الرجوع إلى الحق


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:

فينبغي على كل مسلم أن يتفكر في نفسه، وأن يرى مواقع الخلل ليصلح من عيبه؛ ليسلم قلبه حتى يلاقي ربه بقلبٍ سليم؛ لأنه لا ينفع يوم القيامة إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، ويجب على المسلم أن يفكر في اتباع الحق، وينظر: هل هو يتبع الحق أم لا؟

إن هذه المسألة خطيرة أيها الإخوة وينبغي أن نفكر في أنفسنا، وأن نقوم لله تعالى متفكرين في اتباعنا للحق، هل نحن نتبع الحق أم نتبع الهوى.

ينبغي أن نفكر في شرف الحق، وضعة الباطل، وأن نتفكر في عظمة الله عزَّ وجلَّ، وأنه سبحانه اسمه الحق، وأنه يحب الحق ويكره الباطل، وأنه من يتبع الحق ينل رضوان الله، فكان الله وليه في الدنيا والآخرة، يختار له الخير، والأفضل والأنفع، والأشرف والأرفع، حتى يتوفاه راضياً مرضياً، فيرفعه إليه ويقربه لديه، ويحله في جواره مكرماً منعماً في النعيم المقيم والشرف الخالد، ومن أخلد إلى الباطل استحق سخط الله وغضبه وعقابه، فإذا جاء هذا المقيم على الباطل شيءٌ من نعيم الدنيا، فإنما ذلك لهوانه على الله ليزيده بعداً عنه، وليضاعف له عذاب الآخرة الذي لا تبلغ مداه العقول، ولا تستطيع أن تخيله ولا أن تتخيله.

عباد الله: كثيرٌ منا يتبع الباطل ويترك الحق، وذلك لعدم معرفته بمنزلة الحق وحال الباطل؛ ولأنه لا يتفكر فيمن يخالف الحق ويتبع الباطل.

إننا كثيراً ما نغرق في أوحال نعيم الدنيا، ولو فكرنا في نعيم الدنيا بالنسبة إلى رضوان الله ونعيم الآخرة، ولو فكرنا في بؤس الدنيا بالنسبة إلى سخط الله وعذاب الآخرة، قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:31-35].

لولا أن يكون الناس أمةً واحدة لابتلى الله المؤمنين بأمورٍ لم تجر بها العادة؛ من الشدة والفقر، والضر والخوف والحزن، ولأعطى كل كافر كل نعيم، ولجعل كل مسلمٍ مؤمنٍ في عذابٍ وشدة؛ لكن الله يعلم برحمته وعلمه وحكمته أن الناس لا يطيقون ذلك، ولربما كفروا، ولذلك جرت العادة بنعيمٍ في الدنيا وعذابٍ هنا وهنا، ولكن الله سبحانه وتعالى يبتلي الصالحين على قدر دينهم، ولذلك ضاعف البلاء على الأنبياء، فالذي يطيق ضاعف عليه البلاء؛ ليجتبيه ويخلصه مما أصابه من آثام وأوزارٍ، وليرفع درجته، وليجعله عنده في المقام العالي.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يتبلى المرء على قدر دينه؛ إن كان في دينه رقة خفف له في البلاء، وإن كان في دينه قوة ضوعف عليه البلاء) وقد جاء في الصحيحين من حديث كعب بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها مرةً حتى يأتي أجله، ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية التي لا يصيبها شيءٌ حتى يكون انجعافها مرة واحدة) أي كالشجرة الصلبة القوية؛ شجرة الأرز التي لا تنكفئ ولا تنثني حتى يكون انقلابها مرة واحدة.

ولكن لا يعني ذلك أنه يغفل عن الكفار، ولا أنه لا ينعم على المؤمنين، بل ينعم هؤلاء ويبتلي أولئك، ولكن البلاء في أهل الدين أكثر، كما أن النعيم في أهل الشقاء والكفر أكثر، يهذب المسلم فيأنس بالمتاعب والمصاعب، ويتلقاها بالرضا والصبر والاحتساب؛ راجياً أن تكون له خيراً عند ربه، ولا يتمنى ما للآخرين فيحسدهم، ولا يسكن إلى السلامة والنعم، بل لو جاءته يتلقاها في خوفٍ وحذر ويخشى أن تكون استدراجاً من الله، فترغب نفسه في تصريفها في سبيل الله، فلا يبخل ولا يركن إلى الراحة، ولا يعجب بما أوتي، ولا يستكبر ولا يغتر.

ابتلاء الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه

لما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).

وقد ابتلى الله أيوباً بما هو مشهور معروف، وابتلى يعقوب بفقد ولديه، وشدد أثر ذلك على قلبه فكان كما قصه الله في كتابه: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [يوسف:84].

وابتلى محمداً صلى الله عليه وسلم فكلفه أن يدعو قومه إلى ترك ما نشئوا عليه تبعاً لآبائهم، ويصارحهم بذلك سراً وجهاراً، وليلاً ونهاراً، ويدور على نواديهم ومجتمعاتهم، استمر على ذلك ثلاث عشرة سنة وهم يؤذونه أشد الأذى، مع أنه كان قد عاش فيهم من قبل أربعين سنة لم يرد أنه أوذي فيها.

لقد كان من قبيلة شريفة، ونسبٍ محترمٍ موقر، في بيتٍ شريفٍ، نشأ على أخلاقٍ احترمه لأجلها الناس، ووقروه، ولقبوه بالصادق الأمين، وكان في غاية الحياء وعزة النفس، الذي يكون هذا حاله، واشتد عليه أن يؤذى ولو بكلمة، وأن يقال عنه: ساحر، أو كذاب، أو مجنون، أو به جنة، أو شاعر معلَّم علَّمه غيره.

يشتد عليه غاية الشدة أن يؤذى ويشق عليه غاية المشقة الإقدام على ما يعرضه إلى الأذى، لكنه مع ذلك أقدم مع ما لقيه من الأذى، هذا يسخر منه، وهذا يسبه، وذاك يبصق في وجهه، وهذا يضع رجليه على عنقه إذا سجد لربه، وهذا يضع سلى الجزور وأمعاءه على ظهره وهو ساجد، وهذا يأخذ بمجامع ثوبه ويخنقه، وهذا ينخس دابته حتى تلقيه، وأبو لهب عمه يتبعه يؤذيه ويحذر الناس منه في المجالس، وهو ذاهب يدعو في مواسم الحج يقول: كذاب مجنون.. لا تصدقوه، وهؤلاء يغرون به السفهاء فيرجمونه حتى تسيل رجلاه دماً، وهؤلاء يحاصرونه وعشيرته مدةً طويلةٍ في شعبٍ ليموتوا، وهؤلاء أيضاً يعذبون أتباعه، فيضجعونهم على الرمال في شدة الرمضاء، ويمنعونهم الماء.

منهم: من ألقي على أسياخ الحديد لم يطفئها إلا شحم ظهره لما سال عليها، ومنهم: امرأة عذبوها لترجع عن دينها، فلما يئسوا منها طعنها أحدهم بالحربة في مكان عفتها فقتلها، كل ذلك لا لشيءٍ إلا أنهم يدعون إلى الله سبحانه وتعالى؛ ليخرجوا هؤلاء الذين يعذبونهم من الظلمات إلى النور، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن سخط الله إلى رضوانه، ومن الباطل إلى الحق، ومن عذاب الله إلى نعيمه، ومع ذلك كان هذا هو ما لاقوه.

ابتلى الله عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم بأن قبض أبويه صغيراً، ثم جده، ثم عمه الذي كان يحامي عنه، ثم امرأته التي كانت تؤنسه وتخفف عنه، ولم يزل البلاء يتعاهده صلى الله عليه وسلم، فتدبر -يا عبد الله- كل هذا وانظر بم تخرج، وأي شيءٍ تستنتج؟

نخرج في أن ما نتنافس عليه من نعيم الدنيا، ونتهالك فيه ليس بشيءٍ إذا ما قورن برضوان الله والنعيم الدائم في جواره؛ لأن معنى ذلك أنه لما حرم الله أناساً من الدنيا وابتلاهم فيها وهم أولياؤه وأصفياؤه، يعني: أن هذا الابتلاء ليس بشيء بجانب ما أعد لهم في الآخرة.

ونخرج أيضاً أن ما نفر منه من بؤس الدنيا ومكارهها ليس بشيء بجانب سخط الله وعذابه في الآخرة، وأن الفقر والدَّين والمرض والوجع والألم، وابتلاء الناس وإيذاءهم ليس بشيء بجانب عذاب الله في الآخرة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة واحدةً، ثم يقال له: يـابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب) غمسة واحدة في النار أنسته كل نعيمٍ في الدنيا مر عليه، وكل حلاوة ذاقها (ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يـابن آدم! هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك بؤس قط؟ فيقول: لا والله يا ربي ما مر بي بؤس قط ولا رأيتُ شدةً قط) إن غمسة واحدة في النعيم قد أنسته كل ما مر به في سنين حياته في الدنيا من أنواع البلاء.

لما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).

وقد ابتلى الله أيوباً بما هو مشهور معروف، وابتلى يعقوب بفقد ولديه، وشدد أثر ذلك على قلبه فكان كما قصه الله في كتابه: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [يوسف:84].

وابتلى محمداً صلى الله عليه وسلم فكلفه أن يدعو قومه إلى ترك ما نشئوا عليه تبعاً لآبائهم، ويصارحهم بذلك سراً وجهاراً، وليلاً ونهاراً، ويدور على نواديهم ومجتمعاتهم، استمر على ذلك ثلاث عشرة سنة وهم يؤذونه أشد الأذى، مع أنه كان قد عاش فيهم من قبل أربعين سنة لم يرد أنه أوذي فيها.

لقد كان من قبيلة شريفة، ونسبٍ محترمٍ موقر، في بيتٍ شريفٍ، نشأ على أخلاقٍ احترمه لأجلها الناس، ووقروه، ولقبوه بالصادق الأمين، وكان في غاية الحياء وعزة النفس، الذي يكون هذا حاله، واشتد عليه أن يؤذى ولو بكلمة، وأن يقال عنه: ساحر، أو كذاب، أو مجنون، أو به جنة، أو شاعر معلَّم علَّمه غيره.

يشتد عليه غاية الشدة أن يؤذى ويشق عليه غاية المشقة الإقدام على ما يعرضه إلى الأذى، لكنه مع ذلك أقدم مع ما لقيه من الأذى، هذا يسخر منه، وهذا يسبه، وذاك يبصق في وجهه، وهذا يضع رجليه على عنقه إذا سجد لربه، وهذا يضع سلى الجزور وأمعاءه على ظهره وهو ساجد، وهذا يأخذ بمجامع ثوبه ويخنقه، وهذا ينخس دابته حتى تلقيه، وأبو لهب عمه يتبعه يؤذيه ويحذر الناس منه في المجالس، وهو ذاهب يدعو في مواسم الحج يقول: كذاب مجنون.. لا تصدقوه، وهؤلاء يغرون به السفهاء فيرجمونه حتى تسيل رجلاه دماً، وهؤلاء يحاصرونه وعشيرته مدةً طويلةٍ في شعبٍ ليموتوا، وهؤلاء أيضاً يعذبون أتباعه، فيضجعونهم على الرمال في شدة الرمضاء، ويمنعونهم الماء.

منهم: من ألقي على أسياخ الحديد لم يطفئها إلا شحم ظهره لما سال عليها، ومنهم: امرأة عذبوها لترجع عن دينها، فلما يئسوا منها طعنها أحدهم بالحربة في مكان عفتها فقتلها، كل ذلك لا لشيءٍ إلا أنهم يدعون إلى الله سبحانه وتعالى؛ ليخرجوا هؤلاء الذين يعذبونهم من الظلمات إلى النور، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن سخط الله إلى رضوانه، ومن الباطل إلى الحق، ومن عذاب الله إلى نعيمه، ومع ذلك كان هذا هو ما لاقوه.

ابتلى الله عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم بأن قبض أبويه صغيراً، ثم جده، ثم عمه الذي كان يحامي عنه، ثم امرأته التي كانت تؤنسه وتخفف عنه، ولم يزل البلاء يتعاهده صلى الله عليه وسلم، فتدبر -يا عبد الله- كل هذا وانظر بم تخرج، وأي شيءٍ تستنتج؟

نخرج في أن ما نتنافس عليه من نعيم الدنيا، ونتهالك فيه ليس بشيءٍ إذا ما قورن برضوان الله والنعيم الدائم في جواره؛ لأن معنى ذلك أنه لما حرم الله أناساً من الدنيا وابتلاهم فيها وهم أولياؤه وأصفياؤه، يعني: أن هذا الابتلاء ليس بشيء بجانب ما أعد لهم في الآخرة.

ونخرج أيضاً أن ما نفر منه من بؤس الدنيا ومكارهها ليس بشيء بجانب سخط الله وعذابه في الآخرة، وأن الفقر والدَّين والمرض والوجع والألم، وابتلاء الناس وإيذاءهم ليس بشيء بجانب عذاب الله في الآخرة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة واحدةً، ثم يقال له: يـابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب) غمسة واحدة في النار أنسته كل نعيمٍ في الدنيا مر عليه، وكل حلاوة ذاقها (ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يـابن آدم! هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك بؤس قط؟ فيقول: لا والله يا ربي ما مر بي بؤس قط ولا رأيتُ شدةً قط) إن غمسة واحدة في النعيم قد أنسته كل ما مر به في سنين حياته في الدنيا من أنواع البلاء.

على العبد أن يفكر في أعماله من الطاعة والمعصية، فالمؤمن يأتي إلى الطاعة راغباً نشيطاً لا يريد إلا وجه الله والدار الآخرة، فإذا عرضت له رغبة في الدنيا فعلى الله تعالى فيما يرجو عونه على السعي إلى الآخرة، فإن كان ولابد أن يأخذ بشيءٍ من الدنيا كان ذلك بما لا يشغله عن الدار الآخرة، يباشر الطاعة خاشعاً خاضعاً، مستحضراً أن الله يراه، ولذلك فهو يأتي بها على الوجه الذي شرعه، وقد قال الله عز وجل: يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60].

فإذا تصدق صدقةً خاف على نفسه من الرياء، وإذا قام الليل خاف على نفسه من العجب، وإذا فعل الطاعات كأن تعلم ودعا خاف على نفسه من الرياء، وأن يكون ذلك لأجل الخلق، فينقي نيته ويصحح قصده باستمرار.

هذا هو حال المؤمن، لا يزال ينقي نيته لأنه يعلم أن الله لا يقبل العمل بلا نية صالحة، وإذا أخذ من نعيم الدنيا شيئاً فإنما هو لكسر شهوةٍ لابد من كسرها، كشهوة الجوع والنكاح، وكذلك من أجل أن تتقوى نفسه على العبادة، يصحح النية في العبادة لكي لا تكون لأجل الناس، ولا يأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يعينه على استمراره للدار الآخرة، يجاهد نفسه ضد الشبهات والوساوس مستعيناً بطاعة الله، واقفاً عند حدوده، مبتهلاً إلى الله أن يثبت قلبه ويقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

الحذر من جعل العبادة عادة

والعبد يحذر أن تكون عبادته عادة، وبعض الناس يصوم ليصح، ويصلي التراويح لينهضم طعامه، ويصلي عادةً وليس عبادةً، فيكون كالذي اعتاد العبث بلحيته يجد نفسه تنازعه إلى ذلك حتى لو كف عن ذلك ومنع منه شق عليه.

يقوم للصلاة عادة لا احتساباً للأجر ولا زيادة في الخشوع، كالذي يأتي الجمعة ليتفرج على الناس ويلقى أصحابه، ويقف على أخبارهم؛ دون أن يكون له حظٌ في زيادة إيمانٍ، أو احتسابٍ للأجر فيمن خرج ومشى، وبكر، وابتكر واقترب ولم يؤذِ.

الحذر من الرياء في الطاعات

وبعض الناس يفعلون العبادات مراءاةً لينالوا المدح والثناء، وليعظم جاههم عند الخلق، وبعضهن ربما خرجت للصلاة لتلفت أنظار الرجال، كمن تخرج متزينة متعطرةً، وكبعض الذين يدعون صلاحاً ليعظّمهم الخلق، ويشتهر ذكرهم، وكالرئيس الذي يريد أن يتطاول الناس إلى رؤيته، وترتفع أصواتهم بمدحه وغير ذلك، والمؤمن وإن خلصت نيته في نفس الأمر لا يستطيع إلا أن يكمل المشوار عامداً إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ، ثم يخاف ألا تقبل الطاعة: يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] يخشى أن الله لا يقبل منه، ويجتهد في تصحيح العمل، فيعلم أن للصلاة شروطاً وأركاناً وواجبات، فيراعي أن يأتي بها على الوجه المطلوب، ويعلم أن روح الصلاة في الخشوع فيحذر نفسه، ويكون حاضر القلب والذهن وهو يقرأ آيات الله في الصلاة، ويتلو الأذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها.

هذه حال المؤمن في الطاعات، فما عسى أن تكون حاله في المعاصي؟

قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] فالمؤمن يتصارع إيمانه وهواه، قد يطوف به الشيطان فيغفله عن قوة إيمانه، فلا تصفو له لذة، ثم لا يكاد جنبه أن يقع على الأرض حتى يتذكر فيستعيد قوة إيمانه، فيعض أنامله أسفاً وحزناً على غفلته التي أعان بها عدوه على نفسه، وكيف سمح للشيطان أن يجري ولو بفكره وراء وساوس الشيطان.

والعبد يحذر أن تكون عبادته عادة، وبعض الناس يصوم ليصح، ويصلي التراويح لينهضم طعامه، ويصلي عادةً وليس عبادةً، فيكون كالذي اعتاد العبث بلحيته يجد نفسه تنازعه إلى ذلك حتى لو كف عن ذلك ومنع منه شق عليه.

يقوم للصلاة عادة لا احتساباً للأجر ولا زيادة في الخشوع، كالذي يأتي الجمعة ليتفرج على الناس ويلقى أصحابه، ويقف على أخبارهم؛ دون أن يكون له حظٌ في زيادة إيمانٍ، أو احتسابٍ للأجر فيمن خرج ومشى، وبكر، وابتكر واقترب ولم يؤذِ.

وبعض الناس يفعلون العبادات مراءاةً لينالوا المدح والثناء، وليعظم جاههم عند الخلق، وبعضهن ربما خرجت للصلاة لتلفت أنظار الرجال، كمن تخرج متزينة متعطرةً، وكبعض الذين يدعون صلاحاً ليعظّمهم الخلق، ويشتهر ذكرهم، وكالرئيس الذي يريد أن يتطاول الناس إلى رؤيته، وترتفع أصواتهم بمدحه وغير ذلك، والمؤمن وإن خلصت نيته في نفس الأمر لا يستطيع إلا أن يكمل المشوار عامداً إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ، ثم يخاف ألا تقبل الطاعة: يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] يخشى أن الله لا يقبل منه، ويجتهد في تصحيح العمل، فيعلم أن للصلاة شروطاً وأركاناً وواجبات، فيراعي أن يأتي بها على الوجه المطلوب، ويعلم أن روح الصلاة في الخشوع فيحذر نفسه، ويكون حاضر القلب والذهن وهو يقرأ آيات الله في الصلاة، ويتلو الأذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها.

هذه حال المؤمن في الطاعات، فما عسى أن تكون حاله في المعاصي؟

قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] فالمؤمن يتصارع إيمانه وهواه، قد يطوف به الشيطان فيغفله عن قوة إيمانه، فلا تصفو له لذة، ثم لا يكاد جنبه أن يقع على الأرض حتى يتذكر فيستعيد قوة إيمانه، فيعض أنامله أسفاً وحزناً على غفلته التي أعان بها عدوه على نفسه، وكيف سمح للشيطان أن يجري ولو بفكره وراء وساوس الشيطان.


استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3615 استماع
التوسم والفراسة 3614 استماع
مجزرة بيت حانون 3543 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3500 استماع
اليهودية والإرهابي 3429 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3429 استماع
حتى يستجاب لك 3396 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3376 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3350 استماع
الزينة والجمال 3339 استماع