مراتع الظلم ونموذج كوسوفا


الحلقة مفرغة

الحمد لله واهب النعم، ومؤتي الحكم، جعل في كر الأيام معتبراً، وفي تقلب الزمان مزدجراً. أحمده سبحانه وأشكره، يقلب الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله قدوة الحنفاء، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آل بيته وأهل صحبته وأنصار دعوته، ما رقت القلوب، وراقبت ربها علام الغيوب، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:-

فأوصيكم -أيها المسلمون- بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، وأقلوا الركون إلى الدنيا، فإن ما أمامكم عقبة كئود، ومنازل مخوفة لا بد من ورودها والوقوف عندها. فالمنية دانية، وأظفارها ناشبة، واحذروا التسويف وطول الأمل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].

أيها الإخوة المسلمون: للزمن -بإذن الله- دوره في الفعل الحضاري، والإسلام قد أمر بالتفكر والتدبر والاعتبار والتفكر، والنظر في المآلات وتقدير العواقب، من خلال رؤية واسعة تستصحب الزمن بأبعاده كلها، الماضي منه والحاضر والمستقبل، عرف المسلم قيمة الزمن، بعد أن كان قبل الإسلام متخاذلاً سلبياً، كما جاء في الآية الكريمة: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ [الجاثية:24] فجاء نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، داعياً ومبلغاً ومحذراً: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ).

وقائلاً: (لا تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه ).

لقد أدخل الإسلام الزمن في حساب المسلم ومسئوليته، من خلال ربط الأحكام بتعاقب الليل والنهار، وحركة الشمس والقمر، فالصلاة كتاب موقوت، والزكاة في الحول ويوم الحصاد.

وللصوم هلاله ورؤيته، وللحج مواقيته وأهلته، فأي تساهل أو تفريط في هذه المواقيت يُفوَّت الثواب، ويعرض للعقاب، ناهيك بالأزمنة الخاصة الفاضلة في ثوابها وبركاتها، ومزيد العمل الصالح فيها، كيوم الجمعة، ويوم عرفة، وعشر ذي الحجة، والإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وأيام البيض.

بل لقد صحح الإسلام النظر إلى الكواكب في مساراتها، والأفلاك في جريانها؛ فطهر العقول من لوثات الخرافات، والتعلق بالبروج والأنواء تطيراً وتشاؤماً.

فالشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، والنجوم والكواكب زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [يونس:5].

خطورة إضاعة الوقت

أيها الإخوة المسلمون: كم سيكون الواقع مريراً والأمر خطيراً إذا فرط العبد في وقته، وذهل عن هذه الحكم الباهرة، ذهل عن مسئوليته وإضاعة أوقاته. إن كثيراً من مواقع الفشل، ومواطن الخلل عند المسلمين المعاصرين، تظهر وتتجلى في حساب إنتاجهم وإضاعتهم لأوقاتهم. إن إنتاج بعضهم في عملهم اليومي لا يجاوز حصيلة نصف ساعة، إن الحال مخيف حينما تكون المحاسبة جادة، كيف يستثمر المسلم طاقاته وقدراته، وبماذا يصرف أوقاته وساعاته.

إنها صورة فاضحة من حالة الوهن الحضاري، حين يسيطر الكسل، ويدب الضعف، ويقتل الوقت، وتفشو الاتكالية، فتنتهي الأمة إلى مرحلة القصعة التي تتخاذل حتى تتكالب عليها الأمم؛ لأكل خيراتها وتعطيل طاقاتها.

أيها المسلمون: إن حل هذه المسألة: هو إعادة النظر في تصويب معادلة الزمن، ليصحح مساره، وتسقط الأمة وأفرادها في محاسبة للنفس جادة، ولأمر ما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وفي وصية من آخر وصاياه: { إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36] }.

أيها الإخوة المسلمون: كم سيكون الواقع مريراً والأمر خطيراً إذا فرط العبد في وقته، وذهل عن هذه الحكم الباهرة، ذهل عن مسئوليته وإضاعة أوقاته. إن كثيراً من مواقع الفشل، ومواطن الخلل عند المسلمين المعاصرين، تظهر وتتجلى في حساب إنتاجهم وإضاعتهم لأوقاتهم. إن إنتاج بعضهم في عملهم اليومي لا يجاوز حصيلة نصف ساعة، إن الحال مخيف حينما تكون المحاسبة جادة، كيف يستثمر المسلم طاقاته وقدراته، وبماذا يصرف أوقاته وساعاته.

إنها صورة فاضحة من حالة الوهن الحضاري، حين يسيطر الكسل، ويدب الضعف، ويقتل الوقت، وتفشو الاتكالية، فتنتهي الأمة إلى مرحلة القصعة التي تتخاذل حتى تتكالب عليها الأمم؛ لأكل خيراتها وتعطيل طاقاتها.

أيها المسلمون: إن حل هذه المسألة: هو إعادة النظر في تصويب معادلة الزمن، ليصحح مساره، وتسقط الأمة وأفرادها في محاسبة للنفس جادة، ولأمر ما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وفي وصية من آخر وصاياه: { إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36] }.

أيها المسلمون: إن أدق أنواع المحاسبة الزمانية: الوقوف عند ظلم النفس، حين قال الله عز وجل: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36] الوقوف عند الظلم والتظالم، عند ظلم النفس وعند ظلم الغير، ومن ظلم غيره فقد ظلم نفسه لا محالة.

عباد الله: الظلم واسع المعنى، يتناول وضع الأشياء في غير مواضعها، وانتقاص الناس في حقوقها، والتفريط في الواجبات، واقتحام المنهيات، يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: والظلم مبارزة الرب بالعصيان، وهو لا ينشأ إلا عن ظلمة القلب، والعبد إذا اكتنفته ظلمات ظلم لم يغنه بعد ذلك شيء.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كل ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر الله به راجع إلى العدل.

ومن أجل هذا؛ كان أكبر أنواع الظلم، وأعظمها وأعلاها: الظلم الذي لا يغفره الله ما لم يتب منه صاحبه، ذلكم هو الإشراك بالله، عياذاً بالله! وفي التنزيل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] .. إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] .. وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254].

ومن أعظم أنواع الظلم: تظالم العباد فيما بينهم، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) فأكل مال اليتيم، والتفريط في الوصايا، وعقوق الوالدين والأرحام، والمماطلة في المعاملات، والغصب والسرقة، والاختلاس، وأكل الربا، وتطفيف المكيال والميزان، والعسف والتغرير بالعميل، وخيانة الودائع والأجير والوكيل والكفيل والشريك، والحكم والولايات العامة والخاصة، والقضاء، كل ذلك وأمثاله من المعاملات والتعاملات والعلاقات؛ التفريط فيها والخيانة لها والغش فيها ظلم مقت الله أهله، وأحاطت بالديار عواقبه، وبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44].

ثمرات الظلم وعاقبته

أيها المسلمون: في أجواء الظلم توضع الأمور في غير مواضعها، وتقع الأشياء في غير مواقعها، فيعظم الحقير، ويمجد الوضيع، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وحينئذ تعاني الأمم الأمرّين من أحكام الجاهلية ومسالكها، وما استساغ أحد الظلم إلا لظلمة في قلبه، ودخل في طويته، وخلل في نفسه: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].

الظالم يمتطي سفينة الغفلة، فيرد موارد الهلاك، يتجرأ على حقوق الآخرين ليقضي مآربه، دعته قوته وجاهه وماله ونفوذه ليتجاوز الحدود، ويعتدي على الحقوق، غفل عن الوقوف بين يدي جبار السماوات والأرض: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ [الفرقان:27] .. يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52].

مشاعر مجرمة، وشعور آثم: وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً [طه:111] ظالم أثيم، لا يبالي بدين ولا قرابة، ولا يعبأ بمسئولية ولا رقابة: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165].

الظلم وخيم المرتع، سيئ العاقبة، هو منبع الرذائل، ومصدر الشرور، إذا فشا في أمة أهلكها، وإذا حل بقوم فرقهم، به تخرب الديار، وتزول القرى والأمصار، وتنتشر الفوضى ويعم الهرج.

وما تزول الدول ولا يضطرب الحال إلا بسب الظلم والتعسف والجور: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً [الكهف:59] .. وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ [هود:102-103].

وجزاء الظلم سريع النزول معد للعقوبة، يقول بعض السلف : أعجل الأمور عقوبة وأسرعها إلى صاحبها ظلم من لا ناصر له، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير.

وفي الحديث الصحيح: {من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: يا رسول الله وإن كان يسيراً؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك } رواه مسلم .

وبعض الناس قد يتوهم أن حكم الحاكم له بحق أخيه يبيحه له ويعفيه من مسئوليته، وهذا غلط فاحش، وفهم خاطئ، وغفلة مهلكة، وقلة فقه في الدين، فإن الحاكم بشر يخطئ ويصيب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: {إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم فلعل أحدكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق؛ فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو يذرها }.

وفي الحديث الآخر: {من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى يرجع } رواه أبو داود ، ويل لهؤلاء الظلمة من ثِقل الأوزار، وويل لهم وقد امتلأت بمظالمهم الديار، وأين المفر من ديان يوم الدين؟ يوم تنشق سماء عن سماء، ويأتي الرب لفصل القضاء، وتجتمع عند الله الخصوم: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] .. وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151].

{المفلس: من يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار } بهذا صح الخبر عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.

وجوب نصرة المظلوم

أيها الإخوة المسلمون: والمظلوم له حق النصرة، فالظالم لا يرتدع ولا ينقمع إلا إذا أدرك أن جانب من يريد ظلامته محمي عزيز المنال.

ففي دين الإسلام لا يجوز خذلان المسلم، فكيف إذا كان مظلوماً: {فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه } وعند البخاري رحمه الله من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: {أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننصر المظلوم } وفي الحديث الآخر: {إذا رأيتم أمتي لا يقولون للظالم أنت ظالم، فقد تودع منهم } إسناده حسن من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ويقول علي رضي الله عنه: [[ إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى اشتري، وبسطوا الجور حتى افتدي ]].

أيها الأحبة في الله: ولقد أعطي المظلوم حق الجهر بالسوء من القول انتصاراً لنفسه وإثباتاً لحقه، وتثبيتاً لعزته، فالظالم لا حرمة له: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] وتأملوا رحمكم الله هذه الآيات من سورة الشورى، وما أعده الله من خير عظيم دائم لمن تحلوا بهذه الصفات التي اشتملت عليها هذه الآيات، يقول الله عز وجل: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الشورى:36] إلى أن قال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى:39-41].

ولعلك تجد رحمك الله أن العفو والصفح ممدوح، ولكن ذلك بعد ثبوت الحق لصاحبه، فيجب أن يعرف المعتدي جريرته، ويعترف الظالم بظلامته؛ فيكون المظلوم قد نزل عن حقه بعد القدرة على أخذه، فهو قد تنازل في سماحة مذكورة وسبق بالفضل. وفي نصرة المظلوم حتى يأخذ حقه، والأخذ على يد الظالم حتى يكف عن تعديه حفظ نظام المجتمع، وحماية الضعفاء من تسلط الأقوياء، والإنسان إذا أمن العقوبة مال إلى الشر وتجاسر على الظلم.

أما الذين يشهدون المعركة بين القوي والضعيف، ثم يدعونها تنتهي حسب قوانين الغاب وشرائع الذئاب من غير معونة ولا نكير؛ فهؤلاء شركاء في الظلم أعواناً للظلمة، يقول ميمون بن مهران : الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء.

وفي الحديث: {ما من مسلم يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وتنتهك فيه حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته }. ألا فاتقوا الله رحمكم الله: {فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده }.

ورحم الله امرأً أنصف من نفسه فأدى ما عليه واقتصر على حقه وأراح القضاء وما أزعج السلطات، وأهل العدل إذا استرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا وإذا قسموا أقسطوا، والمظلوم دعوته مستجابة، وإن كان فاجراً فجوره على نفسه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:42-46].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




استمع المزيد من الشيخ صالح بن حميد - عنوان الحلقة اسٌتمع
حق الطريق وآداب المرور 3698 استماع
وسائل الإعلام والاتصال بين النقد الهادف والنقد الهادم 3089 استماع
اللغة .. عنوان سيادة الأمة 3073 استماع
الطلاق وآثاره 3015 استماع
لعلكم تتقون 3000 استماع
الماء سر الحياة 2957 استماع
من أسس العمل الصالح 2934 استماع
الزموا سفينة النجاة 2883 استماع
قضية البوسنة والهرسك.. المشكلة والحل 2873 استماع
بين السلام وإباء الضيم 2852 استماع