محرمات استهان بها الناس [1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون! لقد أوجب الله على عباده طاعته، وحرم عليهم معصيته، وكان ذنب إبليس لعنه الله أنه عصى ربه معصية عظيمة، كان سببها الكبر، إذ قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12] فلعنه الله وأعطاه بحكمته المهلة إلى قيام الساعة؛ فتعهد إبليس بإضلال البشر وإغوائهم، بشتى أنواع الإغواء وتعهد بإيقاعهم في حبائل المعصية، كبيرها وصغيرها.

والذنوب تنقسم إلى قسمين: كبائر وصغائر دل عليها قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] وهي صغائر الذنوب.

والمشكلة في هذا الزمان -أيها الإخوة- أن الناس عدوا أموراً من الكبائر ظنوها من الصغائر، وثانياً: أنهم استهانوا بأمور من الصغائر استهانة ألحقتها بالكبائر.

وقد اختلف أهل العلم في الكبائر ما هي؟ هل هي محدودة بحد أو بعد؟

فمنهم من قال: إنها محدودة بعدٍ فعدها بسبعين، وبعضهم أوصلها إلى تسعين، وظن بعض الناس أن بعض الكتب المؤلفة في الكبائر هي التي تحصر الكبائر فقط، وأنه لا يوجد كبائر غيرها، وبعض أهل العلم قال: إنها ليست محدودة بعدٍّ ولكن الحد فيها: هو كل معصية ورد فيها لعن، أو غضب، أو طرد من رحمة الله عز وجل، أو نفي الإيمان عن صاحبها (والله لا يؤمن) مثلاً، أو وعيد بالنار، أو بنوع من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، في الدنيا مثل إقامة الحدود ونحوها، ولعل هذا التعريف جامع لأنواع كثيرة من الكبائر.

والأمر الثاني أيها الإخوة: وهو أن بعض الناس قد استصغروا أشياء من الكبائر، أو أنهم قد احتقروا صغائر الذنوب التي يعملونها، خلافاً لاعتقاد الصحابة رضوان الله عليهم كما وقع في حديث أنس عند البخاري رحمه الله: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر -ترونها تافهة جداً- كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) وكما وقع لـابن مسعود رضي الله عنه في معنى قوله: [إن المؤمن يرى ذنوبه كجبل يوشك أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا، فطار] وهذا معنى أن الناس اليوم يحتقرون الذنوب، وقد يقترن بالذنب الصغير، فبالتهاون به واحتقاره وتكراره والإصرار عليه ما يجعله كبيرة من الكبائر، وهذا معنى قول علمائنا: لا صغيرة مع الإصرار -فإنها مع الإصرار تصبح كبيرة- ولا كبيرة مع الاستغفار، إذ إن التوبة تمحو الذنوب.

الرشوة

وإليكم أيها الإخوة طائفة من الذنوب المذكورة في القرآن والسنة التي استهان بها كثير من الناس حتى أصبحت عندهم لا شيء، أو أنهم يعتقدون أنها ليست بذنوب أصلاً، وتأمل العذاب المقترن بها في الآية أو الحديث لتعلم منزلة هذه المعصية عند الله عز وجل، فمثلاً: يقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188] هذه الآية نص في تحريم الرشوة التي يدفعها الراشي إلى الحاكم كالقاضي، أو الموظف والمسئول في أمر من الأمور؛ فيحكم له بالحق مع أنه على الباطل، أو يحكم على خصمه بالباطل مع أن خصمه على الحق، هذا المال الذي يدفع إلى هذا الحاكم الذي يفصل بين الأمور هو الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم دافعه وآخذه: (لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم) حديث صحيح.

وتأمل ما فعلت الرشوة اليوم في أحوال الناس، من تضييع الحقوق، وتفويت الحق على أهله، ومن أخذ كثير من الناس لأمور ليست من حقهم، وإنما هي بأموال توصلوا بها إلى إبطال الحق وإحقاق الباطل، وهذا لعمر الله من الأمور التي تهدم المجتمعات، إذ إنها من الظلم الذي لا يرضاه الله، وإن سماها كثير من الناس بأسماء يوهمون بها أنفسهم وغيرهم أنها ليست رشوة، وهي عين الرشوة، كما يسميها بعضهم بالحلاوة ونحوها، قاتلهم الله!

الفرح بالمعصية وحب الحمد بغير فعل

ومنها كذلك: الفرح بالمعصية، وحب الحمد بغير فعل، كما قال الله عن أهل ذلك: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:188] وتأمل حال كثير من العصاة اليوم الذين يباهون بالمعاصي التي ارتكبوها ويتبجحون بها في المجالس، ويرون الناس صورهم حال ملابستهم للفسق والمعصية، ويتباهون بذلك ويقولون: سافرنا وعملنا، وفعلنا وارتكبنا، دون حياء من الله ولا خلقه: (يصبح أحدهم وقد ستره ربه، وهو يكشف ستر الله عليه) هؤلاء الذين يفرحون بالمعصية، وفي الوقت ذاته أيضاً يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فترى أحدهم يحب أن تنسب إليه الأعمال العظيمة التي ليس له فيها مغرز إبرة، وليس له فيها جهد ولا عمل ويحب أن يقال عنه: إنه هو الذي فعلها وهو الذي ابتدأها، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب، والذين ينتحلون أعمال الآخرين، ليوهموا الناس أنهم هم الذين فعلوها، هذا من الظلم والتزوير، وهو واقع ومنتشر في المجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله!

قتل المرء نفسه

وكذلك ينظر بعض الناس إلى المنتحر على أنه مسكين، ويعذرونه بأعذار شتى، ويظنون بأنه لا ذنب له، وأن المجتمع هو الذي جنى عليه. قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء:29-30]، قال صلى الله عليه وسلم: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا) وتأمل الأخبار التي تسمعها عن الناس اليوم ممن قتلوا أنفسهم بالسلاح بأنواعه أو بأخذ جرعات زائدة كبيرة من الدواء، أو من يقتلون أنفسهم بالمخدرات وهؤلاء كثر، والمخدرات سم لمن يعرفها ويعرف شأنها، وكل الناس يعلمون ذلك، والذي ألقى بنفسه من شرفة العمارة أو سطحها ونحوه فقتل نفسه، هؤلاء الذين ظنوا بأنهم قد نجوا من العذاب، إنهم قد رموا بأنفسهم في عذاب الجحيم.

ينبغي -أيها الإخوة- أن نعلم الناس الصبر على أقدار الله، وأن نشيع في أنفسهم أجواء الأمل برحمة الله، وعدم اليأس والقنوط من رحمته عز وجل، وضعف الإيمان هو الذي يؤدي في لحظات اليأس القاتل إلى أخذه لتلك السموم وإلى قتل نفسه؛ فهو يتردى في جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا.

كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل به جراحٌ فقتل نفسه فقال الله: (عبدي ابتدرني بنفسه فحرمت عليه الجنة) وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرحٌ، فجزع، فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، فقال الله: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة).

تغيير خلق الله

ومن الأمور الشائعة أيضاً بين الخلق: تغيير خلق الله عز وجل، تغيير الخلقة التي خلق الله الناس عليها، وهذا هو عين ما توعد به إبليس فيما قال الله تعالى عنه: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [النساء:119-120] وتغيير خلق الله في هذا الزمان قد زاد وأربى وصار متفشياً عظيماً، فمن ذلك: وصل الشعر بأن يضاف فيه ما ليس منه، كما لعن صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، بل إن المرأة لما جاءته فقالت: (إن ابنتي أصابتها الحصبة فامَّرق شعرها، وإني زوجتها أفأصل فيه؟ قال صلى الله عليه وسلم: لعن الله الواصلة والموصولة) وجاءت المرأة قالت: (يا رسول الله! إن لي بنتاً عروساً، وإنها تشكت فتحرق شعرها -وفي رواية: فتمعط شعرها- فهل علي جناح إن وصلت لها فيه؟ فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة) ومن ذلك الوشم الذي لعن صلى الله عليه وسلم من فعله: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) وكان بعض الجاهلية يعتقدون أنه يدفع العين، فيضعون هذه الرسومات تحت الجلد بهذه المواد التي يحقنونها فيها حتى يصبح الوشم علامة لا تزول، هذا الوشم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وأخبر أنه تغييرٌ لخلق الله عز وجل.

وأنت أيها الأخ الكريم تسمع بين حين وآخر بالعمليات التي يسمونها عمليات التجميل، من تصغير الأنف، أو الثدي ونحو ذلك، هؤلاء ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل طبيب يجري عملية فيها تغيير لخلق الله فهو ملعون على لسانه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك برد الأسنان والأخذ منها وتفليجها بالمبرد ونحوه، لعن صلى الله عليه وسلم المتفلجات للحسن، فإجراء العمليات التي يقصدون منها التجميل والتحسين زيادة أو نقصاناً على ما خلقهم الله عليه، إنهم ملعونون على لسانه صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل في ذلك عمليات تقويم الأسنان فإنها ليست تفليجاً ولا برداً ولا إزالة، ولا يدخل في ذلك العمليات الناتجة عن إزالة التشويه، كالأصبع الزائد، أو الحروق فإنها ليست داخلة، وإنما المقصود خلقة خلقها الله عليه لم يحدث فيها تشويه يذهب هو ويعمل العمليات ليحسنها فهو ملعون على لسانه صلى الله عليه وسلم، وانظر ماذا فعلت عمليات التلاعب بالجينات الوراثية في خلق الله؟ وأنتم تقرءون على صفحات المجلات والجرائد العشرات من هذه الأحوال، إنه فعل إبليس: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119].

الجلوس في المجالس التي يُكْفَر فيها ويُستهزأ فيها بالدين وأهله

ومن الأمور التي تساهل الناس فيها: الجلوس في المجالس التي يُكْفَر فيها ويستهزأ فيها بآيات الله: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:138-140] كم من المسلمين اليوم يجلسون مع أناس يستهزئون بدين الله، ويلمزون شرع الله، أو عباد الله الصالحين، لا لشيء إلا لأنهم تمسكوا بدين الله، أو يعترضون على حكم الله وشريعته، ويقرون في مجالسهم غير شرع الله عز وجل، ويعتبرون أن الدين رجعية، وأن الشرعية تخلف، وأنها لا تناسب هذا الزمان، وأنه يجب الأخذ من قوانين الشرق والغرب، إلى غير ذلك من الأمور، ويلك! ثم ويلك! ثم ويلك! إن جلست معهم وهم يخوضون في هذا الحديث، بل يجب عليك أن تنكر وتفارق حالاً قبل أن ينزل عليك السخط.

اتباع الأئمة المحللين للحرام والمحرمين الحلال

ومن الأمور أيضاً: اتباع بعض الناس للأئمة المضلين في تحليل الحرام وتحريم الحلال: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37] تأخير الأشهر الحرم، أهل الجاهلية كانوا يؤخرونها، بحسب أهوائهم إذا أرادوا القتال في وقت معين فصادف شهراً حراماً أجلوا الشهر الحرام إلى غير وقت من أوقات السنة: يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [التوبة:37] وأنت تسمع اليوم ممن ينادون بتحليل الحرام كالربا ونحوه، ويعطون الفتاوى الرخيصة يكتبونها بأيديهم: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة:79] وينشرونها بين الناس ويقولون للناس خداعاً وتضليلاً وتمويهاً: نحن نتحمل المسئولية أمام الله، تباً لهم على هذا الصنيع، وويل لهم يوم القيامة مما كسبت أيديهم، وسيتحملون مسئوليتهم عند الله، وسيجزون بجهنم قعرها سبعون عاماً لا تدرك، وويل للذين يتابعونهم ويقولون: أفتى واحد، هذه حجة، ففيها فتوى، وقد صدر فيها شيء، وحللها بعض العلماء، ويل لهم يلعبون بشريعة الله ويخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، ويظنون أن الله سينجيهم يوم القيامة لأنهم الآن اتبعوا بعض الأئمة المضلين.

محبة إشاعة الفاحشة بين المؤمنين

وكذلك الذين يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ونشر الفساد في الأرض، وتخريب الأخلاق والعلاقات الأسرية والزوجية بهذه الإباحية التي تنشر في جميع الوسائل ويل لهم، هؤلاء الذين قال الله في شأنهم: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].

وبعض الناس مع الأسف ببغاوات يرددون ومكبرات يضخمون أقوال أعداء الإسلام، وينقلون الفساد إلى بيوتهم، وإلى أنفسهم تقليداً لغيرهم، أو علماً بما ينطوي عليه ذلك الأمر من الخطورة، ويساهمون في نشر الفساد، ويل لهم عند الله عز وجل.

شراء لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله

وقل مثل ذلك فيمن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بأنواع الأغاني الفاحشة، والموسيقى الصاخبة أو غير الصاخبة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون -يعني: هي حرام وهم يستحلونها- الحر -يعني الفرج كناية عن الزنا- والحرير -للرجال- والخمر والمعازف) فنص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريمها، والناس اليوم يستمعون إليها صباحاً ومساءً، ومع وجبات الطعام، وأثناء العمل والمذاكرة، غير آبهين بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي جاءت وصحت في أن هؤلاء الناس سيمسخهم الله في ليلة، يمسون فيصبحون على غير الخلقة التي خلقهم الله عليها، سيحدث ذلك في يوم من الأيام.

إيذاء المؤمنين والمؤمنات

ومن أمثلة هذه المعاصي التي استخف بها الناس: إيذاء المؤمنين والمؤمنات، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] بأنواع الأذى، اللمز، الهمز، السخرية، السعي بالشكاية والنكاية، وتدبير المؤامرات وحبكها للإيقاع بعباد الله الصالحين، ويل لهم ثم ويل لهم، وأنت تنظر اليوم في أبسط الأشياء وهي قضية المعاكسات الهاتفية .. المعاكسات الهاتفية ماذا تعتبر في شرع الله؟ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:58] فهو إيذاء فعلاً: بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا [الأحزاب:58] بلا ذنب، بلا جريرة: فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] تأمل في أحوال الطائشين اليوم بكل سهولة يرفع السماعة ويتصل بالرقم عدة مرات، وأحياناً في آخر الليل يزعج المسلمين، ويريد أن يكلم حريمهم، هذا ماذا يعتبر وماذا يكون؟

التطفيف في المكيال والميزان

ومن هذه الذنوب أيضاً: التطفيف في المكيال والميزان: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [المطففين:1-2] إن كان له يأخذ: وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ [المطففين:3] وباعوا هم: يُخْسِرُونَ [المطففين:3] يخسرون في الميزان، ويطففون فيه، ويدخل في ذلك أيها الإخوة جميع أنواع الغش التجاري، ابتداءً من الكتابة على الصندوق محتويات ليست بداخله، أو مواصفات لا تنطبق على ما بداخله، أو غش الأشياء وشوبها بالماء مثلاً، أو بنشارة الخشب وبيعها على أنها خشب خالص .. إلى آخر ذلك من الأمور، أو بيع البضائع المقلدة على أنها أصلية وهي في مواصفاتها تختلف عن الأصلية والمشتري يظن أنها أصلية، وما يفعله بعض التجار أو المقاولين في الغش في أثناء أعمالهم إنهم داخلون ولا شك تحت قول الله: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] ويل تهديد ووعيد.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا وإياكم هذه الفواحش والآثام، وأن يرزقنا وإياكم الابتعاد عن هذه الكبائر والذنوب، ونسأله أن يسلمنا ويسلمكم من سائر أنواع الفحش والمعاصي.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

التطفيف في الصلاة

الحمد لله الذي لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاء بالإنقاذ من الضلال، وهدانا لما اختلف فيه من الحق، وعرفنا شريعة ربنا صلى الله عليه وسلم، هدانا هداية الدلالة والإرشاد، وأمرنا بأن نتمسك بما أمر الله به لا نحيد عنه ونهانا عن معصية ربنا عز وجل لسائر أنواع المعاصي والآثام.

ومن أعظم أنواع التطفيف أيها الإخوة التطفيف في الصلاة، [رأى حذيفة رضي الله عنه رجلاً يصلي فطفف في صلاته -أنقص في الركوع والسجود والقراءة، وأسرع إسراعاً مخلاً بالصلاة- فقال له حذيفة: مذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين سنة، قال: ما صليت منذ أربعين سنة -كل الصلوات الماضية باطلة- ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن] رواه النسائي ، وهو حديث صحيح، وأصله عند البخاري رحمه الله.

وأنت ترى حال المصلين اليوم من نقر الصلاة والإسراع فيها إسراعاً مخلاً، حتى إنك تعجز في بعض الأحيان عن قراءة الفاتحة، أو قول سبحان ربي العظيم ولو مرة واحدة وراء بعض الأئمة، وكذلك انظر إليهم حين ينفردون بالصلاة في السنة مثلاً بعد صلاة الجماعة إلى أحوالهم في تطفيف هذه الصلاة، كيف تكون مقبولة عند رب العالمين؟! ولو قال قائل: إنني فعلت هذا في الماضي وأنا أجهل فهل علي الإعادة؟ نقول: كلا، لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى الرجل يطفف في صلاته، أمره بإعادة هذه الصلاة في الوقت، ولم يأمره بإعادة الصلوات الماضية، وإنما الواجب التوبة، والإكثار من صلوات النوافل، وإكمال وتحسين الصلوات القادمة.

ترك الشارب بدون قص

ومن الأمور كذلك التي يتساهل فيها الناس ويقولون: هي مظهر، ونقول: قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) تأمل هذا الحديث، مع أنه شيء في المظهر لكن قال: (ليس منا ) ما معنى: (يأخذ من شاربه )؟ يعني: يقص ما طال عن الشفة العليا، الذي ينزل ويتدلى من الشارب عن الشفة يجب قصه حتى تظهر حدود الشفة العليا: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا).

حلق اللحى وعدم إعفائها

وكذلك المسألة التي يزعم بعض الناس أنها من القشور، وليس لها تأثير، وهي إعفاء اللحى، كم كلمة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (أعفوا اللحى)، (وفروا اللحى)، (أرخوا اللحى)، (أرجوا اللحى)، (خالفوا المشركين)، (خالفوا المجوس)، (من رغب عن سنتي فليس مني)، (ملة أبيكم إبراهيم)، (سنن الفطرة خمس) أحاديث كثيرة جداً، والناس عنها غافلون.

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: يا معشر الأنصار! حمروا أو صفروا) يعني: غيروا الشيب لكن ليس باللون الأسود، وهذا منكر يقع فيه كثير من الناس، فيظهرون بما لم يعطوا، ويوهمون الناس بسن غير سنهم الحقيقية، يصبغون الشيب بالسواد وهو حرام، وإنما غيروا الشيب بأي لون من الألوان الأخرى، وخالفوا أهل الكتاب، قال: (فقلنا: يا رسول الله! إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال صلى الله عليه وسلم: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب -البسوا السروايل والإزار وخالفوا أهل الكتاب- قال: فقلنا يا رسول الله! إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون -يلبسون الخف ولا يلبسون النعال- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب، قال: فقلنا: يا رسول الله! إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم -لحاهم- ويوفرون سبالهم -الشارب- فقال صلى الله عليه وسلم: قصوا سبالكم، ووفروا عثانينهم -اللحى- وخالفوا أهل الكتاب) حديث حسن.

طلب المرأة الطلاق من زوجها بدون بأس

وكذلك من المعاصي المنتشرة: طلب الخلع بغير عذر، وطلب الطلاق من غير بأس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير بأس لم ترح رائحة الجنة)، وفي رواية: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس -من غير حاجة ملجئة لهذا الطلب- حرام عليها رائحة الجنة)، وفي رواية صحيحة: (إن المختلعات هن المنافقات) التي تطلب الخلع دون حاجة إليه.

سرور بعض الناس بالقيام له

ومن هذه المنكرات التي تساهل فيها الناس: سرور بعضهم عندما يقوم الناس له، وطلب ذلك منهم ولو بلسان الحال دون لسان المقال، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) حديث صحيح.

وورد أيضاً في الحديث الصحيح: أن معاوية خرج على ابن عامر وعلي بن الزبير ، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير ، فقال معاوية لـابن عامر : (اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) وعند الترمذي : (من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) وبعض الناس اليوم لو لم تقم له يغضب ويحقد، ويأخذ في نفسه ويحمل عليك، ويبغضك وأنت تطبق السنة في عدم القيام، اللهم إلا القيام للحاجة كفتح الباب، أو استقبال قادم من سفر ومعانقته، أو توسيع المكان له، ونحو ذلك، أما الكبر الذي انطوى عليه صدور كثير من الناس وهو أنهم يغضبون إذا لم يقم لهم، فليتأملوا هذا الحديث: (من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار).

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم كره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم كره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.