أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
ذو القرنين قرأت بالعدد (509) نبذة للأستاذ عبد المتعال الصعيدي يرد بها على نظريتي الجديدة عن ذي القرنين التي هدمت بها النظرية القديمة التي كانت تقول إن ذا القرنين المذكور في القرآن الكريم هو الإسكندر الأكبر، وأثبت بالأدلة القاطعة (بالعدد 508) أن ذا القرنين كان مؤمناً، في حين أن الإسكندر كان وثنياً فاسد الأخلاق سفاكاً للدماء سكيراً قاسياً.
وينص القرآن الكريم على أن ذا القرنين اتجه غرباً أولا ثم اتجه شرقاً، في حين أن الإسكندر اتجه شرقاً أولا ثم اتجه جنوباً ولم يتجه غرباً إلا أخيرا. وأثبتُّ أيضاً (بالعدد 506) أن كلمة ذا القرنين ما هي إلا لقب ملوك الفرس ابتداء من الملك كورش إلى الملك دارا الثالث بدليل أن آيات القرآن الحكيم عن ذي القرنين نزلت بناء على سؤال اليهود للنبي عليه الصلاة والسلام عن ذي القرنين المذكور عندهم في التوراة (سفر دانيال) والتوراة تنص صراحة على أنه لقب ملوك دولة فارس التي أسقطها ملك من ملوك اليونان.
وإذا بحثنا في التاريخ عن ملوك هذه الدولة الذين ينطبق عليهم هذا الوصف نجدهم ابتداء من الملك كورش العظيم إلى الملك دارا الثالث الذي في عهده قضى الإسكندر على دولة الفرس.
والملك كورش اتجه غربا أولا واستولى على سوريا حتى وصل البحر الأبيض (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة).
ثم اتجه بعد ذلك شرقا حتى وصل بلاد التركستان حيث توجد إلى الآن آثار السد القديم (اقرأ العدد 506) والملك كورش وخلفاؤه كانوا على دين زرادشت نبي الفرس الذي كان يؤمن بوحدانية الله والجنة والنار والصراط والأعراف (اقرأ العدد 508) وبعد هذه الأدلة القويمة نجد الأستاذ يقول بالعدد الأخير إن وثنية الفرس واضحة، في حين أنه لو كلف نفسه قراءة كتاب تاريخ فارس كما أوضحت بالعدد 508 لاقتنع بهذا الرأي ووجد أن الملك كورش كان على دين زرادشت.
ولو اطلع على كتاب صبح الأعشى وكتاب تاريخ حياة زرادشت تأليف من أن دين زرادشت يؤمن بوحدانية الله والجنة والنار والصراط والأعراف.
ولقد كان زرادشت قبل الملك كورش بسنين قلائل، ولذلك كانت مبادئ هذا الدين لا تزال سليمة لم يطرأ عليها تحريف بع ويقول الأستاذ إن سوريا تقع شمالاً بالنسبة لفارس.
في حين أن نظرة بسيطة إلى أي مصور جغرافي تثبت لنا أن خط عرض 35 يمر في وسط فارس وسوريا.
أي أنهما على خط عرض واحد.
وعلى ذلك فالملك كورش عندما ذهب لفتح سوريا اتجه غرباً بكل تأكيد. ويعتقد الأستاذ إن سوريا لا يقال لمن يصل إليها أنه بلغ مغرب الشمس لأنها في قلب المعمورة.
وليسمح لي أن أسأله عن المكان الذي تغرب فيه الشمس على سطح الأرض.
أليست كل بقعة على سطح الأرض تصلح لأن تكون مغرب الشمس لأن الشمس تغرب فيها كل يوم.
كما تصلح لأن تكون مشرق الشمس لأن الشمس تشرق عليها كل يوم.
فمعنى مغرب الشمس جهة الغرب بالنسبة للمكان الذي هو فيه.
وليس المقصود بلاد المغرب فقط كما يظن.
فالملك كورش اتجه غرباً حتى وصل سوريا فوجد الشمس تغرب في عين حمئة أي البحر ويقول الأستاذ إن الملك كورش قتل ببلاد التتار وذو القرنين لم يقتل.
ومن أين عرف أن ذا القرنين لم ُيقتل في حين أن القرآن الكريم لم يأت إلا بجزء يسير من تاريخه: (ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا)، أي جزءاً من تاريخه ولم يذكر تاريخ حياته كلها.
ومع ذلك فالقتل لا يمنع الشخص من أن يكون مؤمناً أو عظيماً ويقول الأستاذ إنه وجدت دنانير عليها صورة الإسكندر يلبس قرني آمون.
وهل عندما يلبس الإسكندر شعار الإله آمون نقول عنه إن له قروناً.
وهل كل من يلبس على رأسه قروناً نقول عنه إنه ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم؟ ومع ذلك فالتماثيل العديدة التي للإسكندر في جميع متاحف العالم ليس منها تمثال واحد بقرون وأخيراً ألفت نظر الأستاذ إلى أن كلمة ذي القرنين ليست شخصاً وإنما هي لقب عدة أشخاص، وهم ملوك دولة الفرس كما قلت ابتداء من الملك كورش إلى الملك دارا الثالث. دكتور ابراهيم الدسوقي نظرات في كتاب أصدر الدكتور عبد الدايم أبو العطا البقري كتاباً جديداً عن (اعترافات الغزالي) ضمّنه اتهاماً خطيراً للإمام، وحملة عنيفة على كتابه المنقذ من الضلال.
ولست أريد أن أعرض لنقد هذا الكتاب الجديد، فإن مؤلفه قد كفانا مؤنة النقد، حين تجاوز الوضع والتصنيف إلى النقد والتقريظ.
ولكنني أريد فقط أن أسجل ظاهرة عجبت لها عجباً يستنفد كل العجب! فقد ذكر المؤلف في الخاتمة التي وقفها على الحديث عن قيمة بحثه وما له من أثر، أن في وسعنا أن نجمل أثر بحثه في أن (المنقذ من الضلال.

ليس بتاريخ حقيقي لتدرج الغزالي الفكري، ولتطوره العقلي والنفسي، ولن يعتبر بعد اليوم مصدراً لذلك)
(كذا!).
وهذا القول فيه من لهجة التوكيد والتظاهر بالدراية والتثبت، ما يثير الابتسام العريض! فإن العالم الحق لا يجيز لنفسه مطلقاً أن يتحدث بمثل هذه اللهجة التي لا تخلو من تجاف عن الروح العلمية.
ولعل الأستاذ المؤلف يعترف بذلك، إذا أنعم النظر في مقدمة الدكتور زكي مبارك التي ارتضى أن يُثبتها في أوّل كتابه.
فقد ورد فيها ما نصه: (أنا أعتقد أن الغزالي صادق في كل ما رواه.
)
وهذا القول ينقض ما ادعاه المؤلف من أن المنقذ لن يعتبر بعد اليوم مصدراً لمعرفة تاريخ حياة الغزالي. وثمة ظاهرة أخرى تعرض لقارئ كتاب الاعترافات؛ وتلك هي غرابة الأسلوب.
فإنني أستطيع أن أؤكد أن أحداً لم يسبق الدكتور عبد الدايم إلى الكتابة بالأسلوب الذي آثره هو.
وأي باحث علمي يرتضي لنفسه أن يملأ صفحات كتاب له بمثل هذه العبارات: (الله؛ الله؛ أيها الشيخ؛ إنك لرجل قوي وبطل، نعم قوي؛ لأنك احتملت ما لم يحتمله الناس.

الخ)
ص96؟ أو يقبل باحث أن يستعمل مثل هذه العبارات التي لو أوردها كاتب في مجادلة كاتب آخر لانتقصت من قدره في نظر الناس؟ هذا سؤال أترك الإجابة عنه للأستاذ المؤلف نفسه، فإنني أحسب أنه يوافقني على أن البحوث العلمية لا تكتب بمثل هذا الأسلوب. أما إذا تركنا (الشكل) وانتقلنا إلى (الموضوع)، فإننا نأخذ على الكتاب عدة مآخذ.
والمأخذ الأول عندنا أن المقارنة التي عقدها المؤلف بين الغزالي وديكارت، مقارنة فاسدة لا أساس لها.
وكان الأجدر بالمؤلف أن يقارن بين الغزالي والقديس أوغسطينوس فإن ديكارت ليس فيلسوفاً متديناً يقيد نفسه بعقيدة ما من العقائد، وإنما هو فيلسوف حر الفكر، لا يعطي لمشكلة العقل والنقل من الأهمية ما يقفه عليها رجل مؤمن كالقديس أوغسطينوس.
وديكارت لم يكتب لنا (اعترافات) يصوّر فيها حياته تصويراً دقيقاً كما فعل رجل كأوغسطينوس الذي كتب اعترافات رائعة، أدرك البعض قيمتها فاشتغل بترجمتها. والمأخذ الثاني أن المؤلف يضارب أقوال الغزالي بعضها ببعض، في سبيل التوصل إلى الحكم على اعترافات الغزالي بأنها كذب وافتراء.
وهذا منهج خاطئ لا يوصّل إلا إلى نتائج فاسدة، لأن الأقوال التي يضاربها المؤلف بعضها ببعض، ذُكرت في عهود مختلفة، والتطور يفرض على الغزالي أن يغير من رأيه تبعاً لتغير حالته، فلا يمكن إذن أن نستنتج شيئاً من تعارض الأقوال واختلاف الآراء، كما أراد المؤلف. زكريا إبراهيم ضبط الخلاف بين العربية والعامية مستحيل اطلعت في البريد الأدبي من (الرسالة) على كلمة موجزة، تحت عنوان: (ضبط الخلاف بين العربية والعامية) وخطأ هذه القاعدة الجديدة أنها بنت كون اللفظ العاميّ عربياً مقبولاً على مجيئه موافقاً في الضبط لأصل من أصول المفردات العربية.
وهذا ظاهر الفساد؛ فإن المتواضع عليه بين العلماء أن اللفظ العامي ما لم ينطق به عربي، سواء في الصوغ أو في الشكل.
وهذا محل وفاق قطعاً، وأن المدار في تمييز العربي من العامي على النقل عن المعاجم اللغوية.
وإلا لجاز أن يخترع العامي ألفاظاً لا حصر لها، على نمط الأوزان العربية.
فهل نقول: إنها عربية لأنها وافقت أصلاً من أصول الكلمات العربية؟ وبنت كون اللفظ عامياً غير صحيح على مجيئه مخالفاً لقواعد الصرف.
ولو أخذنا بهذا القول على إطلاقه لخطأنا نحو ربع اللغة العربية من الألفاظ الشاذة عن القياس الصرفي كمصادر الثلاثي وجموع التكسير، وبعض صيغ النسب والتصغير! وأما خطأ التمثيل فقد مثل الكاتب لما يجب أن يكون عامياً غير صحيح بقول العامة: عباية في عباءة، ثوب في ثوب، جعر في جأر، معللاً بأن إبدال الهمزة ياء، وإبدال الثاء تاء، وإبدال الهمزة عيناً لا يرجع شيء منها إلى قاعدة صرفية. أما عباية فقد نقل الثقات من أهل اللغة، أنها عربية مسموعة.
نعم إن استعمالها بالهمزة أكثر وأشهر. وأما جعر في جأر فذلك إبدال مطرد في لغة بني تميم، فقد حكى ابن مالك في شرح الكافية: أنهم يبدلون الهمزة المتحركة عيناً، وأما توب بالتاء فهو من تحريف العامة، ولكن لا لأنه إبدال غير قياسي فحسب، بل لأنه لم ينقل عن العرب، ولو نقل عنهم لقبل، فقد ورد في اللغة تاب إلى الله وثاب إليه بمعنى واحد لتقارب مخرجي التاء والثاء، ولكنهم لم يقولوا في ثوب لما يلبس: توب بالتاء لئلا يلتبس بتوب مصدر تاب بالتاء المثناة.
بهذا ظهر أن ما جعله عامياً برأيه الجديد، عربي صحيح، وأن قواعد الصرف جُعلت لضبط الكثير المسموع من كلام العرب، لا للتحكم في اللغة بجعلها كلها خاضعة لهذه القواعد.
ولذلك ورد الشاذ والنادر مما لم يمكن ضبطه بقاعدة ومثل لما هو عربي صحيح بقول العامة: تِرمس (بكسر التاء)، وقولهم: حُصان (بضم الحاء)، وقولهم: معدَن (بفتح الدال)؛ لأن هذا كله لم يخالف قاعدة من قواعد العربية.
وذلك أوغل في الفساد من سابقه، لأنه إذا جاز للعامي أن يقول في حِصان بكسر الحاء: حصان بضمها، جاز أيضاً أن يقول: حَصان بفتح الحاء؛ لأنه على أصلك الذي جريت عليه على وزان (غزال).
وفي ذلك خلط بين الأبنية العربية نعم إن كسر التاء في لفظ ترمس ونحوه لا ينشأ عنه اختلاط في الأبنية ولا تأثير في المعنى، ولكننا إذا فتحنا هذا الباب على مصراعيه للعاميّ، تجرأ على التحريف في ضبط سائر المفردات حتى المتواتر منها. وهاهنا ملاحظة جديرة بالنظر، وهي أن حضرة الكاتب ترك التمثيل لما يميز فيه بين اللفظ العربي والعامي بقواعد النحو والبلاغة.
ويغلب على ظني أنه لا وجود لشيء من ذلك إلا في مخيلة الكاتب! عبد الحميد عنتر أستاذ بكلية اللغة العربية نزول عيسى تنشر (الرسالة) ابتداء من العدد المقبل إن شاء الله بحثاً في نزول عيسى يرد به فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت عضو جماعة كبار العلماء على الشبه التي أثارها بعض الناس على فتواه السابقة التي نشرت بالعدد (462) من الرسالة فنلفت إلى ذلك أنظار القراء.

شارك الخبر

المرئيات-١