أرشيف المقالات

أصحاب النية الحسنة والخطاب المنفر - محمد علي يوسف

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
أما عن أولئك الوعاظ أصحاب النية الحسنة والخطاب المنفر الذي يتحرى أقسى الأقوال وأشد المذاهب دون أي اعتبار لأقوال مخالفة أو مذاهب مغايرة تستند هي الأخرى إلى أدلة ربما تكون أصح وأحكم من أدلتهم  فإنهم قد يُعذرون إن كانوا لم يسمعوا عن تلك الأقوال الأخرى ولم يدركوا شيئا عن أدلتها ومنطقها ولم يعرفوا عنها إلا وصف من علموهم لها بأنها أقوال متميعة ومذاهب متهوكة يقولها مبتدعة ويعتنقها منتكسون
أقول قد يُعذرون بوجه وإن كانوا لا يخلون من تقصير في البحث والتحري قبل التسرع ولعلهم يُسألون عن ذلك التقصير المنفر بشكل لا يقل عما إذا كانوا يعلمون
لكن عن أصحابنا الذين يعلمون الخلاف ويقدرونه ويدركون وجوهه ومناطاته ومع ذلك يصرُّون على نفس الخطاب الذي يعتمد بشكل أساسي على هذه المسائل الخلافية وكأنها أصول الدين وغاية الالتزام وحقيقة التدين وكأن من يأخذ بأقوال مخالفة لأقوالهم فيها قد وقع في أكبر الكبائر وانتهك أعظم الحدود وخاض في بحار المحرمات، ويتهمون من يناقش تلك المسائل بشكل علمي متجرد بأنه متفلسف بارد أو مميع لتدين الناس مدمر لالتزامهم  فأولئك حقا من أخشى عليهم ولا أدري بأي وجه يتعذرون أو يُعذرون وهم يعلمون ويفقهون ويدركون
والأهم أنهم يعرفون تلك الحقيقة الشرعية الحاسمة
حقيقة أن تحريم الحلال قد لا يقل سوءا عن تحليل الحرام
حقيقة يعضدها ما لا يحصى من الوقائع والشواهد رأينا فيها مآلات الخطاب التنفيري المُضيِّق على الخلق والذي يؤدي في النهاية بالشخص إلى احتقار نفسه وازدرائها حين تقع في شيء من تلك الأمور التي غرسوا فيه دوما أنها أصول التزامه وأعمدة تنسكه إن كُسرت فقد كُسر دينه  من ثم يتفلت الشخص الذي كان يوما يسمى ملتزما ويمضي لحال سبيله وقد ظن ألا فائدة منه ترتجى ولا أمل في إصلاحه يُبتغى
وكل ذلك لأجل أمور فيها سعة أو على أقصى تقدير تعد من صغائر الأمور وقد كان فقط بحاجة إلى أن يدرك ذلك كيلا يحتقر ذاته ويكرهها ويفقد الأمل فيها
أفيكون من يأخذ بيده ويدله على حقيقة تلك الأمور ويبث فيه الأمل من جديد هو المتهوك المتفلسف بينما يكون من يحجبها عنه قاصدا عالما هو المستمسك المحافظ الدَيِّن؟!
{مالكم كيف تحكمون} ؟!

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢