نداءات الرحمن لأهل الإيمان 38


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، جعلنا الله منهم، وحشرنا في زمرتهم، ورضي عنا كما رضي عنهم. اللهم آمين.

معاشر المستمعين! كان قد انتهى بنا نداء أمس عند تلك الوصية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه، ويسرنا أن نكون من أهل تلك الوصية، ولا مانع فباب الله مفتوح، وما قرعه أحد إلا دخل. وهذه الوصايا هي ]:

أولاً: حب المساكين والدنو منهم

قال: [ أخرج ابن كثير في تفسيره رواية أحمد في مسنده رحمه الله إذ قال: عن أبي ذر : قال: ( أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم ) ] وهذه ليس فيها صعوبة، وهي ليست شاقة على النفس، فنحن نحب كل مؤمن ومؤمنة، ووالله لا نرضى بأذية لمؤمن ولا مؤمنة، سواء كانوا فقراء أو كانوا أغنياء، ولكن النفوس تشرد وتنفر من الضعفاء لحاجتهم، ولحالهم الرثة والزرية، فإذا قاومها العبد وجاهدها أصبحت تحن حنيناً إلى الفقراء، فلابد من بذل الجهد، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]. إذاً: فالخصلة الأولى هي: ( أمرني بحب المساكين والدنو منهم ). والدنو ضد البعد والتناحي بعيداً، بل يجلس إليهم ومعهم، ويصلي إلى جنبهم.

ثانياً: النظر في أمر الدنيا إلى من هو تحته لا من هو فوقه

الثانية: [ ( وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي ) ] ولا أفتح عيني على من هو فوقي وأعلى مني، لا في جمال الوجه والطلعة، ولا في المال والدينار، ولا في الشرف والكمال، ولا غير ذلك، بل انظر دائماً إلى من هم دوني؛ حتى لا أحسد مؤمناً، ولا أبتلى بالنظر إلى أموال الناس وأحوالهم، وأنسى ذكر الله وأشتغل بالناس. وهذه عبارة واضحة، فإذا كان عبد الله يسكن في كوخ وإلى جنبه عمارة ذات عشرين طابقاً فيجاهد نفسه حتى لا ينظر إليها، ولا يلتفت إليها أبداً، بل ينظر إلى من أكواخهم أزرى وأحقر وأحط، وإن لم يكن هناك كوخ فهذه المباني القديمة موجودة، فيحمد المؤمن الله، ويبيت راكعاً ساجداً، ولا يلتفت إلى العمارات وناطحات السحاب، ولا ينظر إليها أبداً. وكذلك إذا ملك سيارة بقيمة الألفين ريال، وقد دفعها يوماً وركبها فإذا مرت جنبه سيارة مرسيدس بقيمة المائة ألف أو المائتين ألف ريال فلا يلتفت إليها، ولا يتمناها أبداً، وينظر إلى إخوانه الذين يمشون على أرجلهم، ولا يجدون ما يركبون، فكونوا مستعدين إن شاء الله لهذا، وأما أنا فوالله إذا رأيت عمارة أسأل الله أن لا يعطيني مثلها، وأقول بصراحة: يا رب! لا أريد هذا.

وهذه الثانية تحتاج إلى جهاد، أي: أن لا تنظر إلى من هو فوقك، فإذا كان راتبك ألف ريال فلا تنظر إلى صاحب العشرة الآلاف والعشرين ألفاً أبداً، ولا تفكر فيه، فهذه قسمة الله، فقد أعطاه الله ليبتليه، ويظهر طيبه وخبثه، ولا تظنوا أن عطاء الله عبثاً، وإنما هو ليبلوكم، أي: يمتحنكم بالفقر المدقع فترة من الزمان؛ ليرى هل أنت ولي الله أم عدوه؟ ويبتليك بالمال ويصبه عليك صباً، ويأتيك به من كل حدب وصوب، ليس لجمالك، تعالى الله عن مثل هذا، وإنما ليمتحنك أتشكر أم تكف؟ وليس منا أحد إلا وهو مبتلى وتحت النظارة، وقد فاز الصابرون.

وقوله: ( أمرني أن لا أنظر إلى من هو فوقي ) بينت أنها في أمور الدنيا، وضربنا المثل في العمارات والأكواخ، وأما أمور الآخرة والدين فكل يود أن يكون من سادات المسلمين، ويريد أن يكون أبر من الإمام أحمد ، وأصلح من الحسن البصري ، فهذا يتنافس فيه، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]. فإذا صام شخص يوماً فصم عشرة، وإذا أعطى ريالاً فاعط عشرين، فهذا باب مفتوح، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ .

ثالثاً: صلة الرحم وإن قطعها أصحابها

الثالثة: [ ( وأمرني أن أصل رحمي وإن أدبرت ( قطعت) ) ] وهذه الثالثة. فإن أعطوني ظهورهم أتيت من أمامهم، وأسأل عن حالهم، وأسلم عليهم، ولا أقطعهم وإن قطعوني؛ لأن الرحم اشتق الله تعالى اسمها من اسمه، فاسمه الرحمن وهي الرحم، وتعهد لها أن يصل من يصلها ويقطع من قطعها، وقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]. لأن صلة الرحم تجعل الأسرة مترابطة، فتقوى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا ترابطت الأسرة أمكنها أن تقف في وجه الباطل والشر والفساد، وإذا تقسمت وتقطعت وتحللت لم تستطع أن تقيم واجباً، وهذا هو السر في التكتل والتجمع، أي: من أجل إقامة دين الله.

رابعاً: عدم السؤال من أحد شيئاً

الرابعة: [ ( وأمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً ) ] وهذه بيضاء كالشمس. وقد كان أبو بكر الصديق إذا ركب على جواده أو فرسه فسقطت العصا أو السوط من يده يتحاشى أن يقول: أي فلان! ناولني السوط، وإنما ينزل من على الفرس وينزع رجله من الركاب، وينزل إلى الأرض؛ ليتناول سوطه. ومن هنا أنصحك: أن لا تسأل عبد الله! غير الله شيئاً أي من أمور الدنيا، إلا إذا حشرجت في الصدر وغرغرت، وكان لا بد من ذلك، فحينئذ هناك إذن، وأما لأنك تريد أن توسع طعامك وشرابك فقط، وتجعل لك نعلين وثوبين وتسأل الناس أموالهم لذلك فهذا والله ما يليق أبداً، إلا إذا وقف العبد ولم يستطع أن يمشي، وهذا لن يتركه الله، وسيسخر له من يأتيه، ومع الأسف هذا السائد الآن عندنا في العالم الإسلامي، ولا أدري الكفار يطلبون أم لا؟ واسألوا الذين زاروا بريطانيا وفرنسا هل النصارى يفعلون فعلنا؟ ويمكن، فهم هابطون أهبط منا.

وأعود فأقول: إذا اضطر المؤمن اضطراراً كلياً حقيقياً فلا بأس أن يقول لأخيه كذا، وأما لأنه يريد أن يوفر فقط فلا، وكثير من الشحاتين المتسولين في العالم الإسلامي عندما يموتون يجدون عندهم أموالاً في بيوتهم، فقد ألفوا واعتادوا، وما عُلِّم ولا بُصِّر، فيسأل.

خامساً: قول الحق وإن كان مراً

الخامسة: [ ( وأمرني أن أقول الحق وإن كان مراً ) ] لا يستساغ، ولا يقوى عليه إلا الربانيون؛ لأن قول الحق يظهر الباطل ويطرده، ويحق الحق ويثبت لأهله، بخلاف إذا سكتنا عنه.

سادساً: ألا يخاف في الله لومة لائم

السادسة: [ ( وأمرني أن لا أخاف في الله ) ] أي: في دعوة الله، وفي أمر الله، وفي شرع الله، وفيما يريد الله [ ( لومة لائم ) ] فلا أخاف أن يلومني فلان لأنني اطمئن في الصلاة، أو يلومني فلان لأنني قصرت ثوبي، أو يلومني فلان لأنني أقبل يدي أمي ورجليها. فالرسول أوصاه أن لا تأخذه في الله لومة لائم، بمعنى: أن يعبد الله بكل ما أمره أن يعبده به، ولا يبالي بعمه ولا جاره ولا أخيه ولا أميره ولا غيرهم؛ لأن الله قال فيهم: وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، أي: في شأن الله، وهي عبادته وطاعته وشرعه ودعوته.

سابعاً: الإكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله

السابعة: [ ( وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنهن ) ] أي: هذه الكلمات الثلاث [ ( من كنز تحت العرش ) ] وهناك آيتان كانتا تحت العرش، وهما قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:285] من آخر البقرة، فقد نزلتا من كنز تحت العرش، فلهذا إذا قرأهما المؤمن عند نومه فكأنما قام ليله. وإن شاء الله نطبق هذه الخصال السبع بإذن الله.

قال: [ أخرج ابن كثير في تفسيره رواية أحمد في مسنده رحمه الله إذ قال: عن أبي ذر : قال: ( أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم ) ] وهذه ليس فيها صعوبة، وهي ليست شاقة على النفس، فنحن نحب كل مؤمن ومؤمنة، ووالله لا نرضى بأذية لمؤمن ولا مؤمنة، سواء كانوا فقراء أو كانوا أغنياء، ولكن النفوس تشرد وتنفر من الضعفاء لحاجتهم، ولحالهم الرثة والزرية، فإذا قاومها العبد وجاهدها أصبحت تحن حنيناً إلى الفقراء، فلابد من بذل الجهد، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]. إذاً: فالخصلة الأولى هي: ( أمرني بحب المساكين والدنو منهم ). والدنو ضد البعد والتناحي بعيداً، بل يجلس إليهم ومعهم، ويصلي إلى جنبهم.

الثانية: [ ( وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي ) ] ولا أفتح عيني على من هو فوقي وأعلى مني، لا في جمال الوجه والطلعة، ولا في المال والدينار، ولا في الشرف والكمال، ولا غير ذلك، بل انظر دائماً إلى من هم دوني؛ حتى لا أحسد مؤمناً، ولا أبتلى بالنظر إلى أموال الناس وأحوالهم، وأنسى ذكر الله وأشتغل بالناس. وهذه عبارة واضحة، فإذا كان عبد الله يسكن في كوخ وإلى جنبه عمارة ذات عشرين طابقاً فيجاهد نفسه حتى لا ينظر إليها، ولا يلتفت إليها أبداً، بل ينظر إلى من أكواخهم أزرى وأحقر وأحط، وإن لم يكن هناك كوخ فهذه المباني القديمة موجودة، فيحمد المؤمن الله، ويبيت راكعاً ساجداً، ولا يلتفت إلى العمارات وناطحات السحاب، ولا ينظر إليها أبداً. وكذلك إذا ملك سيارة بقيمة الألفين ريال، وقد دفعها يوماً وركبها فإذا مرت جنبه سيارة مرسيدس بقيمة المائة ألف أو المائتين ألف ريال فلا يلتفت إليها، ولا يتمناها أبداً، وينظر إلى إخوانه الذين يمشون على أرجلهم، ولا يجدون ما يركبون، فكونوا مستعدين إن شاء الله لهذا، وأما أنا فوالله إذا رأيت عمارة أسأل الله أن لا يعطيني مثلها، وأقول بصراحة: يا رب! لا أريد هذا.

وهذه الثانية تحتاج إلى جهاد، أي: أن لا تنظر إلى من هو فوقك، فإذا كان راتبك ألف ريال فلا تنظر إلى صاحب العشرة الآلاف والعشرين ألفاً أبداً، ولا تفكر فيه، فهذه قسمة الله، فقد أعطاه الله ليبتليه، ويظهر طيبه وخبثه، ولا تظنوا أن عطاء الله عبثاً، وإنما هو ليبلوكم، أي: يمتحنكم بالفقر المدقع فترة من الزمان؛ ليرى هل أنت ولي الله أم عدوه؟ ويبتليك بالمال ويصبه عليك صباً، ويأتيك به من كل حدب وصوب، ليس لجمالك، تعالى الله عن مثل هذا، وإنما ليمتحنك أتشكر أم تكف؟ وليس منا أحد إلا وهو مبتلى وتحت النظارة، وقد فاز الصابرون.

وقوله: ( أمرني أن لا أنظر إلى من هو فوقي ) بينت أنها في أمور الدنيا، وضربنا المثل في العمارات والأكواخ، وأما أمور الآخرة والدين فكل يود أن يكون من سادات المسلمين، ويريد أن يكون أبر من الإمام أحمد ، وأصلح من الحسن البصري ، فهذا يتنافس فيه، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]. فإذا صام شخص يوماً فصم عشرة، وإذا أعطى ريالاً فاعط عشرين، فهذا باب مفتوح، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ .