التفكير بداخل الصندوق! - خالد سعد النجار
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
يروى أن أربعة ضفادع تم إلقاؤهم في حوض من الماء المغلي، فقفزوا خارجه فورًا، ومن دون تدبير مسبق، وفي مرة أخرى، تم إلقاؤهم في حوض من الماء البارد الذي ترتفع حرارته تدريجيًا، فأخذت الضفدعة الأولى تحذر زملاءها، الذين لم يبدوا اهتمامًا جديًا بالمسألة، ومن ثم استسلمت الضفدعة لرأي زميلاتها بأنه لا خطر هنالك على الإطلاق.وتؤكد الدراسات أن هذا السلوك مشترك في الكائنات الحية بشكل عام، فبعضنا يترك نفسه في مواقف مميتة لمجرد أن الخطر يقترب بشكل تدريجي، لا بشكل فجائي.
فالعامل الرئيسي هنا هو الشعور بالخطر، كلما قلت سرعة الشعور بالخطر -لا الشعور نفسه- كان الإنسان أقل قابلية للتصرف بشكل إيجابي، هذا بالضبط ما نعاني منه بشكل كبير: (التفكير بداخل الصندوق).
فإذا نجحت في تنمية مهارات التفكير خارج الصندوق، ستستطيع السيطرة على مجريات الأمور في حياتك بعون الله تعالى، بل وحل المشكلات التي تتعرض لها سواء كانت تحمل خطرًا داهمًا وقريبًا، أم خطرًا ينمو بشكل تدريجي.
يعبر مفهوم (التفكير داخل الصندوق) عن التفكير بالطرق التقليدية المعتادة، وكأنك داخل صندوق لا تخرج عن حدوده، في حين يعني التفكير خارج الصندوق استعارة التفكير الإبداعي الناجح الذي يعتمد على التدرب على الربط بين نقاط تسع موضوعة على هيئة صندوق، وهي: (الاطلاع - المشاركة - الإلهام - المنتج - الإبداع - الناس - المكان - التعاون - الاهتمام).
فالتفكير الإبداعي هو: الإسلوب الذي يستخدمه الفرد في إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار حول المشكلة التي يتعرض لها (الطلاقة الفكرية)، وتتصف هذه الأفكار بالتنوع والاختلاف (المرونة)، وعدم التكرار أو الشيوع (الأصالة).
ويرى (ديفيز) أن الإبداع يعمل على تطوير مقدرة الفرد بالكامل، ويزيد مرونة الشخص، ويثير في نفسه حب الاستطلاع، ويعمل على تفتح عقله، وزيادة روح المغامرة والإقدام، لذلك كان السعي للتفكير خارج الصندوق من أجل أن: نعيش، نكون، نبدع، نجدد، نحصل على الفائدة الإستراتيجية لمشروعاتنا في عالم تسوده المنافسة بين الشركات، وفي ظل العولمة واتساع قدرة الشركات وإمكاناتها، أصبح التفكير الإبداعي هو سبيل تحقيق النجاح، والتميز.
إن التفكير خارج الصندوق هو الذي أنتج: السيارة والقطار والطائرة والمصباح الكهربائي والتطعيم ضد شلل الأطفال، والمصاعد، وأجهزة التكييف وأنابيب المياه والتلفاز، بل وكل الإنجازات عبر القرون والسنين.
فمهارة الإبداع تصنع العجائب بإذن الله تعالى، وهي ليست قوى غامضة أو موهبة خارقة يحتكرها الأشخاص ذوي الحظ السعيد، بل يعتبر الإبداع طاقة يمتلكها كل إنسان بدرجات متفاوتة، ويمكن لكل شخص أن يكتسب تلك المهارة ويصبح من المبدعين.
ولقد وصف (هلمولتز) عمليات تفكيره في حل إحدى المشكلات الأصلية، وحدد مرحلة مبدئية للبحث، تستمر حتى يصبح أي تقدم غير ممكن، تعقبها راحة واستعادة نشاط يخطر للشخص بعدها الحل الممكن بطريقة فجائية وغير متوقعة، لذلك يرى المختصون أن عملية التفكير الإبداعي تتم خلال أربع مراحل متتالية هي:
1- مرحلة التحضير أو الإعداد: وهي الخلفية الشاملة والمتعمقة في الموضوع الذي يبدع فيه الفرد، وفسرها العلماء بأنها مرحلة الإعداد المعرفي والتفاعل معه.
2- مرحلة الكمون والاحتضان: وهي حالة من القلق والخوف اللاشعوري، والتردد بالقيام بالعمل والبحث عن الحلول، وهي أصعب مراحل التفكير الإبداعي.
3- مرحلة الإلهام أو الإشراق: وهي الحالة التي تحدث بها الومضة أو الشرارة التي تؤدي إلى فكرة الحل والخروج من المأزق، وهذه الحالة لا يمكن تحديدها مسبقًا فهي تحدث في وقت ما، في مكان ما، وربما تلعب الظروف المكانية والزمانية والبيئية المحيطة دورًا في تحريك هذه الحالة، ووصفها الكثيرون بلحظة الإلهام.
4- مرحلة التحقيق: وهي مرحلة الحصول على النتائج الأصلية المفيدة والمرضية، وحيازة المنتج الإبداعي على الرضا الاجتماعي.
إن الإبداع هو إنتاج الجديد النادر المختلف المفيد فكرًا أو عملًا، وهو بذلك يعتمد على الإنجاز الملموس.
ولا بدّ من وجود عوامل أساسيّة مستقلة للقدرة الإبداعية، والتي بدونها لا نستطيع التحدث عن وجود إبداع، وأهمها:
1- الطلاقة: أي القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية في وقت قصير نسبيًا.
فالشخص المبدع لديه درجة عالية من القدرة على سيولة الأفكار، وسهولة توليدها، وانسيابها بحرية تامة في ضوء عدد من الأفكار ذات العلاقة.
2- المرونة: ويُقصد بها القدرة على تغيير الحالة الذهنية بتغيير الموقف.
وهذه تتجلى لدى العباقرة، الذين يُبدعون في أكثر من مجال أو شكل، خاصة لدى الفنانين والأدباء الذين ينجحون في مجالات إبداعية متنوعة، ولا تقتصر على إطار واحد.
كالأديب الذي يُبدع في كتابة الرواية والمسرحية أو الفن التشكيلي.
وهي تلك المهارة التي يتم استخدامها لتوليد أنماط أو أصناف متنوعة من التفكير، وتنمية القدرة على نقل هذه الأنماط، وتغيير اتجاه التفكير، والانتقال من عمليات التفكير العادي إلى الاستجابة ورد الفعل، وإدراك الأمور بطرق متفاوتة أو متنوعة.
3- الحساسية للمشكلات: فالشخص المبدع لديه القدرة على رؤية الكثير من المشكلات في الموقف الواحد.
فإحساسه بها إحساسًا مرهفًا.
وهو بالتالي أكثر حساسية لبيئتهِ من المعتاد، يرى ما لا يراه غيره، ويرقب الأشياء التي لا يُلاحظها سواه.
4- الأصالة: يمكن تعريف مهارة الأصالة كإحدى مهارات التفكير الإبداعي، بأنها تلك المهارة التي تستخدم من أجل التفكير بطرق واستجابات غير عادية، أو فريدة من نوعها، أي أن المبدع لا يُكرّر أفكار الآخرين، فتكون أفكاره جديدة، وخارجه عما هو شائع أو تقليدي.
5- الاحتفاظ بالاتجاه: فالمبدع لديه القدرة على التركيز على هدف معيّن، وعلى تخطي أي معوقات ومُشتتات تُبعده عنه، وهو قادرٌ أيضًا على أن يعدّل ويبدّل في أفكاره لكي يُحقق أهدافه الإبداعية بأفضل صورة ممكنة.
وهذه السمات تكاد تكون عامة لدى معظم المبدعين في أيّ مجال من المجالات المختلفة، سواء في المجال الفني أو العلمي أو الاجتماعي أو السياسي أو غير ذلك.
لقد بات التفكير الإبداعي من أهم القضايا التي لم تحظ فقط باهتمام متزايد من قبل العلماء والباحثين، بل حظيت باهتمام متزايد من قبل المؤسسات التعليمية والإنتاجية والخدمية والتجارية، وأضحى الإبداع من الموضوعات الساخنة التي يتحدث عنها حتى عامة الناس!
ويرجع مثل هذا الاهتمام إلى أن التفكير الإبداعي يعد بعد توفيق الله تعالى:-
- قناة أكيدة إلى جزر الاكتشافات الجديدة.
- معبرًا مضيئًا إلى النجاح والتفوق.
- منفذًا قاصدًا لتحقيق أهدافنا بكفاءة وسرعة.
- منهجًا فريدًا للتغلب على مشاكلنا وأزماتنا.
- سبيلًا ذكيًا إلى التجديد الذي يزهق روح الملل ويريق دم السآمة.