أرشيف المقالات

درر الشيخ علي الطنطاوي (15)

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
درر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (15)

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الهدى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
هذه الدرة الخامسة عشرة من درر الأديب والفقيه الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، والمختارة من كتابه فصول اجتماعية فقال رحمه الله:
1- أنا إذا ذكرت حادثة فإنما أذكر شيئاً مضى عليه زمن ومات أهله، ولا أشير إلى حادث جديد لئلا يستاء أصحابه ويجدوا فيه تعريضاً بهم وفضحاً لهم[1].

2- لا تخدعكم الظواهر، ولا تفتنكم النساء الأجنبيات؛ فإنه ليس في الدنيا نساء أشد إخلاصاً وأعظم وفاء من نسائنا.

نساؤنا خير نساء الأرض، فمن تركهن وتزوج بالأجنبيات كان كمن رمى قطعة من الألماس ليأخذ بدلاً عنها قطعة من الزجاج.


فهل رأيتم عاقلاً يستبدل بالألماس الزجاج؟!
3- أنبه هنا إلى أمور[2]:
أولاً: أن يعلم كل زوجين يختلفان أن الخلاف لابد منه ؛ ولو سلم بيت زوجي من الخلاف لخلا منه أشرف بيت أقيم على ظهر الأرض، وهو بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا يحزنا على نفسيهما ولا يحسبا أن هذا الأمر مقصور عليهما وحدهما، فليس في بني آدم زوجان لا يختلفان لأن الله لم يخلق اثنين برأي واحد ولا بعقل واحد.

ثانياً: ودواء هذا الداء أن يغضي كل منهما حيناً ويتساهل حيناً.
وإذا وقع الاختلاف فلا يتمسك كل منهما بموقفة، بل يقترب هو خطوة وتقترب هي خطوة حتى يتلاقيا.

ثالثاً: إن الأمر التافه إذا لم يعقبه اعتذار وعفو وتسامح من الزوج أو من الزوجة، وإذا أصرت هي على الحرد والتقطيب، واستمر هو على الغضب والإعراض، تحول هذا الأمر التافه إلى خلاف خطير.
وأكثر حوادث الطلاق التي مرت عليّ كان سببها هِنات هَيّنات لم يعقبها اعتذار و لا تسامح، فجرّتْ إلى نتائج وبيلات.

رابعاً: ألا يحفظ كلٌ منهما أخطاء الآخر و يكررها ليثبتها في ذهنه، فكلما كان خلاف أخرج الخمير والفطير ونبش الماضي والحاضر، فسد الطريق على الصلح.
وشر من هذا أن يروي هذا للناس فيخرق في الصلة الزوجية خرقاً لا يُرقع ويترك في القلب جرحاً لا يلتئم.

خامساً: ألا يُطلع الزوجان على خلافهما أحداً، لا أهله ولا أهلها ؛ لأن ذلك يعقّد الأمور ويزيد الشقاق.
(باختصار).

4- الله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فهما يستطيعان حل الخلاف بينهما بنظرة فيها حب، أو كلمة فيها لين، أو لمسة فيها عاطفة، أو غير ذلك مما يكون بينهما ولا يشركهما فيه غيرهما.

5- ليس المهم أن يعجب القراء بقولي بل المهم أن يعملوا بنصحي.

6- لقد لبثت قاضياً ومستشاراً في محكمة النقض ( التمييز ) سبعاً وعشرين سنة، فوجدت أن أكثر حوادث الطلاق سببها غضب الرجل الأعمى وجواب المرأة الأحمق، والأمر على الغالب تافه لا يستحق الاهتمام.

7- الحب الفائر الثائر تخمد على الأيام فورته، وتهدأ ثورته، وينقلب حيناً إلى صداقة هادئة، وغالباً إلى نفرة قاطعة.

8- لأنْ يكون الزوج - لمّا اختار الزوجة – نظر مع الحب إلى المصلحة والتوافق بين الأهل، وحكّمَ عقله مع عاطفته، فتحول الحب إلى صداقة باقية هي خير من الحب...
خيرٌ له من أن يكون الزواج للحب وحده، أي للشهوة العارضة، لم يسمع فيه مع صوت القلب صوت العقل، فمات الحب وجاءت النفرة[3].


9- هل يكون قبح المرأة ذنباً لها تستحق من أجله الطلاق ؟ إنها ليست هي التي قبّحت نفسها، ولكن الذي خلقها خلقها هكذا، فإذا طلقتها من أجله تكون قد اعترضت على الله الذي خلقها.

أوَلم ترَها قبل الزواج ؟ إذا كنت قد رأيتها فالذنب ذنبك لأنك رضيت بها فأخذتها على غير جمال، وإذا كنت لم ترها فالذنب ذنبك أيضاً لأنك ((أسقطت)) حقك في رؤيتها.

10- ليست المرأة المطلوبة هي التي تشتغل خارج البيت، بل التي تعيش في البيت وللبيت ولأهل البيت...
ارجع إلى قواعد الشرع وأحكام العقل ودواعي المصلحة، تجد أن الشرع والعقل والمصلحة، كل ذلك يشهد لما أقول[4].


11- انزع من فكرك أمر الطلاق ؛ فما وضعه فيه إلاّ إبليس.
واذكر أن الأولاد يربطون بينكما إلى الأبد، وأنك قد تطلّقها فتصير غريبة عنك ولكنها لا تكون أبداً غريبة عن ولدها، وستبقى هي أمه كما تبقى أنت أباه، فالأولاد يمسكون بك بيد ويمسكون بها باليد الأخرى فلا تفترقان.

12- أيها الرجال، إن الزواج والطلاق ليسا لعبة أولاد، بل هما أساس الحياة، فاتبعوا فيهما حكم الشرع وداعي العقل، لا تتبعوا نزوات النفس ووثبات الهوى[5].

13- إن الحسن والقبح لا يقاسان بالجِدّة والقِدَم، وإذا كنا ننبذ كل قديم لقدمه فلننبذ العقل لأن العقل أقدم من الشرع!

14- القاضي يحكم في الخلافات الظاهرة: في دين مالي أو في جرم جزائي أو في حق من الحقوق الظاهرة، أما الأمور الزوجية التي تتداخل فيها المصالح والعواطف والرغبات والميول، وتعمل فيها العقد النفسية والتخيلات والأوهام، فلا ينجح القاضي ولا الشهود ولا الخبراء في تقديرها.

15- لو كان حق الطلاق للمرأة لزادت حوادث الطلاق مئة ضعف عن عددها الآن.

16- كلما قامت مناظرة بين دعاة الحجاب ودعاة السفور: الحجج القوية والأدلة العقلية والنقلية من هنا، ومن هناك كلمات كبيرة لها دوي كدوي الطبل وهي خالية مثل الطبل ما لها مدلول واضح ولا لها معنى بيّن.

ونجدهم يقسمون العلماء إلى منوَّرين وجامدين.
أما المنوّرون فهم الذين يشربون مشربهم، ويميلون معهم، ويقبلون آراءهم.
ثم جاؤونا بمسمى جديد، فقالوا (( رجعي وتقدمي )) فمَن خالفهم فهو رجعي.

وجدّت الآن كلمة جديدة هي العلمانية، ومهما تبدلت الأسماء وتباعدت المصطلحات، يجمعها أصلٌ واحد هو محاربة الإسلام والعمل على إبعاد أبنائه عنه، لأنهم يعلمون أنه إذا جاء الإسلام اضمحل الباطل وهوى صرحه، لذلك تراهم يختلفون على كل شيء، فإن كانت محاربة الإسلام نسوا اختلافهم واجتمعوا كلهم علينا وتداعَوا على خصومتنا وقتالنا.
(باختصار)

17- ما للحضارة والحجاب؟ وما لهم يقرنون التكشف بالحضارة والحجاب بالبداوة والتخلف؟ هل الحضارة في هتك الحجاب وكشف العورات؟
يولد الإنسان عارياً كما يولد كل حيوان، ولكن الحضارة تلبسه الثياب.
ويكون الحصان برياً متوحشاً عارياً، فإذا استأنس وصار أهلياً لبس السرج.
فالثياب هي علامة الحضارة والتكشف هو الرجعية، فما لهم يقلبون الحق باطلاً؟

ثم إن هذا التكشف جنى على أنوثة المرأة وخسّرها ولم يربحها[6].

18- يظن بعض نسائنا أن المرأة في أوربا وأميركا أحسن حالاً، يغترون بما يبدي القوم لها من مظاهر التكريم ولا ينظرون إلى ما يلازمها من بواطن امتهان لها أكبر من هذا التكريم.

19- إن المرأة في الإسلام على حال تتمنى النساء جميعاً لو كنّ مثلها.

أنا أنما أتكلم عن القانون الإسلامي، لا عن فعل بعض الرجال.
إذا خالف بعض الرجال أحكام الإسلام، فامتهنوا المرأة أو ظلموها، كان الإسلام حجة عليهم في مخالفتهم ولم يكونوا هم حجة على الإسلام بفعلهم.

20- إن الذين يحاربون الحجاب إنما يدافعون عن غرائزهم، لا يريدون أن يُحجَب جمال النساء عن عيونهم، يريدون أن ينظروا إلى كل امرأة يمرون بها أو تمر بهم.

21- هذه الحضارة امتهان للمرأة إذ جعلوها وسيلة للإعلان عن البضائع.




[1] هذا من آداب الدعوة إلى الله عز وجل.


[2] هي من أنفع الأمور العملية في إدارة الخلافات الزوجية.


[3] الزواج القائم على علاقة حب بين الزوجين قبل عقد النكاح، غالباً من واقع الحياة أنه ينتهي بالفشل.


[4] ما زال العقلاء في كل المجتمعات التي ابتليت بمزاحمة نسائها لرجالها في الأعمال، ينادون بعودة المرأة لبيتها، لما فيه من مصالح للمجتمع أعظم من عملها خارج البيت.


[5] الطلاق يكون لأسباب شرعية، أو لرفع ضرر عن أحد الزوجين لا يرفع إلا به، وإلا كان الطلاق هدم للبيت، وتشريد للأولاد، وشقاء للزوجين.


[6] يريدون منا أن نعيش العشوائية ونضيع الأولويات وتصبح البديهيات من أصعب الأشياء فهماً وتقبلاً.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢