أرشيف المقالات

أمات أبوها؟!! (كلمة في عزاء المتبرجات 1)

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
أَمَاتَ أَبُوهَا؟!!
(كَلِمَةٌ في عَزَاءِ المُتَبَرِّجَاتِ 1)


إيْ والله، لقد مات أبوها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولكنه لم يُوارَ - بعدُ - في لحده، ولم يُغيَّبْ في ثرى رمْسِه؛ لأمرٍ أنت مقبلٌ - إن شاء الله تعالى - على معرفته، والوقوفِ على خبره.
 
ولعلك بادئَ ذي بدء تسألني - وأنت معذورٌ في سؤالك -:
مَنْ هي تلك التي مات أبوها؟
ومن هو - قبل هذا وذاك - أبوها؟
وهل موتُهُ يستحق أن تُستمطَر دموعُ اليراع حزنا على ذهابه، وتُلبسَ بيضُ الصحائف سوادَ المدادِ يأسا وقنوطا من إيابه؟
 
وأقول -والحقُّ حريٌّ أن يُصدع به -:
إن موته مصيبةُ عظيمةُ، ونازلةُ جسيمةُ، جثمتْ بكلكلها على قلب الأمة، فكادت أن تأتي على ما تبقى فيه من حياة، وتقضي على ما جُبلَ عليه من حياء، وتمحو ما حباه الله من مروءةٍ، وكرامة، ورجولة، وغيرة، وحمية، وعزة، وإباء..
 
وإن لموته آثارا خطيرة، وعواقبَ مُبيرة، سعى المفسدون في الأرض سعيا حثيثا إلى إيصال الأمة إليها، فها هي تتجرَّع غُصَصَها، وتكتوي بنارها، وتتحسَّى سُمَّها الزعاف الذي قدموه لها ممزوجا بأهوائها، وشهواتِ نفوس أبنائها، زاعمين إرادةَ خيرِها وخيرِ أبنائها، وهم - في حقيقة أمرِهم، وأصل مرادهم - يريدون استئصالَ شأفتِها، واجتثاثَ جذورها، وإطفاءَ جِذْوتِها ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217].
 
ولكن هيهات هيهات، إنهم ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8-9].

وكأني أطلتُ عليك، وتريَّثْتُ في إخبارك حقيقة تلك التي مات أبوها، ولا عليك، فهأنذا ناشرٌ لك خبرَها وخبرَ أبيها، وَمُفْضٍ لك بما كان مستورا من خوافيها.
 
إنها تلك المرأة التي أخبر عنها من لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه في قوله: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا:....
وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" (مسلم / 5704).


إنها الكاسيةُ، العاريةُ، المميلة، المائلة، المتبرجةُ، السافرةُ، المتعطرةُ، الخرَّاجةُ، الولَّاجةُ، السَّلْفَعُ، الملعونةُ، شرُ النساء، التي نشرت الفساد، وأغوت العباد، وأذاعت الرذيلة، ووأدت الفضيلة، وأشعلت نيران الفتنة في قلوب الناظرين إليها من الشبان والشيبان، وحلتْ عِقال الشهوات المستعرة فانطلقت جامحةً تَحْطِمُ ما يقابلها من أخلاق رشيدة، وخلال حميدة، حتى لقد صار كثير من الشباب - بسببها - كلابا مسعورة، وذئابا جائعة موتورة، تتحيَّن الفرص السانحة؛ كي تنقض على فريستها، منشبةً فيها مخالبها الحادة، وأنيابها القاطعة، لتتركها - بعد حين من الزمان - أشلاءً ممزَّقةَ الشرفِ، مبعثرةَ الكرامة، مسلوبةَ الحياة، كسيرةً، ذليلةً، مهينةَ، مُلقاةً على أرصفة العار والذل والهوان، والبوار والخسران.

ولا تحسبنَّ -رحمك الله -شيئا من هذا الذي أقولُ ضربا من الخيال، وأنني -بهذا -مُجاوزٌ الحقيقةَ، مُهَوِّلٌ الأمرَ، مُبالِغٌ فيه، وأنه لا وجود له بين ظَهْرَانَي المسلمين اليوم، لا والذي في السماء عرشُه، ما عدوتُ الحقيقة قيدَ أُنملة، بل هو كائن واقع بَيِّنٌ في أسبابه وبواعثه، ومظاهره وتجلياته، ونتائجه وعواقبه التي باتت لا يختلف فيها اثنان، ولا ينتطح عليها تيسان، وما أكثرَ -وخالقِ الخلق -التيوسَ في هذا الزمان!

( وَكَفَاكَ مِنْ شَرٍّ سَمَاعُه)!
وليأتينَّك نبأُ ذلك عما قريب.

وهذه التي مات أبوها أنَّى أجَلْتَ الطرف، وألقيت النظر، وأطلقت عِنان البصر، فانك سوف تراها في الأسواق، والمحلات التجارية، والشوارع، والحارات، والبيوت، والمسارح، والمراقص، والحدائق، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والعيادات والمستشفيات، والمتنزهات.....


في كل مكان يمكنك أن تراها، حتى في المصانع والمعامل وغيرها من الأماكن التي لا يكون فيها إلا الرجالُ، حتى صيَّروها سلعةً حقيرةً، وبضاعة رخيصة، وسَقَطَاً من المتاع مبذولا بلا عِوض ولا ثمن لكل عين خائنة، وشهوة دنيئة، على مرأى ومسمع من أبيها - (رحمه الله) - وأخيها، وعمها، وخالها، وعشيرتها الأقربين الذين أغمضوا عيونهم عنها، وهم رعاتها المسؤولون عنها، والمؤتمنون عليها، والمكلفون بحمايتها ، فصيروها - بهذا - لقمة سائغة، وغَرَضَا قريبا لكلاب الأرصفة، وهوام المراهقين.
وكُناسة المجتمع، وحُفالات المتطفلين الساقطين من الذين فشل آباؤهم، وأخفقت أمهاتهم في تأديبهم، ممن لا خَلاق لهم من خلق ولا دين ولا حياء، وما اصدق قول القائل فيهم:
إنَّ (الرجالَ) الناظرينَ إلى النِّسا مثلُ الكلابِ تطوفُ باللُّحْمَانِ
إنْ لم تَصُنْ تلكَ اللحومَ (أُسودُها) أُكِلَتْ بِلا عِوَضٍ ولا أَ ثْمَانِ

ورحم الله القحطاني؛ لو كان عاين ما نعاينه لأيقن أن زمن الرجال و الأُسُود قد ولَّى وأدبر إلا قليلا منهم، وَلَكَانَ - منْ حسرةٍ - متمثلاً قولَ الأول:
ذهبَ الذينَ يُعاشُ في أكنافهم وبقيتُ في خلفٍ كجلدِ الأجربِ

خَلْفٌ يحسبهم الجاهل بالرجولة وحقيقتها رجالا، فإذا أبصرت نساءهم أدركت صدق قول القائل:






لا تغرنك الأشكال والصور
تسعة أعشار من ترى بقر


في شجر السرو منهم مثل
له رواء وما له ثمر






 
والحقيقة التي لا مِراء فيها:
ما كانتِ الحسناءُ تُظْهِرُ سترَها لو أنَّ في هذي الجموعِ رجالا

وصدق والله؛ فان لسان حال المتبرجات قائل بلسان مبين:
(ما من رجل نهابه ونخشاه؛
إني لأفتحُ عيني - حين افتحها - على كثيرٍ، ولكن لا أرى أحدا
إني لأفتح عيني فأرى أبا وأخا وعما وجدا وخالا و....


أرى صور الرجال، ولكني لا أرى الرجال؛ فهم - على كثرتهم - يصدق فيهم، وعليهم قول من يقول:
وَيُقْضَى الأمرُ حينَ تَغِيبُ تَيْمٌ ولا يُسْتَأذَنُونَ وهمْ شُهُودُ

أما هؤلاء الذين تراهم ملءَ السمع والبصر فأشباهُ رجال، غثاءٌ كغثاء السيل، درستْ معالم رجولتهم فاستنوقوا، فما كان منا معشر النساء إلا أن تمردنا عليهم؛ إذ لا بد أن يكون ثمةَ قائدٌ ومَقُود، وسيد ومسود، فلما تخلى القائد والسيد والقوام وذو الدرجة عن مكانته وقيادته وسيادته وقوامته ودرجته، امسكنا نحن - معاشر النساء المترجلات - بزمام الأمور، وإنْ شئت فقل - وأنت صادق -: بخطام (الرجال) وقُدناهم الى حيث أردنا، وهم مستسلمون، يبكون على أطلال رجولتهم الذاهبة، وعزتهم الغائبة)
.

هذا ما يقوله لسان حال المتبرجات الكاسيات العاريات، وهو لسان صدق، يترجم عما في ضمائرهن إزاء من ولَّاه الله أمرَهُنَّ من الرجال: آباءً وأزواجاً وإخوانا...!!

فهلَّا كان لهؤلاء - وغيرهم من ولاة الأمور - آذانٌ مصغية واعية تسمع هذه الهتافات، وتتفحص هذه الاتهامات، التي تطعنهم في صميم رجولتهم، وسويداء كبريائهم، وتدك فيهم معاقل عزتهم، وترميهم - عن قوس واحدة - بالدياثة، وموت الغيرة؟!

وهلا أصختم السمع، وأذَِنْتُم لهذا النداء، من قبل أن تصك أسماعكم أنباءٌ تظل لها وجوهكم مسودة، وهاماتكم مطاطاة، تودون أنْ لو تُسوَّى بكم الأرضُ ولا تكونون فرطتم في أعراضكم وشرفكم.


ألا أيها الرجال المسؤولون، والآباء المؤتمَنون، ألم يأتكم نبأ ذلك التهديد المرعب المخيف، الذي يتوعد به النبي صلى الله عليه وسلم كل من استرعاه الله رعية، فلم يقم بما أوجبه عليه فيها: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" رواه مسلم.

فماذا بعدُ يا آباءَ المتبرجات، ويا أولياءَ أمورِ الكاسيات العاريات، يا مَنْ خنتم الأمانة، وضيعتم الرعية أحوجَ ما تكون الى العناية والرعاية، ماذا بعد أن تُهَدَّدوا بالحرمان من الجنة؛ فإن من ألقى - بيديه - مهجةَ فؤاده، وفلذةَ كبده في النار، نارِ التبرج والعري والعار، لَحَرِيٌّ - والجزاءُ من جنس العمل - أن يُحرمَ من دخول الجنان، وأن يَرِدَ - جزاءً وفاقًا - نارَ جهنم؛ ليذوقَ وبال فعلته، وعاقبةَ جريمته!

وأما انتن - يا من أَبَيْنَ إلا التبرجَ والسفورَ سبيلا - فعزاؤكن عزاءان:
فعظم الله أجْرَكُن في أنْفُسِكُن!
وعظَّم الله أجْرَكُن في آبائكن، وأحسن عزاءكن (فيهِم)!
وما عجبٌ أنَّ النساءَ ترجَّلتْ ...
ولكنَّ تأنيثَ الرجالِ عجابُ
 
وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١