخول قنوات السحر في الوعيد.
مجموعة من المشايخ الفضلاء وهذا من بيانهم:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد..
ما تبثه هذه القنوات من علم السحر والشعوذة والكهانة من أعظم المنكرات ومن أعظم الفساد، وإضلال الناس.
وهي علوم تقوم على الكذب والدجل ودعوى علم الغيب بما يدعونه من النظر في النجوم والطوالع كما يقولون، أو مما يتلقونه من أصحابهم من شياطين الجن ، وقد لا تكون لهم خبرة في هذه العلوم الشيطانية ولكنهم يدعونها كذبًا وزورًا لكسب المال...
وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى كاهنًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» وجاء في السنن: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» وسواء ذهب السائل إليهم ببدنه أو اتصل عليهم بواسطة الهاتف الحكم واحد.
وعلى هذا فيجب الحذر من مشاهدة هذه البرامج فمشاهدتها ولو لمجرد الفرجة حرام وأما الاتصال على أصحاب هذه البرامج لسؤالهم ففيه الوعيد المتقدم.." إلخ.
الموقعون على هذا البيان المشايخ الفضلاء:
• الشيخ العلامة: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
• والشيخ: عبد الرحمن بن ناصر البراك.
• والشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
المسألة العاشرة: حكم حل السحر بالسحر.
اختلف أهل العلم في حكم حل السحر بسحر مثله للضرورة على قولين:
القول الأول: جواز حل السحر بالسحر، وهو رواية في مذهب الحنابلة، وفهم عن الإمام أحمد أنه يجيز ذلك.
واستدلوا: 1- بورود ذلك عن بعض السلف ومن ذلك:
أ- قول ابن المسيب فيما علقه البخاري في صحيحه، قال رحمه الله: قال قتادة قلت لسعيد بن المسيب رجل به طب أو يؤخّذ عن امرأته: أيحل عنه أو ينشر قال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع الناس فلم ينه عنه.
ب- عن عطاء الخرساني أنه سئل عن المؤخذ من أهله والمسحور نأتي نطلق عنه؟ قال: لا بأس بذلك إذا اضطر إليه.
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
2- قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات.
والقول الثاني: أنه لا يجوز حل السحر بالسحر وأن الضرورة لا تبيحه وهو قول أكثر العلماء .
واستدلوا:
1- ما تقدم في المسألة الثامنة من أدلة تحريم إتيان الكهان وتصديقهم.
2- حديث جابر رضي الله عنه وهو عند احمد وأبي داود أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن النشرة فقال: «هو من عمل الشيطان »، (صححه ابن مفلح وحسن إسناده ابن حجر وصححه الألباني ).
3- عن أم سلمة: اشْتَكَتْ ابنَةٌ لي، فَنَبَذْتُ لَهَا في كُوزٍ، فَدَخَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَغْلِي، فقالَ: «مَا هذا»؟ فقالَتْ: إنَّ ابْنَتِي اشْتَكَتْ فَنَبَذْنَا لَهَا هذا، فقالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكمْ في حَرَامٍ».
(رواه ابن حبان في صحيحه، (وانظر السلسلة الصحيحة 4 / 175).
4- أن الله لَم يجعل شفاء أمته فيما حرَّم عليها، والسِّحر مُحَرَّم بالإجماع، عن أبي الدرداء قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تَدَاوَوْا بِحرام» (أخرجه أبو داود والبيهقي، وقال ابن مُفلح في "الآداب الشرعية" (2 / 336): (إسناده حسَن).
5- قال ابنُ مسعود في السكر: «إنَّ الله لم يجعلْ شِفاءَكم فيما حرَّمَ عليكم» (رواه البخاري).
6- الإجماع على أن الضرورة لا تبيح التداوي بشرك أو كفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال" انتهى من "مجموع الفتاوى " (19/61).
وجاء في بيان اللجنة الدائمة بعد بيانهم لخطورة السحر وأنه لا يجوز التداوي به ولو لضرورة وفيه:
"وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة فقال «هي من عمل الشيطان» (رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد)، والنشرة هي: حل السحر عن المسحور والمراد بالنشرة الواردة في الحديث: النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية وهي سؤال الساحر، ليحل السحر بسحر مثله، أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك، وكل ما ورد عن السلف في إجازة النشرة، فإنما يراد به النشرة المشروعة، وهي ما كان بالقرآن والأدعية المشروعة، والأدوية المباحة ولا يصح القول بجواز حل السحر بسحر مثله بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، لأن من شرط هذه القاعدة، أن يكون المحظور أقل من الضرورة، كما قرره علماء الأصول، وحيث إن السحر كفر وشرك، فهو أعظم ضررًا، بدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك» (أخرجه مسلم)، والسحر يمكن علاجه بالأسباب المشروعة، فلا اضطرار لعلاجه بما هو كفر وشرك.
وبناءً على ما سبق فإنه يحرم الذهاب إلى السحرة مطلقًا، ولو بدعوى حل السحر.
واللجنة إذ تنشر هذا لبيان وجه الحق في هذا الموضوع إبراء للذمة ونصحًا للأمة " (انظر مجلة الدعوة بعددها الصادر برقم (952054).
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
"قال بعض الحنابلة: يجوز الحل بسحر للضرورة والقول الآخر أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح...
والسحر حرام وكفر، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة! " انتهى من " فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/165).
وقال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي:
"التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة: أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين، وآية الكرسي، ونحو ذلك مما تجوز الرقية به فلا مانع من ذلك، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يفهم معناه، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع، وهذا واضح، وهو الصواب إن شاء الله تعالى كما ترى" انتهى من "أضواء البيان" (4/465).
وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم علاج السحر بالسحر عند الضرورة؟
فأجاب: "لا يجوز علاج السحر بالسحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان).
والنشرة هي حل السحر بالسحر؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم، وهذا من الشرك الأكبر...
يظهر لكل مسلم شدة تحريم تعلم السحر وتعليمه، وكثرة ما فيه من الفساد والضرر، وأنه مع هذا كفر بعد الإيمان ، وردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك.
فالواجب الحذر من ذلك، وأن يكتفي المسلم بالعلاج الشرعي وبالأدوية المباحة بدلًا من العلاج بما حرمه الله عليه شرعًا، والله ولي التوفيق" (انتهى مجلة الدعوة تاريخ 10 / 11 / 1414 هـ).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا بقوله في "القول المفيد" (2/73):
"ولكن على كل حال حتى ولو كان ابن المسيب، ومن فوق ابن المسيب ممن ليس قوله حجة يرى أنه جائز، فلا يلزم من ذلك أن يكون جائزًا في حكم الله حتى يعرض على الكتاب والسنة، وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: «هي من عمل الشيطان»" (انتهى).
وأما ما فهمه بعضهم من تجويز الإمام أحمد للنشرة أنه أجاز حل السحر بالسحر، وإنما كلامه رحمه الله في الرقية الشرعية المباحة.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في (تيسير العزيز الحميد:419):
"وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة، فإنه محمول على ذلك -أي النشرة بالرقية الشرعية- وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك، بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس.
قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه، فنفض يده وقال: لا أدري ما هذا! قيل له: أفترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا.
وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف وهو الذي روى الحديث «أنها من عمل الشيطان»، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك" انتهى.
ويضاف لما سبق أيضًا:
7- أننا بجواز ذلك نبيح تعلم السحر لمثل هذه الضرورات.
8- إننا بهذا القول نناقض حكمنا على الساحر فهو في اللحظة التي يكون فيها مطلوبًا لإقامة الحد عليه بالقتل، يكون مرغوبا فيه يطلب منه الشفاء وفي هذا تناقض في توجه المسلم لهذا الساحر.
9- أنه يلزم من ذلك أننا نجعل الساحر محسنًا متفضلًا لا بد من فتح المجال له والعيادات لأجل أن يفك هذه الكربة عن الناس، وهذا ما ينادي به السحرة فهم يسوِّقون لسحرهم بوجود فتاوى تبيح للمضطر التداوي عندهم.
10- أننا بتجويز هذا يعني أننا نقول: تعلم السحر فرض كفاية لأنه مما يحتاجه الناس اليوم، وله وجه جواز وهو الضرورة.
فائدة: سميت النُشْرَة بهذا الاسم؛ لأنه يُنشر بها عن المريض ويبعد عنه ما خامره من الداء ويُكشف ويزال عنه ما به من الأوجاع أو الأمراض أو الأسقام التي حصلت له بسبب هذا السحر، وهي تكون نشرة شرعية وذلك بالأوراد والرقية الشرعية، وتكون سحرية وهي حل السحر عن المسحور بسحر مثله.
وتقدم قول ابن القيم :
"النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: أحدهما: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، "وعليه يحمل قول الحسَـن -يعني: أنه لا يحل السحر إلاَّ ساحر-" فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور، والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز.
وأختم بكلام نفيس لابن القيم رحمه الله حيث قال:
"وهنا سِرٌّ لطيف في كون المحرمات لا يُستشفى بها، فإنَّ شرطَ الشفاء بالدواء تلقِّيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، فإن النافع هو المبارك وأنفع الأشياء أبركها، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حلَّ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مِمَّا يَحُول بينه وبين اعتقاد بَرَكَتِها ومنفعتها وبين حُسْنِ ظنه بها، وتلقى طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانًا كان أكره لها وأسوأ اعتقادًا فيها، وطبعه أكره شيء لها؛ فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء" انتهى (انظر "زاد المعاد:4/157).