int(1414) array(0) { }

أرشيف المقالات

باب النجار!

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
باب النجَّار!

صادقٌ معَ نفسه من يعي أنَّ الدعوةَ بالقدوةِ أهمُّ وأوقع في النفوس، وصادقٌ مع نفسه مَنْ يعرفُ أنَّ فعل رجلٍ في ألفِ رجلٍ أبلغُ من قول ألف رجل لرجلٍ واحدٍ.
 
ولكن هل يعني ذلك أنَّ يتَّخذ بعض الناس من هذا المنطق ذريعةً لترك النصيحة بحجَّةِ أنهم لا يعملون بما ينصحون به غيرهم؟
 
قد يقول قائل: نعمْ.
وحجَّته في ذلك القرآن، أليس الله عز وجل هو القائل: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44] ، وهو القائل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3] .
 
والجواب بتوفيق الله يكفيناه ما قاله الإمام ابن كثير - في تفسير آية سورة البقرة؛ قال: "والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب الأولى بالعالم: أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيبٌ عليه السلام: ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].
فَكُلٌّ مِن الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف.
وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها.
والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، قال مالك عن ربيعة: سمعتُ سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيءٌ؛ ما أمر أحدٌ بمعروف، ولا نهى عن منكر.
وقال مالك: وصدق، مَن ذا الذي ليس فيه شيء؟
 
قلت (ابن كثير): ولكنه - والحالة هذه - مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية؛ لعلمه بها، ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم"[1].
 
وصدق القائل:






لئِنْ لم يعظْ في الناس من هو مذنبٌ
فمن يعظُ العاصين بعد محمَّدِ؟






 
وما زلنا مع مرآتنا العزيزة، تلك التي قد يعتريها عيبٌ في صقل بعض أجزائها فتأبى أن تترك الرتق لأنَّ بها ثُلْمةً، بل قد تنكسرُ، ولا يزال بعضُ أجزائها صالحًا للنُّصح.



[1] تفسير ابن كثير: (1 /247).

شارك المقال

ساهم - قرآن ٣