من أحكام التوبة


الحلقة مفرغة

الإخلاص سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو أساس قبول الأعمال عند الله عز وجل، فمن أخلص فقد نجا، ومن أشرك فقد هوى، وقد وردت نصوص كثيرة ترغب فيه وتحذر من الشرك، وهو معنى من المعاني العظيمة التي قام بها الصحابة في حياتهم، لأنهم علموا أنه الطريق الموصل إلى الله عز وجل.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة: كنا قد تكلمنا في الخطبة الماضية عن أطراف مما يتعلق بموضوع التوبة، ونظراً لأهمية هذا الموضوع من جهتين على الأقل، فإنه بدا لي أن أتوسع فيه بذكر بعض النقاط الأخرى المهمة في هذا الشأن العظيم من شئون الإسلام.

تقسيم أهمية التوبة إلى عامة وخاصة

وأهمية التوبة ترجع إلى أهمية عامة وأهمية خاصة:

فأما الأهمية العامة -أيها الإخوة-: فإن هذا الأمر -التوبة- من الأمور العظيمة جداً في الإسلام، حيث أمر الله تعالى به المؤمنين، فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] فهو لم يوجه الأمر بالتوبة إلى الفسقة والظلمة والكفار فقط، وإنما أمر بتوبة المؤمنين أيضاً، وهذا مما يدل على أهميتها في الإسلام، وعلى عظم شأنها عند الله عز وجل.

والأمر الآخر -أيها الإخوة-: أنه في هذا الظرف الذي نعيش فيه من تكالب الحياة المادية على نفوس البشر، وابتعادهم عن الإسلام، وعن الصحوة الإسلامية التي بدأت تدب في نفوس الناس، فإن الحديث عن التوبة حديث ذو شجون، وله من الأهمية شيء عظيم جداً؛ لأن الكلام في هذا الموضوع هو بداية التصحيح، وهو المعيار الحساس الذي يحس به أولئك العائدون إلى الله عز وجل، الذين بدأ انتشالهم من أوحال المعاصي والذنوب.

ولذلك كان لابد من معاودة الكلام وتكراره في المجالس، ولابد للدعاة إلى الله عز وجل أن يحوموا حول هذا الموضوع وأن يقعوا فيه، وأن يبينوا للناس عظم شأن التوبة بشروطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، وعظم شأنها في الإسلام.

لأن هذا الموضوع هو النور الذي ينير لمن ابتعد عن شرع الله عز وجل، وهو منار الهدى الذي تهفو إليه أفئدة وبصائر أولئك الناس الذين اغتالتهم الشياطين بعيداً عن دينهم، وإن هذا الموضوع هو الذي يجدد الأمل في نفوس التائبين، ويزيل اليأس من نفوس العائدين إلى مائدة الله عز وجل، وإلى شرع الله تعالى

تقسيم الخليقة إلى تائب وظالم

فقسم الله عز وجل الخليقة إلى قسمين: فقال الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] فانقسم العباد إلى قسمين: إلى تائب وإلى ظالم، وليس ثمة قسم ثالث ألبتة، فهم إما تائبون وإما ظالمون وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .

وأهمية التوبة ترجع إلى أهمية عامة وأهمية خاصة:

فأما الأهمية العامة -أيها الإخوة-: فإن هذا الأمر -التوبة- من الأمور العظيمة جداً في الإسلام، حيث أمر الله تعالى به المؤمنين، فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] فهو لم يوجه الأمر بالتوبة إلى الفسقة والظلمة والكفار فقط، وإنما أمر بتوبة المؤمنين أيضاً، وهذا مما يدل على أهميتها في الإسلام، وعلى عظم شأنها عند الله عز وجل.

والأمر الآخر -أيها الإخوة-: أنه في هذا الظرف الذي نعيش فيه من تكالب الحياة المادية على نفوس البشر، وابتعادهم عن الإسلام، وعن الصحوة الإسلامية التي بدأت تدب في نفوس الناس، فإن الحديث عن التوبة حديث ذو شجون، وله من الأهمية شيء عظيم جداً؛ لأن الكلام في هذا الموضوع هو بداية التصحيح، وهو المعيار الحساس الذي يحس به أولئك العائدون إلى الله عز وجل، الذين بدأ انتشالهم من أوحال المعاصي والذنوب.

ولذلك كان لابد من معاودة الكلام وتكراره في المجالس، ولابد للدعاة إلى الله عز وجل أن يحوموا حول هذا الموضوع وأن يقعوا فيه، وأن يبينوا للناس عظم شأن التوبة بشروطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، وعظم شأنها في الإسلام.

لأن هذا الموضوع هو النور الذي ينير لمن ابتعد عن شرع الله عز وجل، وهو منار الهدى الذي تهفو إليه أفئدة وبصائر أولئك الناس الذين اغتالتهم الشياطين بعيداً عن دينهم، وإن هذا الموضوع هو الذي يجدد الأمل في نفوس التائبين، ويزيل اليأس من نفوس العائدين إلى مائدة الله عز وجل، وإلى شرع الله تعالى

فقسم الله عز وجل الخليقة إلى قسمين: فقال الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] فانقسم العباد إلى قسمين: إلى تائب وإلى ظالم، وليس ثمة قسم ثالث ألبتة، فهم إما تائبون وإما ظالمون وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .

واعلموا أيها الإخوة! أن للتوبة الصحيحة علامات، وللتوبة السقيمة المريضة المرفوضة علامات أيضاً:

فمن علامات التوبة السقيمة: أنها لا تؤدي إلى الإقلاع عن الذنب، ولا إلى تعظيم الله عز وجل، بل إنها تكون غالباً لظرف دنيوي بحت، لا علاقة له بالخوف من الله عز وجل إطلاقاً.

والتائب من هذا النوع -التوبة السقيمة المرفوضة- لا يشعر أصلاً بأنها توبة، وهي ما سماه السلف بتوبة أرباب الحوائج والمفاليس، الذين يتوبون من بعض الأمور للمحافظة على حاجاتهم ومنازلهم بين الناس، فبعض الناس يتوب إما محافظة على حاله، فهذا تاب للحال، لا توبة من خوف ذي الجلال.

وبعض الناس يتوب طلباً للراحة من الكد في تحصيل الذنب، بعض الذنوب تتعب الإنسان جسدياً وذهنياً، فيقلع بعض الناس عن بعض هذه الذنوب طلباً لراحة الجسم والتفكير، كمن يخطط للاختلاس، فإن ذهنه يتعب، وكمن يخطط لتهريب الأمور المحرمة، فإنه يتعب ذهنه وبدنه، فهذا قد يقلع عن هذا الذنب، ليس خوفاً من الله عز وجل، وإنما طلباً لراحة ذهنه وجسمه، فهذا توبته مرفوضة وغير صحيحة.

أو تاب اتقاء لما يخافه على عرضه وماله ومنصبه، كقاض يقع في ذنوب كبيرة، فيتركها لأنه يخاف أن يفتضح بين الناس، أو رجل وجيه وصاحب منصب، يخشى أن يلوك الناس عرضه، وأن يتكلموا عنه في المجالس، فيترك هذا الذنب لا خوفاً من الله عز وجل، وإنما خوفاً على منصبه وسمعته، ويخاف الفضيحة بين الناس فيترك الذنب، فهذا توبته سقيمة غير صحيحة.

وأحياناً تكون التوبة لضعف داعي المعصية في القلب، وخمود نار الشهوة، كرجل زانٍ بقي يزني مدة طويلة في شبابه، فلما اقترب من سن الشيخوخة ودخلها، ضعفت الشهوة في جسمه، وذبل هذا الدافع لجريمة الزنا، فترك الزنا لا خوفاً من الله تعالى، ولا خوفاً من النار، ولا لعلمه بأن هذا أمر محرم، ولكنه ترك الزنا لأن جسمه لم يعد يقوى على الزنا، فهذه توبة سيئة لا يرضاها الله عز وجل.

أو لمنافاة المعصية لما يطلبه من متاع الحياة الدنيا، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في كون التوبة خوفاً من الله وتعظيماً له ولحرماته، وإجلالاً له وخوفاً من سقوط المنزلة عند الله والبعد منه والطرد عنه.

فهذه التوبة -أيها الإخوة- لون، وتوبة الصادقين المخلصين لون آخر.

وأما التوبة الصحيحة فإن لها علامات تدل عليها.

تعظيم الجناية

ومن هذه العلامات أيها الإخوة: تعظيم الجناية التي وقع فيها العبد:

تعظم في عينيه وتظهر له كوحش كاسر يريد أن يفترسه، وكجبل عظيم يوشك أن يقع عليه، فكلما عظمت الجناية في عين العبد؛ كانت توبته منها أشد وأصح، وعلى قدر تعظيم الجناية يكون ندمه على ارتكابها أكبر، فإن من استهان بضياع فلس -وهو الشيء الحقير من المال- ولم يندم على إضاعته، فإذا تبين له أن الذي ضاع منه في الحقيقة دينار وليس فلساً فهنا ينقلب الأمر في نفسه، ويشتد ندمه على هذا الأمر العظيم الذي أضاعه وفقده.

الناس عندما يرتكبون الذنوب يستصغرون شأنها، وتكون في أعينهم غير ذات بال وشأن، ولكنهم إذا تابوا إلى الله استعظموا الذنوب، وبدت لهم الذنوب التي عملوها ليست صغيرة، وإنما هي أمور عظيمة، فتكون توبتهم أكبر وأشد حرارة إلى الله عز وجل.

وتعظيم الجناية أيها الإخوة ينشأ عن ثلاثة أمور:

الأمر الأول: تعظيم الأمر الذي وقع فيه هذا الرجل.

والأمر الثاني: تعظيم الآمر الذي أمر بالابتعاد عن هذا الشيء، ثم أنت وقعت فيه، وهذا هو الأهم؛ فإن من أسماء الله عز وجل -العظيم- فكلما آمنت بهذا الاسم العظيم فإنك تشتد هيبة من الله عز وجل، وبعداً عن الوقوع في المحرمات.

والأمر الثالث: التصديق بالجزاء، التصديق بأن هذا الأمر إذا صممت عليه فإن عقوبته النار عند الله عز وجل

اتهام صحة التوبة

والأمر الثاني -أيها الإخوة- من علامات صحة التوبة: اتهام التوبة نفسها، بأنك تخاف أن تكون هذه التوبة لم تقع على الوجه المطلوب منك، وعلى الوجه الذي من المفترض أن تؤديها عليه، فتخاف أنك لم توفها حقها، وأنها لم تقبل منك، وأنك لم تبذل جهدك في صحة هذه التوبة، وأنها قد تكون من توبات العلل التي تكلمنا عنها قبل قليل، أنك تشك في صحة هذه التوبة، ليس الشك الذي يجعلك موسوساً مبتعداً عن رحمة الله واقعاً في اليأس والقنوط، وإنما الخوف أن تكون هذه التوبة فيها نقص أو غير مقبولة عند الله، إن هذا الأمر يساعدك على تعظيم التوبة وتوكيدها أكثر من ذي قبل.

وكذلك -أيها الإخوة- من العلامات التي تقابل هذا الأمر في التوبة السقيمة: أن التائب يطمئن ويثق تماماً بأن الله قد قبل توبته، حتى كأنه أعطي منشوراً بالأمان كما يقول ابن القيم رحمه الله: كأنه أعطي صكاً بدخول الجنة، هذه التوبة تخوّف، وهذه التوبة في خطر؛ لأن هذا -أيها الإخوة- من علامات التهمة، تتهم بها نفسك، لو أنك أحسست من بعد التوبة بأنك قد ضمنت دخول الجنة، وأنك متيقن بأن الذنب قد انتهى وأن الله قد غفره.

الإقبال على الله والبكاء على الذنب

ومن علامات صحة التوبة: الإقبال على الله عز وجل، والبكاء على الذنب الذي حصل، وإذراف الدموع على تلك المعصية التي وقعت فيها، بخلاف الأمر في التوبة السقيمة التي يكون من علاماتها: جمود العين، لا دموع ولا عبرات تسكب خوفاً من الله تعالى من هذا الذنب الذي وقعت فيه

الإلحاح على الله بقبول التوبة

أيها الإخوة: إن من علامات التوبة الصحيحة: أنك تتملق الله عز وجل، ومعنى التملق هو: الإلحاح إلى الله تعالى، والاعتذار إليه عما وقع منك، والاعتراف والإلحاح على الله بقبول التوبة، والاعتراف عند الله مهم جداً، لذلك كان في ضمن سيد الاستغفار، أن يقول العبد: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ -أبوء أي: اعترف- وأبوء بذنبي فاغفر لي).

فإذاً: صار الاعتراف بالذنب عند الله عز وجل من الأمور المهمة.

من علامات التوبة الصحيحة: كسرةٌ خاصة تحصل للقلب

وكذلك انخلاع القلب وتقطعه ندماً وخوفاً من هذا الأمر العظيم.

وكذلك من موجبات التوبة الصحيحة كسرة خاصة تحصل للقلب لا تحصل بأي شيء آخر سواه، لا بعبادة ولا بغيرها.

الانكسار الذي يحدث في نفسك عند التوبة إلى الله عز وجل، هذا النوع من الانكسار لا يحدث إلا بالتوبة، إذا ما حصل هذا الانكسار وهذه الذلة أمام الله تعالى، والخجل والحياء من الله عز وجل؛ فعند ذلك تتهم التوبة.

فانكسار القلب بين يدي الرب عز وجل، كسرة تامة وإلقاؤه بين يدي ربه طريحاً ذليلاً خاشعاً، كحال عبد هرب من سيده، فأُخذ وأمسك وأحضر بين يديه، ولم يجد ما ينجيه من سطوته ولا منه مهرباً، وعلم إحاطة سيده بتفاصيل جنايته، هذا مع حبه لسيده وحاجته إليه، وعلمه بضعفه وعجزه وقوة سيده، وذله وعزة سيده، فتجتمع في هذه الحال كسرة وذلة وخضوع ما أنفعها للعبد! وما أحسن عائدتها عليه! وما أعظم جبرها! وما أقربه بها إلى سيده!

فليس شيء من الأشياء يعدل هذه الكسرة، وهذا الخضوع والتذلل، فيقول ابن القيم رحمه الله: فلله ما أحلى قول القائل: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه.

هذه هي حال التائب توبة حقيقة، هذا لسانه يعبر به عما يستجيش في نفسه، وعما يختلج في قلبه من الشعور بأهمية رحمة الله وبأهمية حصوله عليها.

فما أصعب التوبة الصحيحة أيها الإخوة! وما أسهلها باللسان والدعوى! التوبة باللسان والدعاوي سهلة، لكن التوبة الصحيحة التي تجتمع فيها هذه العلامات توبة صعبة، ولكن من أقبل على الله وأخلص له، فإنه لابد أن يوفقه لهذه التوبة الصحيحة.

ومن هذه العلامات أيها الإخوة: تعظيم الجناية التي وقع فيها العبد:

تعظم في عينيه وتظهر له كوحش كاسر يريد أن يفترسه، وكجبل عظيم يوشك أن يقع عليه، فكلما عظمت الجناية في عين العبد؛ كانت توبته منها أشد وأصح، وعلى قدر تعظيم الجناية يكون ندمه على ارتكابها أكبر، فإن من استهان بضياع فلس -وهو الشيء الحقير من المال- ولم يندم على إضاعته، فإذا تبين له أن الذي ضاع منه في الحقيقة دينار وليس فلساً فهنا ينقلب الأمر في نفسه، ويشتد ندمه على هذا الأمر العظيم الذي أضاعه وفقده.

الناس عندما يرتكبون الذنوب يستصغرون شأنها، وتكون في أعينهم غير ذات بال وشأن، ولكنهم إذا تابوا إلى الله استعظموا الذنوب، وبدت لهم الذنوب التي عملوها ليست صغيرة، وإنما هي أمور عظيمة، فتكون توبتهم أكبر وأشد حرارة إلى الله عز وجل.

وتعظيم الجناية أيها الإخوة ينشأ عن ثلاثة أمور:

الأمر الأول: تعظيم الأمر الذي وقع فيه هذا الرجل.

والأمر الثاني: تعظيم الآمر الذي أمر بالابتعاد عن هذا الشيء، ثم أنت وقعت فيه، وهذا هو الأهم؛ فإن من أسماء الله عز وجل -العظيم- فكلما آمنت بهذا الاسم العظيم فإنك تشتد هيبة من الله عز وجل، وبعداً عن الوقوع في المحرمات.

والأمر الثالث: التصديق بالجزاء، التصديق بأن هذا الأمر إذا صممت عليه فإن عقوبته النار عند الله عز وجل