حكم المشاركة في أعياد الكفار


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]. أما بعد:

فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

ومن أعظم البدع والضلالات التي هي في النار مشابهة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، ومن مقاصد شريعة الإسلام تمييز شخصية المسلم عن كل ما يخالطها من شعائر أهل الكفر، لتبقى هذه الشخصية نقية متميزة عن غيرها من شخصيات أهل الأرض، ومن مقصود هذا الدين إعلاء الإسلام وعزله عن شوائب الشرك، وإظهار ميزاته وتفرداته عن سائر الملل والأديان، ولذلك كان من أخص خصائص هذا الذين اتباع السنة والابتعاد عن مشابهة الكفار في كل صغيرة وكبيرة، ولذلك فإنك تجد ربنا عز وجل قد تكلم بهذه الآيات الدالة على تمييز الملة الإسلامية وأهلها عن سائر الملل: وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [المائدة:48] ويقول: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48].

فشريعتكم غير شريعتهم، ومنهاجكم غير مناهجهم: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:5-6] ودينكم غير دينهم، وجاءت هذه الملة الحنيفية ناسخة لسائر الملل من قبلها، مستعلية عليها، وصار هذا الإسلام بحمد لله دين الله القويم، وكان مهيمناً على الدين كله من قبل.

ولذلك تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين بقوله: (من تشبه بقوم فهو منهم) وهذه قاعدة أساسية من قواعد هذا الدين في تحريم التشبه بالكفرة، وقال في أكثر من مناسبة: (خالفوا المشركين) وأنت تقرأ في الصلاة سورة الفاتحة، وفيها قول الله عز وجل: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] لا اليهود ولا النصارى، بل اهدنا لطريق الحق وسبيله الذي ليس مثل سبيل اليهود ولا سبيل النصارى.

اهدنا الصراط المستقيم، صراطاً مستقيماً لا يشابه سبيل اليهود ولا النصارى ولا سائر الكفار، ولذلك نجد في شريعتنا الأمر بمخالفة الكفرة في كثير من الأمور منها: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، والصلاة بالنعال خصوصاً إذا كان المكان مناسباً، وتوجيه قبور المسلمين إلى الكعبة بخلاف قبور الكفار، وكثير جداً من الأمور التي أُمرنا فيها بمخالفة الكفار وعدم مشابهتهم، حتى صيام يوم عاشوراء نصوم يوماً قبلهم أو يوماً بعدهم تحقيقاً لهذه المخالفة، ونحن أحق بموسى منهم وهو يوم نجى الله فيه موسى، ولكن تمعناً في المخالفة، حتى أن اليهود تضايقوا أشد المضايقة فقالوا: ما ترك صاحبكم شيئاً إلا خالفنا فيه.

ومن الأمور الخطيرة التي أُمرنا بمخالفتهم فيها: قضايا الأعياد، والعيد اسم لما يعود ويتكرر، وقد يكون عيداً سنوياً، أو شهرياً، أو أسبوعياً، أو أكثر من ذلك، فسمي عيداً، ونحن المسلمون لنا ثلاثة أعياد فقط، عيدان سنويان وعيد أسبوعي، عيد الفطر وعيد الأضحى في السنة، والجمعة عيد الأسبوع، وليس لنا أعياد أخرى غير هذه البتة، والعيد يرتبط بالعقيدة ارتباطاً وثيقاً، وليس هو مناسبة فرح وعادات فقط، والذي يظنون أن الأعياد مسألة عادات فقط فهم أناس ما فقهوا دين الله، لا عندنا ولا عند غيرنا، الأعياد مرتبطة بالدين.

فانظر مثلاً عيد الفطر يعقب صوماً، وفيه زكاة الفطر وصلاة العيد أهم شعائر ذلك اليوم، وعيد الأضحى بالإضافة للصلاة هناك نحر الأضحية تقرباً إلى الله، وهو أعظم أيام السنة، والأيام التي بعده من أيام التشريق أيام أكل وشرب، وتأمل كيف أن الشارع أمر بالفطر في هذين اليومين وحرم الصيام يومي العيد.

فالمسألة إذاً مرتبطة بالدين وليست مسألة عادات، وعند الكفرة من اليهود والنصارى أعيادهم أيضاً مرتبطة بدينهم ويقومون فيها بطقوس من صميم عقيدتهم، وليست قضية عادات وتقاليد.

ومن الأدلة الدالة على وجوب مخالفة اليهود والنصارى في أعيادهم وعدم مشاركتهم فيها البتة، قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72] فهي صفة مهمة من صفات المؤمنين: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72]. قال محمد بن سيرين : هو عيد الشّعانين عند النصارى، عيد يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصل، ويحتفلون فيه بحمل السعف، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول بيت المقدس . فانظر إلى ارتباط العيد عندهم بقضية دينية وليست قضية عادات وتقاليد.

وقال مجاهد : الزور أعياد المشركين. وكذا قال الربيع بن أنس.

وقال عكرمة : لعبٌ كان لهم في الجاهلية مؤقت بأوقات معينة.

وعن الضحاك قال: عيد المشركين.

وقال بعضهم: لا يشهدون الزور أي: لا يمالئون أهل الشرك على شركهم، ولا يخالطونهم.

فإذاً هذه الآية: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72] نص صريح في عدم جواز مشاركة الكفار في أعيادهم، وإذا كان الله قد قال: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ [الفرقان:72] مجرد الشهود والحضور لا يجوز، فكيف بالمشاركة والممارسة معهم لأحوال ذلك اليوم وذلك العيد! وانظر كيف سماه الله زوراً، وهذا من أدلة التحريم: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72] فسماها زوراً، وروى أبو داود عن أنس قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ولأهل المدينة يومان من أيام الجاهلية يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) إسناده صحيح على شرط مسلم .

والإبدال يقتضي ترك المبدل، فبدلهم الله بهذين اليومين يومين آخرين هما الفطر والأضحى، وهذا يقتضي ترك الأيام السابقة، وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً بـبوانة -موضع قريب من مكة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيهما وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) بعد أن تأكد بأنه ليس في هذا الموضع مكان لعيد للكفار ولا وثن من أوثانهم، وإسناده صحيح على شرط الشيخين وأصله فيهما.

فإذا كان صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح في مكان العيد مع أنه قد لا يكون في ذلك الوقت عيد، لكن مجرد أن هذا المكان يجتمعون فيه يوماً من الأيام لا يجوز الذبح فيه؛ لعدم إحياء تلك البقعة؛ لأن المشركين يعيدون فيها، فكيف بمن وافقهم في نفس العيد؟ وكيف بمن فعل معهم بعض الأعمال التي تفعل في عيدهم؟ وبهذا الحديث يتبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً أشد الحرص على طمس أعياد الكفرة وإزالتها، ودرسها وعدم إحيائها البتة، واقتلاعها من جذورها.

والعيد أيها الإخوة! عندنا وعند غيرنا، مع ما فيه من صلاة أو ذكر أو نسك، يجتمع معه عادات مثل التوسع في الطعام واللباس واللعب، فإذاً ليس العيد قضية فرح وتوسع باللباس والمأكل والهدايا فقط، وإنما هو مرتبط بالعقيدة وبالدين وبالملة.

ومن الأدلة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل أبو بكر عليه يوم العيد وجد عنده جاريتان تغنيان في بيت رسول الله، فنهرهما أبو بكر فقال: (دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا) عيدنا نحن مختص بنا، ولكل قوم عيد مختص بهم.

هذا دليل آخر على تميز المسلمين بأعيادهم وعدم مشاركة الكفرة، وبالمناسبة أقول: احتج بعض التافهين السفهاء بجواز الأغاني والمعازف الموجودة والمنتشرة بهذا الحديث، من الذي كان يغني؟ جاريتان صغيرتان، هل ورد في الحديث أن معهما معازف؟ كلا، إذاً هو بالصوت لبنتين صغيرتين، كلام طيب وإلا ما وافقه رسول الله، كلام طيب لبنتين صغيرتين بدون معازف، هل يدل على هذه الأغاني الموجودة الآن؟ اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

وكذلك حديث: (فإن الله أضل عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة) رواه مسلم .

ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن إفراده بالصوم لما فيه من معنى العيد.

الأعياد من أهم ما تتميز به الشرائع والأديان، والمشاركة في أعياد الكفرة تتراوح بين المعصية والكفر، قد تكون معصية، وقد تكون كفراً، وفيها من المخاطر أمورٌ كثيرةٌ جداً، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم بحثاً في هذا الموضوع، لا أظن أنه يوجد في مكان آخر لغيره، واشتكى فيه شيخ الإسلام رحمه الله من حال المسلمين المجاورين للكفار في بلادهم.

بلاد المسلمين واسعة، فمنها ما هو في القلب، مثل جزيرة العرب ، ومنها ما هو في الأطراف، مثل حال بلاد الأندلس الملاصقة للنصارى ومنذ زمن كان الإسلام يهيمن على تلك الديار، فاشتكى شيخ الإسلام رحمه الله من تغير حال المسلمين الملاصقين لبلاد الكفار من تلك البلاد، فقال: لقد صار من حال المسلمين فيها أمراً عجيباً -معنى كلامه- قل علمهم وإيمانهم فصاروا يشاركون الكفرة في أعيادهم، حتى صارت مشاركتهم لأعياد الكفار أبهى في أنفسهم وأعظم من أعياد المسلمين، لما يفعلونه في أعياد الكفار من الهدايا والخروج والاجتماع والنفقات والكسوة للأولاد.

وإذا علمنا أيها الإخوة أنهم يشاركون النصارى في أكل البيض واللحم واللبن والخروج في الخميس إلى تبخير البخور، ويأخذون معهم ذبائح يزفونها بناقوس صغير، وكثير من المسلمين يفعلون ذلك كما ذكر شيخ الإسلام في ذلك الزمن، حتى أنه كان في يوم الخميس تبقى الأسواق مملوءة من أصوات هذه النواقيس الصغيرة، وكلام المنجمين، وتباع فيها صور الحيات والعقارب التي يلصقونها في بيوتهم؛ لزعمهم واعتقادهم أنها تمنع السموم، وتمنع العين، وكانوا يصبغون أبوابهم ومراكبهم ودوابهم بالطين الأحمر أو الخلوط مشابهة للنصارى لما يفعلونه، ويحملون أوراق الزيتون، ويكشفون رءوسهم لاعتقادهم بأن مريم تمر فوق رءوسهم فتنـزل عليهم بالبركة.

إذا تأملنا في شروط أهل الذمة التي تمنع الوصول إلى هذا المستوى التي شرطها عليهم عمر رضي الله عنه، تعلمون عظمة هذا الدين، فإن عمر رضي الله عنه شرط على أهل الذمة توقير المسلمين، والقيام لهم من مجالسهم إذا أراد المسلمون أن يجلسوا فيها، ولا يتشبهون بهم في شيء، لا في اللباس ولا غيره، ولا يفرقون رءوسهم؛ لأن الفرق من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسدال من عادات اليهود والنصارى، فألزمهم بإسدال شعورهم وعدم فرقها، ولا يتكنون بكنى المسلمين ولا يتقلدون سيفاً ولا سلاحاً، ولا ينقشون خواتيمهم بالعربية، وأن يشدوا الزنانير على وسطهم حتى يتميزوا عن المسلمين، ولا يظهرون صليباً على كنائسهم ولا كتباً، ولا تبنى كنائس جديدة، وبالنسبة للكنائس القديمة في البلاد التي فتحها المسلمون، فلا يظهر الصليب فوق الكنيسة، ولا تباع كتبهم وأناجيلهم، ولا يضربون بنواقيسهم في الكنائس إلا ضرباً خفيفاً لا يسمع من خارج الكنيسة، ولا يرفعون أصواتهم في صلواتهم، ولا يبيعون خمراً، ولا يجاورون مسلماً بخنازير، ولا يخرجون في باعوث، وهذا عيد من أعيادهم، يخرجون فيجتمعون فيه، فإذا تأملنا هذه السنن التي شرطها عليهم أمير المؤمنين، كيف يوجد فيها من الصغار عليهم وإذلالهم، وكبت دينهم وشعائرهم حتى لا تظهر أمام المسلمين، تميزاً لهذه الملة وأهلها عن تقاليد الكفر وشعائرهم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يميزون هذا الدين، ويحافظون على نقائه، وصلى الله على نبينا محمد.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله الذي لا إله إلا هو لا شريك له، لم يكن له صاحبة، ولم يتخذ ولداً، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى سائر إخوانه من الأنبياء، وصحابته من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الإخوة! أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أننا سنقلد اليهود والنصارى، بلام التوكيد والنون: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وحتى لو أن أحدهم نكح أمه علانية، لكان في أمتي من يفعل ذلك) وكلام رسول الله وحي يوحى، فهو لا ينطق عن الهوى، وما أخبرنا به قد حصل، فأنت ترى اليوم واقع بلاد المسلمين من جهة مشاركتهم للكفار في أعيادهم أمراً مؤلماً وواقعاً سيئاً، هذه المشابهة التي تهنئ فيها النصراني بعيد رأس السنة مثلاً، أو تشاركه فيه، فإن هذا إقرار ضمني منك ولو غير صريح على عقيدته ودينه ومنهجه.

إقرار غير صريح منك على هذا الأمر، بل إنهم سيغتبطون سروراً عندما يرون المسلمين يشاركونهم في أعيادهم، وإن المشرك ليتمنى أن موحداً يشاركه في عيده، لكي يحس بأنه لا فرق بين الأديان، وأن الكل سواء، ولا يحس بخطئه هو. ومن المقاصد من وراء عدم مشابهة الكفار تحسيسهم بغربتهم وتحسيسهم بخطئهم، وأننا لماذا لا نشاركهم؟ لأنها خطأ، شرك، فعندما تشاركهم وتهنئهم كأنك تقول لهم: ليس عليكم ضير في هذا الدين، فنحن نفرح معكم، ونسر كما تسرون، وكم في هذا من إماتة لشعائر الإسلام! وكم في هذا من إقرار لأهل الباطل على باطلهم إقراراً لا يرضاه الله!

ويتربى أطفالنا اليوم منذ الصغر على التشوق لهذه الأيام -أيام رأس السنة واحتفالات عيد الميلاد كما يقولون- لما يأتيهم من الهدايا والحلويات في هذه الأيام في كثير من بلدان المسلمين، فصار الأطفال من الصغر يتوجهون قلبياً لهذه الأيام.

المشابهة والمشاركة تسبب التآلف

واعلموا أن مشابهة اليهود والنصارى بمشاركتهم في أعيادهم تجر إلى المشاركة في أمور أخرى تسبب نوعاً من التآلف معهم، ألا ترى أن أصحاب المهنة الواحدة! النجار يميل إلى نجار مثله، وصاحب سيارة الأجرة يميل إلى مثيله؛ لاشتراكهم في صنعة واحدة، وهي قضية دنيوية، بل إن الذي يسير في الشارع في سيارة ويرى أمامه سيارة مماثلة لسيارته التي يركبها تماماً، يشعر بنوع من التقارب لصاحب هذه السيارة شاء أم أبى، هذه الطبيعة ركبها الله في النفس، فإذا شاركناهم في أعيادهم؛ فإن هذا مشابهة لهم توجب تقارباً وتآلفاً شئنا أم أبينا.

كيف نشعر بعدائنا لليهود والنصارى، وكيف نشعر أن دينهم شرك، وكيف نتبرأ من شركهم ونعلن أن هذا لا يرضاه الله ثم نشاركهم في أعيادهم؟! لا يمكن أن يجتمعا.

محرمات في أيام أعياد الكفار

واحذروا من طاعة كثير من النساء في مثل هذه الأيام اللاتي يردن الذهاب للتفسح والسفر في مثل هذه الأيام.

ومن الأشياء المحرمة تخصيص أيام معينة لطبخات معينة، كما يفعل اليهود والنصارى؛ مثل أكل رز باللبن في أيام معينة في السنة، أو البسيسة وربما تكون هي البسبوسة، أو العدس أو البيض المصبوغ كما يفعلون، بيض ملون بألوان مختلفة، يفعلونه في عيد من أعيادهم، مثل عيد الربيع عندهم وأعياد أخرى، يصبغون البيض بألوان مختلفة ويوزعونه على الأطفال، أو الاغتسال بغسالة ورقة الزيتون كما يعتقدونه، أو التعطيل في أيام عيدهم، تعطيل الصنائع والتجارات والوظائف، فإنها من أكبر المحرمات لما في ذلك من مشاركتهم في عيدهم، ويقول شيخ الإسلام رحمه الله مضيفاً: والواجب أن تجعل أيام عيدهم عندنا كسائر أيام السنة دون قطع، طمساً لهذا الدين المحرف، ولا يعين المسلم على التشبه بهم، ولا تجاب دعوتهم إلى ولائمهم في تلك الأعياد، وقال شيخ الإسلام : ولا تقبل هداياهم التي يهدوننا إياها بمناسبة عيدهم، تقول: لا. آسف لا أقبل منك: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6].

وكذلك لا يجوز بيعهم ما يستعينون به على شعائر أعيادهم مثل الديك الرومي، وإذا علمت أن المشتري واحد منهم أو يريد أن يعينهم، لكن بيع الديك الرومي في سائر أيام السنة لا بأس به، وبيعه لمسلم بالطريقة العادية لا بأس به، لكن بيعه لكافر تعلم أنت أنه سوف يستعين به على إظهار شعائر دينه لأن من تقاليده في أعيادهم طبخ الديك الرومي فلا يجوز، ولا يجوز تأجيرهم الصالات ولا الفنادق لإقامة احتفالاتهم، لأن في ذلك رفعاً لدينهم وإظهاراً لأعيادهم، والله يأبى ذلك، وما يفعلونه ليلة خمسة وعشرين من ديسمبر، ويوم خمسة وعشرين من الشهر نفسه فيه من المنكرات ما الله به عليم، وفي الساعة العاشرة ليلاً أكثر من تسعين في المائة من الشعب الأوروبي والأمريكي يكونون سكارى في هذا اليوم، ويعملون الولائم ويخصصون لها الأكلات المعينة، ويلبسون ثياباً مثل ثياب المهرجين، وبعضهم يمثل دور بابا نويل كما يقولون، الذي يسمونه سنتا كلوز، شيخ بلحية بيضاء يوزع الحلويات على الأطفال، والبيت الذي ليس أمامه شجرة عيد ميلاد عندهم هو بيت بؤس وتعاسة، حتى أن فقراءهم يتقاسمون هذه الشجرة، ويزينونها بالأنوار، ويجعلون الحلويات التي تقدم إلى الأطفال على شكل عكاز بابا نويل، وطبعاً بعض أطفال المسلمين يشترون ذلك ويأكلون منه، أو على شكل دمى مثل بابا نويل أو غيره.

وقبل الساعة الثانية عشرة ليلاً بدقيقة تطفأ الأنوار في رأس السنة، وترتكب أنواع الفواحش، يودعون السنة التي أعطاهم الله إياها بأنواع الفواحش.

ويقولون: وألقى كثير من الشباب المخمرين أنفسهم في النافورة الكبيرة المشهورة في ميدان الطرف الآخر في مدينة لندن ، يشربون الخمر ويلقون أنفسهم في النوافير ابتهاجاً في تلك الليلة بهذا اللعب.

وما يحدث من المسلمين من المشاركة سيأثمون عليه عند الله إن لم يغفر الله لهم، ويتوبوا إلى الله من هذا، مثل إرسال بطاقات المعايدة لهم المخصصة لتلك الأعياد، أو تهنئتهم مثلما يقولون: هبي النورين ونحو ذلك، أو ميري كرسميس ونحو ذلك، ولا يجوز تبادل الهدايا بهذه المناسبات، وبعض المسلمين يتعمد زيارة الكفار في بيوتهم مع ما فيها من المنكرات والفواحش بيتاً بيتاً، وبعض المسلمين يسافرون إلى بلاد أخرى لحضور هذه المناسبات، وبعض المسلمين يشترون الهدايا لأولادهم في هذه المناسبات، حتى أنهم شابهوا الكفرة في إعطاء الشراب الأحمر للطفل الصغير ليجمع فيه الحلويات والهدايا واللعب، ويضعونها لهم تحت وسائدهم، كما يفعل النصارى.

وتوقد الشموع في هذه المناسبات، وتجلب الأشجار حتى وهي اصطناعية.

وبالمناسبة حتى تعلموا أن القضية متعلقة بالدين، وليست قضية عادات وتقاليد وأفراح فقط، يزعمون أن هذه الشجرة هي التي ولد عيسى تحتها، فهي شجرة خير وبركة، فلذلك يجلبونها ويضعونها ويزينون بها مقدمات بيوتهم وأبوابها.

وبعض المسلمين من السذج البسطاء يقولون: لماذا تقيمون الدنيا وتقعدونها، هم يهنئوننا في أعيادنا، أفلا نهنئهم في أعيادهم؟ أفلا نقابل الإحسان بالإحسان؟ نقول: إذا كنت أنت تعلم أنك على الحق، وهم هنئوك بعيدك اعترافاً منهم فالحمد لله، لكن إذا كنت تعلم أنهم على الباطل فكيف تهنئهم بعيدهم؟ كلامك يقال عندما يكون الدينان سواء، النصرانية مثل الإسلام كلها صحيحة، عند ذلك تهنئهم ويهنئونك! لكن إذا كنت تعلم أن الله قال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73].. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:72].

كفروا وخرجوا عن الملة وعادوا الدين وأهله، ثم تهنئهم بأعيادهم!!

وكذلك أيها الإخوة فإنما يجب أن نسعى بالتواصي بالحق والصبر، والحمد لله إن لبعض الجهات المسئولة إسهاماً جيداً في هذا الأمر، نسأل الله أن يوفق هؤلاء المسئولين المخلصين إلى إقامة شعائر الدين، وكبت شعائر أهل الكفر والزيغ.

اللهم إنا نسألك أن تقيمنا على الملة الحنيفية من غير اعوجاج، اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك ظاهراً وباطناً، اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، واللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل التوحيد أحياءً وأمواتا، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أفغانستان في هذا الشتاء، اللهم كن لهم معيناً وناصراً يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا من أهل السنة في لبنان وفلسطين ، اللهم اكبت اليهود والعنهم، اللهم أخزهم ودمرهم.

اللهم إنهم عاثوا في بلاد المسلمين فأظهروا فيها الفساد، اللهم صب عليهم سوط عذاب، اللهم أرنا فيهم يوماً كيوم فرعون وعاد وثمود، اللهم واجعل نصرة الموحدين من هذا الدين قريبة، اللهم لولا ثقتنا بك ما دعوناك، اللهم لا تخيب رجاءنا فيك يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام نصراً مؤزراً، وأعل كلمته على سائر الملل وأديان الكفر المنحرفة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.