اقرئيه ولا حرج! - أسماء محمد لبيب
مدة
قراءة المادة :
27 دقائق
.
إخوة الشريعة السمحة وأتباع الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم:لماذا نحن، حين ييسر علينا الشرع أمورًا ويوسع فيها برحابة، نضيق على أنفسنا ونتورع عن إتيان الرخص التي يحبها الله ونشهق في وجه ناصحينا "لا لا قلبي لا يطاوعني..
هذا تفريط لا يليق بمقام الله!"...
ثم نحن إذا ضيق علينا الشرع في مسألة ما وقيدها بقيود دقيقة لحكمة بالغة، نثور ونهجو ناصحينا ونصيح في وجوههم "لا تضيقوا علينا واسعًا! إنما الدين يسرٌ.."!!
والله ما أرى جواباً على السؤال إلا "اتباعًا للهوى"..
إلا ما رحم ربي في حالات نادرة تكون الإجابة فيها "ورعًا وحرصًا وتقوى" عند وجود نهي شرعي معين يختلف حول حكمه العلماء .
إخوتي..
إن وجدتم أنفسكم تفعلون هكذا فانتبهوا..
فربما أخذُكم بالرأي "المريح لقلوبكم" يكون لأنه "مريح لجوارحكم" لا -تقوى القلوب - وكسلاً منكم عن العبادة بحجج ظاهرُها تقوى الله والورع، في حين أن باطنها تتبُّعٌ خفيٌّ للهوى وامتثالٌ لتلبيس إبليس وأنتم عن تلبيسه غافلون..
فتشوا دومًا في نيتكم ولا تنكروا على أحد من المؤمنين التزامه بالرأي المخالف الثابت الصحيح، ولا تتهموه بالتفريط إن غَشي أمرًا ثَمَّ خلافٌ شرعيٌ حول تحريمه ومعتبرٌ بين العلماء المعتبرين، خاصة إن كان أمرا ذا أجر عظيم وثواب جزيل لا يستقيم في أذهان أولي الألباب تفويته.
أتكلم هنا تحديدًا عن إنكار بعض الناس حتى يومنا هذا على الحائض والنفساء قراءتها للقرآن وترتيلها إياه تعبُّدًا في وردها المعتاد أو غير المعتاد، بغير حاجة من تعليم أو نحوه، ومن غير ضرورة من أذكار قرآنية ورُقىً شرعية..
بل قد خلط العوام خلافَ العلماء بكلام العامة حتى ذهب بعضهم إلى تحريم مسّ الحائض للمنضدة التي عليها القرآن!!
ومعلوم من الدين أن حكم قراءة الحائض والنفساء للقرآن فيه خلاف سائغ واسع جدًا ممتد من قرون السلف إلى يومنا هذا، حتى كدنا لا ندري رأياً راجحًا في المسألة في مجموع آراء فقهاء الإسلام قاطبةً، ورجّح أكثر العلماء المعاصرين جواز القراءة والترتيل ولو بغير حاجة ولا ضرورة، ومنعوا مَسَّها للمصحف بغير حائل في غير حاجة على الراجح كما سأسوق إليكم في الروابط التي فيها طائفة من آرائهم وفتاواهم في المسألة..
الأمر واسع إذن، فعلام القول بالحرمة مطلقًا وكأنها مسألة من مسائل الإجماع!!
و كيف يُعقَلُ أن أعلام الأمة كالإمام مالك والبخاري والعلامة ابن باز وابن تيمية والشوكاني والألباني وابن حزم ومن بعدهم مشايخنا وعلمائنا الثقات كالعدوي والحويني والعريفي ومحمد عبد المقصود وعائض القرني وحسام الدين عفانه وخالد المصلح وغيرهم يقولون بالجواز، ثم نجد من العوام وطلبة العلم أمثالنا من يقول بالحرمة مطلقًا وينكر على من أخذ بالجواز إنكارًا فيه شدة قد تصل للتقريع والامتهان!!
قد أستسيغ قول أحدكم مثلاً "أن الأمر فيه خلاف ثابت أي نعم لكني مرتاح/مرتاحة أكثر للتحريم"، فهنا لن أنكر عليكم البتة وسأترككم وشأنكم تفرطون في ثواب كبير وحلال بإذن الله ورعًا من إتيان نهي فيه شبهة تحريم، لكن فقط سأنكرُ عليكم منعَكم غيركم من الأخذ بالجواز وأخذكم على أيديهم بألسنة حِداد!
وربما يباغتني أحدكم بقوله "لكننا قرأنا فتاوى في مواقع إسلامية عالمية أن الرأي "الراجح" عند جمهور الفقهاء هو التحريم للقراءة والمس..!
وأجيبكم بأن كلمة "الراجح" تلك تكون أحيانا كثيرة "نسبية" -أي لها مدلول متغير حسب العالم المتكلم بها ومقصده- وأحياناً أخرى يكون المقصود بـ"جمهور الفقهاء" أي فقهاء المذاهب الأربعة وعلمائهم، وأحيانا يكون المقصود بـ"الراجح" هو الراجح لدى هذا الموقع أو هذا العالم المفتي بما ترجح لديه من أدلة بعد مطالعة كافة آراء الفقهاء..
فلننتبه..
فكل عالم يفتي بما ترجح لديه إذن، فلا ننخدع ظاهريًا بكلمة الراجح ونلقيها في وجه كل من خالفنا، قبل أن نبحث وراء علمائها ولدى مَن فيهم وبِمَ لديهم ترجحت، حتى نتيقن أن الحكم راجح بالفعل وأنه الأحوط والأمتن..
ولست هنا لأرجِّح بدوري، فما أنا أهلٌ لذلك حتى وإن أصبتُ، فللفقه رجاله الذين أفنوا أعمارهم في تأسيس قواعده، وإنما أنا هنا لأسلط الضوء على خلافهم الثابت والمنقول إلينا في هذه المسألة والذي يكاد يندثر العلم والعمل به بين الناس.
من أين جاء الخلاف؟
إن تتابع الآيات في سورة الواقعة جاء على النحو التالي: "إنه لقرآن كريم في كتب مكنون لا يمسه الا المطهرون"...
من هنا جاء الخلاف حول المفعول به الذي تعود عليه "الهاء" في "يمسُّهُ": هل تعود على الكتاب المكنون أي اللوح المحفوظ؟ أم على القرآن الذي بين أيدينا؟ أم على القرآن الموجود في الكتاب المكنون؟ أم الكتب التي في أيدي الملائكة –على قول الألباني ؟...
بالإضافة إلى خلافهم حول معنى "المطهرون" هل هم الملائكة أم هم البشر..
فتأرجح الحكمُ طويلاً ما بين تحريم وجواز.
فأقول لك أخيتي بكل ثقة وفرحة برحمة الله: اقرئيه..
ولا حرج..
ولا تهجري القرآن وأنت حائض طيلة أسبوع أو أكثر، وبالأحرى ولا وأنت نفساء طيلة أربعين يومًا! حبيبتي كيف يطيب لكِ هجر القرآن خاصة في رمضان ؟ هذا دستور الأمة يا فتاتي..
لا نملك رفاهية هجره ولو ليوم واحد، فما بالكِ بهجره في شهر القرآن؟!
إن هجرتِ تلاوته هذه المدة لاسيما في رمضان، فبم تحفظين قلبك من الفتن ، أو تُرقّين من إيمانك، أو تزكين نفسك طوال تلك الفترة!؟ بم تتنعمين كل تلك المدة الكئيبة بدون ترتيل آي القرآن العزيز؟! فاقرئيه أخيتي ولا تهجريه، بشرط أن يكون مصحفك من هاتفك المحمول "الموبايل" أو من كتاب تفسير أو تكوني ممسكة للمصحف بحائل –خروجًا من الخلاف في مسألة المسّ فقط حيث أن من وجهة نظري المتواضعة: للمس بدائل كثيرة تغني عن المسَّ بالكلية، أما التلاوة فلا بدائل تماثلها فتغني عنها.
واقرئي معي الخلاصة التي استوعبتها من مذاكرة جانبٍ كبير من مجموع كلام العلماء الذي قمت بجمعه في الهوامش، إلى جانب دراستي المتواضعة للفقه:
أولًا: المسألة فيها خلاف واسع جدًا وغير محسومة مطلقًا.
ثانياً: علماء أعلام قالوا بالجواز، سواء فقهاء السلف أو علمائنا المعاصرين، واسم أي عالم فيهم وحده يكفي، كأمثال الشوكاني وابن تيمية والعدوي والحويني وابن باز والعريفي ومحمد عبد المقصود والبخاري...إلخ –مع حفظ الألقاب لهم جميعًا بارك الله لنا في علمهم أحياءً وأمواتاً، فلا يُسقِطَنَّ أحدُكم جهدَهم ويقول بالتحريم قولاً واحدًا!!
ثالثًا: أدلة القائلين بالتحريم معظمها -إن لم يكن كلها- ضعيفة أوضعيفة جدًا (هذا من تعقيب وردود العلماء على بعضهم في الخلاف وليس كلامي).
رابعًا: أدلة القائلين بالجواز قوية جدا وتتسق مع روح الشريعة، وهاكم جانب من أنوار حكمتهم:
1- أن الأصل الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة"، وقال: "ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء".
2- أن الله تعالى أمر بتلاوة القرآن، وأثنى على تاليه ووعده بجزيل الثواب وعظيم الجزاء فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في حقه الدليل وليس هناك ما يمنع الحائض من القراءة كما تقدم.
3- أن قياس الحائض على الجُنب في المنع من قراءة القرآن قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل بخلاف الحائض، وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالباً، بخلاف الجُنب فإنه مأمور بالاغتسال عند حضور وقت الصلاة.
4- أن في منع الحائض من القراءة تفويتاً للأجر عليها وربما تعرضت لنسيان شيء من القرآن أو احتاجت إلى القراءة حال التعليم أو التعلم .(من1-4: منقولين من موقع الشيخ المنجد "الإسلام سؤال وجواب" في الهوامش).
5- وهذه النقطة من عندي أنا الأمة الفقيرة إلى الله: أن القرآن هو دستور الأمة الإسلامية ورسائل رب العالمين إليها، فكيف يستساغ عقلاً أن يتم منع مسلمة عن تلاوته بمانع ليس لها يد في وقوعه ولا في دفعه وقد يطول لِما يتجاوز العشرة أيام حيضًا والأربعين نفاسًا!! هل يعقل أن تبقى مسلمة بلا شيء من القرآن متلو في جوفها دهرًا طويلاً هكذا!! فبم تتغنى؟! فبم تترنم؟! فبم تتنعم؟! (كما كان يتعجب سلفنا الصالح من هاجر القرآن).
إذن..
أخيتي وفتاتي الطيبة: اقرئيه..
ولا حرج...
أترككم مع الروابط في الهوامش..
بعض الفقهاء المجيزين للقراءة وأدلتهم:
"يجوز للحائض أن تقرأ القرآن الكريم من حفظها على أصح قولي العلماء في المسألة، وهو مذهب الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجح هذا القول الشوكاني والشيخ الألباني، وهو الذي أرجحه -والكلام هنا للشيخ حسام الدين- حيث إنه لم يثبت دليل صحيح صريح على منع الحائض من قراءة القرآن الكريم من حفظها.
وأما ما روي في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن" هو حديث ضعيف عند المحدثين" (من مقال للعالم "حسام الدين عفانه" على طريق الإسلام بعنوان "قراءة الحائض للقرآن ومسها للمصحف ودخولها المسجد").
"جواز قراءة القرآن للحائض والنفساء من غير أن تمس المصحف ، وهذا مذهب الإمام مالك وهو رواية عن أبي حنيفة وأحمد وبه قال البخاري وداود وابن حزم" الشيخ خالد المصلح.
تفصيل الأدلة من كلام ابن تيمية: قال شيخ الإسلام: "إنه ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي: 1- أن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع.
2- إن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقاً، وقد أثنى الله على من يتلو كتابه، فمن أخرج شخصاً عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل، وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع، فإنها مأمورة بالقراءة.
فإن قيل: ألا يمكن أن تقاس على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب خارج؟ أجيب: أنه قياس مع الفارق، لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع، وكذا فإن الحائض مدتها تطول غالباً، والجنب مدته لا تطول لأنه سوف تأتيه الصلاة، ويلزم بالاغتسال والنفساء من باب أولى أن يرخص لها، لأن مدتها أطول من مدة الحائض"، وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله مذهب قوي.
ولو قال قائل: "ما دام العلماء مختلفين، وفي المسألة أحاديث ضعيفة، فلماذا لا نجعل المسألة معلقة بالحاجة، فإذا احتاجت إلى القراءة كالأوراد، أو تتحفظ ما حفظته حتى لا تنسى، أو تحتاج إلى تعليم أولادها أو البنات في المدارس فيباح لها ذلك، وأما مع عدم الحاجة فتأخذ بالأحوط، وهي لن تحرم بقية الذكر.
فلو ذهب ذاهب إلى هذا لكان مذهباً قوياً" (الشرح الممتع 1/ 291-292) *(من مقال العالم حسام الدين عفانه في المقال السابق، ونقله عن الشيخ ابن عثيمين).
تفصيل الأدلة من كلام الشوكاني: "الحديث «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن» في إسناده إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها.
وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة وسبقه إلى نحو ذلك البخاري وتبعهما البيهقي، لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى، ومن وجه آخر وفيه مبهم عن أبي معشر وهو ضعيف عن موسى...
وقال أبو حاتم: حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ وإنما هو من قول ابن عمر.
وقال أحمد بن حنبل: هذا باطل أنكر على إسماعيل بن عياش.
والحديث يدل على تحريم القراءة على الجنب وقد عرفت بما ذكرنا أنه لا ينتهض للاحتجاج به على ذلك وقد قدمنا الكلام على ذلك في الحديث قبل هذا.
ويدل أيضاً على تحريم القراءة على الحائض وقد قال به قوم، والحديث هذا والذي بعده لا يصلحان للاحتجاج بهما على ذلك فلا يصار إلى القول بالتحريم إلا لدليل" (نيل الأوطار 1/266- 267) (من مقال العالم حسام الدين عفانه في المقال السابق).
سنفصل أدلة الألباني ضممن أدلة المجيزين للمس أيضًا..
بعض الفقهاء المجيزين للمس وأدلتهم
"وذهب جماعة آخرون من أهل العلم إلى جواز مس الحائض للمصحف، وهو قول المزني صاحب الشافعي ، وداود وابن حزم الظاهريان..
وقولهم قوي ولهم أدلتهم وأهمها: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن لا ينجس» (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية للبخاري: "إن المسلم"، وقد أجابوا هؤلاء العلماء عن أدلة المانعين بأن الآية الكريمة: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} ليست في محل النزاع، لأن المراد بها اللوح المحفوظ والمطهرون هم الملائكة.
وأما حديث: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، فالصحيح أن كلمة طاهر، لفظ مشترك يطلق على المؤمن وعلى الطاهر من الحدث الأكبر وعلى الطاهر من الحدث الأصغر وعلى من ليس على بدنه نجاسة، وصرفه إلى واحدٍ من هذه المعاني يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، فلا يسلم الاحتجاج به على منع الحائض من مس المصحف.
قال الشوكاني: "والحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهراً، ولكن الطاهر يطلق بالاشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة...
ولو سلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثاً أكبر أو أصغر فقد عرفت أن الراجح كون المشترك مجملاً في معانيه فلا يعين حتى يبين.
وقد دل الدليل ههنا أن المراد به غيره لحديث: «المؤمن لا ينجس» ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحاً بلا مرجح، وتعيينه لجميعها استعمالاً للمشترك في جميع معانيه وفيه الخلاف، ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه لما صح لوجود المانع وهو حديث: «المؤمن لا ينجس».
قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: "إن إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أوالحيض أو الحدث الأصغر لا يصح لا حقيقة ولا مجازاً ولا لغة، صرح بذلك في جواب سؤال ورد عليه، فإن ثبت هذا فالمؤمن طاهر دائماً فلا يتناوله الحديث سواء كان جنباً أو حائضاً أو محدثاً أو على بدنه نجاسة" (نيل الأوطار 1/243-244)" (من نفس المقال للعالم عفانه).
وممن أجاز المس الألباني..
تفصيل لأدلة من كلام العلامة الألباني:
الحائض والنفساء طاهرة وليست نجسة، فتمس كلام ربها بلا حائل، وتقرأه تعبدًا، وتسجد للتلاوة ..وتجلس في مصلاها تتعبد لربها بكلامه وتمسه وتتوضأ إن أرادت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس حيًا أو ميتًا» لا نحرم عليها شيئاً لم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1- في الحديث الصحيح الصريح عندما سئل: ما نقصان دينها؟ قال: «أليست المرأة إذا حاضت لم تصل ولم تصم ولم تطف بالبيت» وفقط، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولم تمس المصحف ولم تقرأ قرآن ولم تتوضأ".
2- وقال لأمك عائشة في الحج عندما حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت».
والحاج غالبًا يقضي وقته في الذكر والتلاوة والمكث في المسجد وما نهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- وقول أمك عائشة "كنت أرجِّل رأس رسول الله وأنا حائض، وكان يقرأ القرآن في حجري وأنا حائض ..نعم تمس أطهر الناس لأنها ليست بنجس.
4- وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن حيضتك ليست في يدك».
فأنت لست بنجس..
أما الآية: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} فلا دلالة فيها لأن الضمير في قوله "لا يمس" يعود على الكتاب المكنون أي اللوح المحفوظ أو الكتب التي بأيدي الملائكة، والمطهرون هم الملائكة لأنها اسم مفعول، أما نحن فمتطهرين اسم فاعل..
أما حديث عمرو بن حزم: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، قالوا ضعيف لأنه مرسل والمرسل من أقسام الضعيف لا يحتج به في إثبات أحكام، وعلى فرض صحته بناء على شهرته فإن كلمة (طاهر) تحتمل: 1- طاهر القلب من الشرك 2- طاهر البدن من النجاسة 3- طاهر من الحدث الأصغر 4- طاهر من الحدث الأكبر ...
والقاعدة الأصولية (أن الحديث إن تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال)، تبطل الاستدلال به، والطاهر يطلق على المؤمن لقول الله: "إنما المشركون نجس" إثبات النجاسة للمشرك لذلك لا يقرب المسجد ولا يمس القرآن، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن لا ينجس» من يقول بحرمة المس فليأت لنا بدليل من حديث رسول الله ..
الفتوى لا تكون بالكم ولا بالورع، إنما بالدليل..
نحن نسير مع الدليل الصحيح حيث سار..
ولا نتعبد إلا بكلام نبينا صلى الله عليه وسلم...
والأصل الحل حتى يرد دليل على المنع ..
«لا يمس القرآن إلا طاهر»، الحديث إن صح فهو يحتمل احتمالات، وبالتالي لا يستدل به على حرمة مس المصحف ، وهذا من قواعد أصول الفقه .
رسول الله ما ترك شيئاً حرامًا إلا شدد عليه وبيّنه ..
فكيف لا يبين مسألة كهذه قد ندخل بها النار ..
نعم لم يكن هناك مصحفًا، لكن كان القرآن يقرأ في صحف وأوراق ويدون في جلود فكيف لا يأمر نبينا أمنا عائشة بعدم مسه وهي حائض.
وأنها آثمة لو فعلت هذا ؟! أيخفي علينا نبينا شيئاً حرامًا؟! محال ...
فتواه مسموعة.
تعقيبي المتواضع جدًا: كلام الألباني علميَّا أنا مقتنعةٌ به جدا قلبًا وقالبًا.. لكن لأن القائلين بجواز المس قليلون جدا-الألباني والشوكاني وابن حزم ومن بعدهم الشيخ العدوي وربما عالم آخر أو اثنين- فهذا ما جعلني أرتاح إلى أن الأحوط في المس عمومًا من أقوال العلماء هو عدم المس بدون حائل..
لماذا كلام الالباني وما طابقه هو الصواب الأكبر في رأيي المتواضع؟ لأن التفريق بين القراءة والمس يستلزم دليلاً صريحًا صحيحًا.
بمعنى: أن العلماء الذين قالوا "أن القراءة جائزة للحائض لأن ليس هناك دليل صحيح يمنعها من القراءة أما المس فلا يجوز" –أقول: من قالوا بذلك من علمائنا الأجلاء لم يأتوا لنا بدليل صريح صحيح على استثناء المس دون القراءة، بل على العكس هم قد قالوا لنا أن كل الأدلة التي فيها منع المس هي أحاديث ضعيفة أو ضغيفة جدًا أو غير صريحة وتأويل معناها يتأرجح بين عدة احتمالات ليس مقطوع بأحدها قولاً واحدًا.
فيأتي سؤال منطقي هنا: إذن علام استندوا على تحريم المس دون القراءة؟ الإجابة: 1-مستندين للآية {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ}..
والتي تفسيرها محل خلاف بين العلماء كما فصَّلنا في المقال آنفًا..
خلاف بينهم حول الهاء في "يمسه" علام تعود، هل على القرآن أم على اللوح المحفوظ أم على القرآن الذي في اللوح المحفوظ، بالإضافة إلى خلافهم حول معنى "المطهرون" هل هم الملائكة أم هم البشر..
وحيث كان هناك احتمالات متعددة للمعنى فلا نستدل به على إثبات حكم فقهي ولا على وجوب العمل به وهذا من كلام العلماء وهي قاعدة فقهية ثابتة: "الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال"....
شيخنا العلامة الألباني إذن قال: 1-أن الهاء تعود على اللوح المحفوظ – وهذا ما قد درسته قديمًا لعلة أن الآية القريبة قبلها مباشرة هي "في كتاب مكنون" أي اللوح المحفوظ..
2-و قال كذلك أن "المطهرون" هم الملائكة، حيث قال أننا معشر البشر لسنا مُطَهَّرين بل نحن متطهِّرون -أي تصيبنا الآثام والذنوب كل حين فنتطهر منها..
وهذا هو الصواب فعلا في رأيي.
3-وقال أن المسلم لا ينجس، وساق لذلك أدلة من أحاديث صحيحة وصريحة.
إلى جانب 2-ومستندين كذلك للحديث "لا يمس القرآن إلا طاهر" وقد فصلنا كلام الألباني عنه آنفاً.
ليس معنى كلامي أني أدعوكم إلى مس المصحف في الحيض والنفاس بدون حائل ولغير حاجة أو ضرورة -المس لحاجة أو ضرورة كرغبتك في تنظيفه مثلاً من تراب علق به أو شراب سال عليه أو تحريكه من مكانه أو وضعه في الحقيبة أو حجزه عن يد طفل عابث- وإنما أسوق رأي الألباني وأقرانه الأجلاء -المقنع جدًا على قلة القائلين به- لأبرز لكم كيف أن في أمور الفقه سعة فلا ينكر أحد على أحد كإنكار ترك الصلاة.
آراء وفتاوى معاصرة لعلمائنا الثقات بجواز القراءة دون المس
رأي المحدث والفقيه الشيخ العدوي، في كتابه جامع أحكام النساء: "الدليل الأول : قوله تعالى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} فلا وجه استدلال بها لأن الحائض طاهرة كما بينا –يقصد في فصول الكتاب- ولأنها مسلمة، وكذلك الجنب فهو طاهر لأنه مسلم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن المسلم لا ينجس» (أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما)، وقيل في تفسير هذه الآية أن الضمير في "لا يمسه" عائد على الكتاب المكنون الذي في السماء، والمطهرون: هم الملائكة..
الدليل الثاني: حديث «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن» فهو حديث ضعيف لا يثبت..
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «افعلي ما يفعله الحاج إلا أن تطوفي بالبيت» فيه استنباط أن النبي منع عنها الطواف بالبيت فقط، فلها كل شيء يفعله الحاج من ذكر الله ، وقراءة القرآن، ودخول المسجد، وغير ذلك مما يفعله الحاج" ثم قال شيخنا في ختام كلامه: "ليس هناك دليل صحيح يمنع الحائض من مس المصحف، وكل ما قيل إما دليل غير صحيح، وإما دليل غير صريح" لتحميل الكتاب بمجلداته الخمسة، وللاستماع لفتواه.
الشيخ عبد المقصود، وتفصيله لأدلة القائلين بالتحريم فكانت بين الضعيفة أو الضعيفة جدًا.
الشيخ العريفي.
الشيخ ابن باز:
http://www.binbaz.org.sa/fatawa/331
http://www.binbaz.org.sa/fatawa/328
الشيخ الحويني.
الشيخ عائض القرني فسر آيات المس في سورة الواقعة بالقرآن الذي في اللوح المحفوظ:
"هذا القرآن كتاب جليل القدر ومبارك، في كتاب مستور عن العيون مصون عن الظنون محفوظ في اللوح محترم مكنون، ولا يمس هذا القرآن الموجود في اللوح المحفوظ إلا ملائكة كرام مطهرون من الآثام والآفات والخطايا" ( التفسير الميسر للدكتور عائض القرني).
الشيخ حسام الدين عفانه:
"يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من حفظها، ويجوز لها أن تمسه ولكن خروجاً من الخلاف فأرى أن تمسه بحائل مثل كفوف اليدين، ويجوز لها أن تدخل المسجد بشرط أن تأمن من تلويثه، على الراجح من أقوال أهل العلم، وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، وهو قول المزني صاحب الإمام الشافعي، وبه قال الإمام داود وابن حزم الظاهريان.
واختار هذا القول العلامة الألباني كما في (تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 119).
ويدل على الجواز البراءة الأصلية، لأن الأصل عدم التحريم ولم يقم دليل صحيح صريح على تحريم دخول الحائض للمسجد" (نفس المقال القيم للعالم عفانه).
الشيخ خالد المصلح:
"والذي يظهر لي أن القول بجواز قراءة الحائض والنفساء للقرآن هو أقرب الأقوال للصواب فإنه لو كانت الحائض ممنوعة من القراءة لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً واضحاً ينقله عنه الثقات الأثبات كما هو الشأن في منع الحائض من الصلاة والصيام، ولم يقتصر الأمر على حديث اتفق الأئمة على تضعيفه، وهو ما رواه الترمذي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً، قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن».
فتاوى اللجنة الدائمة: أولاً: لا يجوز للحائض مس المصحف عند جمهور العلماء؛ لقوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم «لا يمس القرآن إلاَّ طاهر»، أما قراءة الحائض والنفساء القرآن بلا مس المصحف فلا بأس به في أصح قولي العلماء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع من ذلك
هامش النقل من1-4 في "رابعا"، من موقع الشيخ المنجد.
رابط الشيخ حسام عفانه.