جوانب القدوة في شخصية الإمام أحمد


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي جمعنا وإياكم في هذا المكان؛ في بيت من بيوته عز وجل، نسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوما، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوما، وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروما، وأن يجعل خروجنا من هذا المجلس بفوائد جمة، وأشياء تذكرنا بالله عز وجل واليوم الآخر.

أيها الإخوة: موضوعنا في هذه الليلة يدور حول جوانب من حياة الإمام أحمد رحمه الله عز وجل، الذي كانت حياته بما فيها من أحداث وتفاصيل تصلح أن يجعلها المسلم قدوة يقتدي بها في كثير من جوانبها، ولعلنا نستعرض وإياكم في هذه الليلة بعض الجوانب التي يسمح الوقت بها، والتي سيلمح الأخ المستمع فيها فعلاً أشياء عظيمة من حياة هذا الإمام.

وهذا الإمام أيها الإخوة صحيح أن شهرته قد طبقت الآفاق، وأن الكثيرين من الناس يعرفون شخصيته، ولكن كثيراً من الناس لا يعرفون تفاصيل حياته، ولا يعرفون أحداثاً كثيرة جداً من حياة الإمام أحمد لو عرفها الإنسان فعلاً لدهش، يعني: بعض الناس الشهرة العامة موجودة لكن التفاصيل غير موجودة، لعل الإمام أحمد واحد من هؤلاء الناس.

وقد اعتنى علماء الإسلام بحياة الإمام أحمد عناية كبيرة، وألفت في حياته مجلدات، فمنها ما كتبه ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ، ومنها ما كتبه الذهبي رحمه الله في كتابه السير ، وفي كتابه تأريخ الإسلام ، ومنها ما كتبه ابن الجوزي في مجلد مستقل عن حياة الإمام أحمد رحمه الله، وغيرهم من أهل العلم، دلالة على عظمة مكانة هذا الرجل في قلوب العلماء فضلاً عن قلوب عامة الناس.

وقال الذهبي رحمه الله في السير : هو الإمام حقاً وشيخ الإسلام صدقاً أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن إدريس الشيباني ، يرجع نسبه إلى بكر بن وائل قبيلة معروفة من العرب، وقد مات أبوه في سن الشباب، وربي الإمام أحمد يتيماً، وقد ولد الإمام رحمه الله تعالى في ربيع الأول سنة (164هـ) وقد ضبطت سنة وفاة الإمام أحمد وسنة ولادته ولم يختلف فيهما أحد.

والإمام أحمد رحمه الله من رجال السنة، وينبغي أن ننبه قبل أن نبدأ إلى كلمة الإمام. كلمة الإمام كلمة عظيمة وكبيرة، ولذلك لا يصلح أن تطلق على أي واحد من الناس، ولو ارتفع كعبه في العلم أو الدعوة إلا إذا وصل إلى مرحلة عظيمة أصبح فيها فعلاً يأتم به العالم من المسلمين، يأتمون به عن صدق وحق؛ لأنه يصلح أن يكون أهلاً للإمامة، ولذلك ما أطلق هذا اللقب على كثيرين من السلف إلا على أنفار معدودين مثل الإمام أحمد رحمه الله، فهذا اللقب لا يُعطى جزافاً، ولا يصلح أن يطلق جزافاً على أي شخصية من الشخصيات النابغة المشهورة.

وقد رحل الإمام أحمد رحمه الله إلى البصرة والكوفة وحج خمس مرات، وكان شيخاً مخضوباً طوالاً أسمر، حسن الوجه معتماً، عامة جلوسه متربعاً خاشعاً.

يقول إبراهيم الحربي رحمه الله: يقول الناس أحمد بن حنبل بالتوهم، والله ما أجد لأحد من التابعين عليه مزية، ولا أعرف أحداً يقدر قدره، ولقد صحبته عشرين سنة صيفاً وشتاءً، وحراً وبرداً، وليلاً ونهاراً، فما لقيته لقاة في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس.

هذا شيء عظيم، وهذه فعلاً قدوة عظيمة أن الإمام أحمد رحمه الله كان يزيد يومياً على ما هو عليه، والواحد منا الآن قد يزيد في يوم وينقص في أيام، وقد يرتفع في أيام ويتدهور حاله في أيام أخرى، ولكن أن تجد الرجل يزيد يوماً بعد يوم معنى هذا أن الرجل يربي نفسه تربية عظيمة، ولذلك ينبغي أن يضع الواحد منا نفسه تحت المجهر، وأن يضع لنفسه خطة معينة بحيث أنه يرتقي يومياً إذا استطاع وقد لا يستطيع، لكن يحاول أن يكون خط سيره إلى الأعلى، وليس أن يتدهور ويتقلب ويتذبذب كما هو واقع الكثيرين، وهذا شيء فعلاً قدوة أن الإمام أحمد يومياً يزيد عن الأيام السابقة.

وقال علي بن المديني رحمه الله: إن الله عز وجل أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: بأبي بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة، وقد كان لأبي بكر الصديق أصحاب وأعوان، وأحمد ليس له أعوان ولا أصحاب.

لما وقعت المحنة ما وقف إلى النهاية إلا الإمام أحمد رحمه الله فقط، هناك من وقفوا وقتلوا، ومن وقفوا ثم انتكسوا، وهناك من تخاذلوا أصلاً عن الوقوف، وهناك من تراجعوا وغيروا عقيدتهم، والذي ثبت إلى النهاية هو الإمام أحمد فقط في محنة خلق القرآن، قال الشاعر:

أضحى ابن حنبل محنة مرضية      وبحب أحمد يعرف المتنسك

وإذا رأيت لأحمد متنقصاً           فاعلم بأن ستوره ستهتك

وعن الحسين الكرابيسي قال: مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل -يعني بسوء- مثل قوم يجيئون إلى أبي قبيس -وهو جبل في مكة- يريدون أن يهدموه بنعالهم.

وكان أحمد رحمه الله عظيم الشأن، رأساً في الحديث وفي الفقه وفي التألف، أثنى عليه خلق من خصومه فما الظن بإخوانه وأقرانه، وكان مهيباً في ذات الله حتى قال أبو عبيد : ما هبت أحداً في مسألة ما هبت أحمد بن حنبل.

حتى إذا جاء يسأله يهاب، يخاف، ألقى الله عليه هيبة الإسلام.

وعن علي بن شعيب قال: لولا أن أحمد قام بهذا الشأن لكان عاراً علينا أن قوماً سبكوا فلم يخرج منهم أحد.

يعني: حتى موقف الإمام أحمد رحمه الله رفع رأس العلماء كلهم، الحمد لله أنه خرج منا واحد.

وقال أبو عبيد عن الإمام أحمد : ذاك رجل من عمال الله، نشر الله رداء عمله، وذخر له عنده الزلفى، أما تراه محبوباً مألوفاً، ما رأت عيني بـالعراق رجلاً اجتمعت فيه خصال هي فيه، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم.

وقال آخر: قام أحمد مقام الأنبياء، وأحمد امتحن بالسراء والضراء، وتداولته أربعة خلفاء، بعضهم بالضراء وبعضهم بالسراء، كلهم بلاء على الإمام أحمد ، ولكن طبعاً المأمون والمعتصم والواثق هم الذين عاملوه بالضراء، أما المتوكل الذي رفع الله به علم أهل السنة ورجع إلى عقيدة أهل السنة، فقد ابتلي الإمام أحمد في عهده بالسراء؛ لما أنعم عليه المتوكل به من الأموال الجزيلة التي رفضها كلها ولم يأخذ منها شيئاً.

وقال بعض السلف: أحمد بن حنبل قرة عين الإسلام.

وسئل أحد العلماء عن الإمام أحمد فقال: أنا أسأل عن أحمد بن حنبل !! إن أحمد أدخل الكير فخرج ذهباً أحمر.

وقال إسحاق بن راهويه : ما رأى الشافعي مثل أحمد ، ولولا أحمد وبذل نفسه لذهب الإسلام. يريد المحنة.

وقال الشافعي : خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل . هذه شهادة الشافعي.

وعن المروذي قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد؛ كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يُسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر، وكان كثير التواضع حسن الخلق، دائم البشر لين الجانب ليس بفظ، وإذا كان في أمر من الدين وتعرض للدين بحضرة الإمام أحمد كان يغضب في ذات الله عز وجل غضباً شديداً، وكان يحتمل أذى الجيران، وكان يجيب الدعوة في الأعراس والختان ويأكل، وربما استعفى من إجابة الدعوة، وكان إذا رأى إناءً من فضة أو منكراً في الوليمة خرج.

ومرة من المرات واحد من الناس كان عنده وليمة ختان، فدعى أهل العلم فدعى منهم الإمام أحمد ، فجاء الإمام أحمد متأخراً مع صاحبٍ له والناس قد اجتمعوا للطعام، ولما يأكلوا بعد، فقيل للإمام أحمد: إن في البيت آنية من فضة، فنظر إليها، فلما رآها خرج من المنزل، فخرج الضيوف كلهم وراءه، ما بقي في البيت أحد، قال الراوي: ونزل بصاحب البيت أمر عظيم، وأرسل وراء الإمام أحمد يحلف له أنه لم يقصد، وأنه لم يكن يعلم، فلم يرد عليه الإمام أحمد بشيء، يعني: كان الإمام أحمد من القدوة بحيث يتابعه عامة الناس، ولذلك سنعلم عند وفاته ماذا حصل، وفاة الإمام أحمد تبين فعلاً مكانته بين الناس.

وقال إسحاق بن إبراهيم : ما رأيت أحداً لم يداخل السلطان ولا خالط الملوك مثل أحمد بن حنبل ، ما كان أحد أثبت قلباً منه وما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب.

وكانت وفاة الإمام أحمد في (12) ربيع الأول، في يوم الجمعة، (سنة:254هـ) فرحمه الله عز وجل.

وبالنسبة لجوانب تهم طالب العلم والداعية إلى الله والمسلم عموماً في حياة الإمام أحمد فنحن نعرض لبعضها الآن.

أما بالنسبة لطلب العلم الذي يدعيه الكثيرون اليوم، ويذهبون إلى المكتبات ومعارض الكتب ويشترون كتباً بالأكوام، ثم يكدسونها في بيوتهم، ويضعونها في رفوف مكتباتهم يعلوها الغبار، أو يخزنوها في كراتين تبقى عندهم لا يفتحونها يزعمون أنهم طلبة علم، إلى هؤلاء نسوق لهم هذه الأحداث:

بالمناسبة الإمام أحمد ما كان يتكلم عن نفسه بقليل ولا كثير، لذلك ما رويت لنا أخباره إلا من الناس المقربين إليه جداً مثل أولاده، وخاصة تلاميذه، وبقية الأخبار شائعة عند الناس معروفة من حال الإمام، وما وصل إلى الناس من أخباره في المحنة وعند وفاته وغير ذلك.

قال عبد الله : سمعت أبي يقول: ربما أردت البكور في الحديث -يعني أذهب مبكراً في طلب العلم- فتأخذ أمي بثوبي وتقول: حتى يؤذن المؤذن، وكنت ربما بكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش.

سبحان الله! كان يخرج قبل صلاة الفجر، تقول له أمه: لا، اجلس حتى يؤذن المؤذن!!

ومرة نزل في بيت رجل وأمه موجودة في الدار -أم الرجل- فذهب أحمد يطلب الحديث، فجاء سارق فسرق أمتعة البيت ومن بينها أمتعة الإمام أحمد ، فلما رجع إلى البيت قالت المرأة: دخل عليك السراق فسرقوا قماشك، فقال: ما فعلت الألواح؟ فقالت له: في الطاق، وما سأل عن شيء غيرها، ما سأل إلا عن الألواح التي كتب فيها العلم.

وقال أحمد : كتبت عن ابن مهدي نحو عشرة آلاف حديث.

وعن عبد الله بن أحمد قال: قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بالكلام.

يعني: أعطني الإسناد أعطيك الكلام، أو أعطني الكلام أعطيك الإسناد؛ من حفظه للأحاديث التي كان يكتبها.

وقال أبو زرعة لعبد الله ( ولد الإمام أحمد ): أبوك يحفظ ألف ألف حديث -يعني: مليون حديث- فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب فعرفت أنه يحفظ هذه الأحاديث.

قد يقول قائل مستغرباً: وهل هناك مليون حديث في الدنيا فعلاً؟!! فقال الذهبي رحمه الله معلقاً: فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدون في ذلك المكرر والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك -هذه داخلة في المليون- وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك، المرفوعة القوية تكاد تبلغ عشرة آلاف حديث.

وعن أبي زرعة قال: حزرت كتب أحمد يوم مات فبلغت اثني عشر حملاً وعدلاً ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه حدثنا فلان، كل ذلك كان يحفظه.

المواصلة في طلب العلم

وأما بالنسبة لمواصلته في طلب العلم، فآفة بعض طلبة العلم الآن أنه ربما يشتغل في الطلب فترة من وقته، وبعد زمن يتكاسل ويقعد عن الطلب ويقول: يكفيني ما حصلت في الأيام أو السنوات الماضية، ولكن الإمام أحمد رحمه الله رآه رجلٌ ومع الإمام أحمد محبرة، فقال له: يا أبا عبد الله ! أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين.. -يعني: أنت تحمل المحبرة، وأنت بلغت هذا المبلغ- فقال الإمام أحمد : مع المحبرة إلى المقبرة. يعني: لا أزال أكتب وأطلب وأدون حتى أموت، فالاشتغال بالعلم إذاً ليس فترة محدودة من الزمن، وإنما هي حياة متواصلة ومستمرة.

تضحية الإمام في طلب العلم

وقال المروذي : قلت لأحمد : أكان أغمي عليك أو غشي عليك عند ابن عيينة ؟ قال: نعم، في دهليزه زحمني الناس فأغمي عليَّ. يعني: تكاثر الناس عند سفيان بن عيينة وأحمد منهم في الزحام وليس المقصود بالمزاحمة أن يضرب بعضهم بعضاً، المزاحمة تعني الإقبال بكثرة، بعض الناس قد يرى حول العالم زحاماً فيقول: كيف نسأله ثم يذهب، ما عنده صبر، بعض الناس يصبرون حتى يصل العالم ليسأل، الإمام أحمد رحمه الله أغمي عليه في الزحام، وهو ينتظر كيف يدخل على سفيان.

وقال أحمد الدورقي : لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق -الإمام أحمد رحمه الله رحل إلى عبد الرزاق في اليمن - رأيت به شحوباً بـمكة ، وقد تبين به النصب والتعب، فكلمته -يعني كأنه قال له: أتعبت نفسك في ذهابك إلى اليمن - فقال أحمد : هين فيما استفدناه من عبد الرزاق. أي: هذا شيء يهون في سبيل الفائدة التي حصلناها من عبد الرزاق .

شمول علم الإمام

قال أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: ومن عجيب ما تسمعه من هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه لكنه محدث -هذه فرية اتهمه بعض الناس بها، قالوا: هذا أحمد يجمع أحاديث، وليس بفقيه- فيقول أبو الوفاء : وهذا غاية الجهل؛ لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناءً لا يعرفه أكثرهم. يعني: الفقه يأتي من أين؟ أليس من الأحاديث والآيات؟! فقال: عند أحمد اختيارات، وآراء فقهية بناها على أحاديث جمعها ما وصلت إلى كثير من هؤلاء.

وخرج عنه اختيارات من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم. وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله طائفة من عمق أو دقائق فقه الإمام أحمد رحمه الله.

هل كان الإمام أحمد رجلاً يحفظ العلم ثم يتلوه على الناس تلاوة، أو أنه كان أكبر من ذلك؟

مشكلة طلبة العلم، أو بعض أهل العلم في هذه الأيام، أن وظيفته فقط مقتصرة على الحلق، وعلى التعليم، وسرد الأحاديث أو سرد أقوال العلماء وسرد الآراء فقط، يعني: وظيفته فقط كأنه مسجل يتكلم، وبقية من بقي من أهل العلم ليست مهمته فقط سرد العلم على الناس، لا.

عن الحسين بن إسماعيل عن أبيه قال: كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمس مائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.

فإذاً هذا هو التكامل المطلوب في صاحب العلم ليس فقط أن يعلم، وإنما يكون قدوة يأخذ الناس من أخلاقه، ومن سيرته، ومن مواقفه، ومن ورعه، ومن زهده، ومن عبادته، وتقواه، وخشوعه لله عز وجل، وهذه خصلة نفتقدها كثيراً في حلق العلم، أنك تجد الواحد يسرد عليك، لكن شخصيته في بيته مع أهله، أو في العمل الذي يعمل فيه مختلفة تماماً.

وأما بالنسبة لمواصلته في طلب العلم، فآفة بعض طلبة العلم الآن أنه ربما يشتغل في الطلب فترة من وقته، وبعد زمن يتكاسل ويقعد عن الطلب ويقول: يكفيني ما حصلت في الأيام أو السنوات الماضية، ولكن الإمام أحمد رحمه الله رآه رجلٌ ومع الإمام أحمد محبرة، فقال له: يا أبا عبد الله ! أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين.. -يعني: أنت تحمل المحبرة، وأنت بلغت هذا المبلغ- فقال الإمام أحمد : مع المحبرة إلى المقبرة. يعني: لا أزال أكتب وأطلب وأدون حتى أموت، فالاشتغال بالعلم إذاً ليس فترة محدودة من الزمن، وإنما هي حياة متواصلة ومستمرة.

وقال المروذي : قلت لأحمد : أكان أغمي عليك أو غشي عليك عند ابن عيينة ؟ قال: نعم، في دهليزه زحمني الناس فأغمي عليَّ. يعني: تكاثر الناس عند سفيان بن عيينة وأحمد منهم في الزحام وليس المقصود بالمزاحمة أن يضرب بعضهم بعضاً، المزاحمة تعني الإقبال بكثرة، بعض الناس قد يرى حول العالم زحاماً فيقول: كيف نسأله ثم يذهب، ما عنده صبر، بعض الناس يصبرون حتى يصل العالم ليسأل، الإمام أحمد رحمه الله أغمي عليه في الزحام، وهو ينتظر كيف يدخل على سفيان.

وقال أحمد الدورقي : لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق -الإمام أحمد رحمه الله رحل إلى عبد الرزاق في اليمن - رأيت به شحوباً بـمكة ، وقد تبين به النصب والتعب، فكلمته -يعني كأنه قال له: أتعبت نفسك في ذهابك إلى اليمن - فقال أحمد : هين فيما استفدناه من عبد الرزاق. أي: هذا شيء يهون في سبيل الفائدة التي حصلناها من عبد الرزاق .

قال أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: ومن عجيب ما تسمعه من هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه لكنه محدث -هذه فرية اتهمه بعض الناس بها، قالوا: هذا أحمد يجمع أحاديث، وليس بفقيه- فيقول أبو الوفاء : وهذا غاية الجهل؛ لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناءً لا يعرفه أكثرهم. يعني: الفقه يأتي من أين؟ أليس من الأحاديث والآيات؟! فقال: عند أحمد اختيارات، وآراء فقهية بناها على أحاديث جمعها ما وصلت إلى كثير من هؤلاء.

وخرج عنه اختيارات من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم. وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله طائفة من عمق أو دقائق فقه الإمام أحمد رحمه الله.

هل كان الإمام أحمد رجلاً يحفظ العلم ثم يتلوه على الناس تلاوة، أو أنه كان أكبر من ذلك؟

مشكلة طلبة العلم، أو بعض أهل العلم في هذه الأيام، أن وظيفته فقط مقتصرة على الحلق، وعلى التعليم، وسرد الأحاديث أو سرد أقوال العلماء وسرد الآراء فقط، يعني: وظيفته فقط كأنه مسجل يتكلم، وبقية من بقي من أهل العلم ليست مهمته فقط سرد العلم على الناس، لا.

عن الحسين بن إسماعيل عن أبيه قال: كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمس مائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.

فإذاً هذا هو التكامل المطلوب في صاحب العلم ليس فقط أن يعلم، وإنما يكون قدوة يأخذ الناس من أخلاقه، ومن سيرته، ومن مواقفه، ومن ورعه، ومن زهده، ومن عبادته، وتقواه، وخشوعه لله عز وجل، وهذه خصلة نفتقدها كثيراً في حلق العلم، أنك تجد الواحد يسرد عليك، لكن شخصيته في بيته مع أهله، أو في العمل الذي يعمل فيه مختلفة تماماً.

وأما تواضعه فكان شيئاً عجيباً، قال يحيى بن معين : ما رأيت مثل أحمد صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير أبداً.

وقال عبد الله : كان أبي إذا خرج يوم الجمعة لا يدع أحداً يتبعه. والمشهور أن العالم إذا ذهب إلى مكان سار الناس وراءه، لكن أحمد رحمه الله من تواضعه كان لا يرضى أن يسير وراءه أحد.

وربما وقف حتى ينصرف الذي يتبعه. يعني: لو رأى واحداً يتبعه، أو أحس به، فإنه يقف حتى يمضي ذلك الرجل، ثم يمشي بعده، لأن قضية الاتباع تؤثر في نفس المتبوع، ولذلك يقول ابن مسعود رحمه الله ورضي عنه وأرضاه لطائفة من الناس كانوا يتبعونه: [ارجعوا فإنها ذلة للتابع وفتنة للمتبوع].

وكان أيضاً غنياً عما في أيدي الناس، لما خرج إلى عبد الرزاق انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه من بعض الجمالين؛ يشتغل عند أصحاب الجمال الذين ينقلون حتى يحصل نقوداً، إلى أن وصل صنعاء وعرض عليه أصحابه المواساة فلم يأخذ منهم شيئاً.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان قال: بلغني أن أحمد بن حنبل رهن نعله عند خباز بـاليمن.

يقول إسحاق بن راهويه زميله في الرحلة: كنت مع أحمد عند عبد الرزاق ، وكانت معي جارية وسكنا في الأعلى، وأحمد أسفل البيت، قال: وكنت أطلع فأراه يعمل التكك -وهي الأشياء التي تربط الأزار أو السراويل حتى لا تقع، يعملها ويبيعها ليتقوى بها- ولما وصل إلى عبد الرزاق اطلع على فقر الإمام أحمد ، فدمعت عيناه، فقال: بلغني أن نفقته نفذت، فأخذت بيده، فأقمته خلف الباب وما معنا أحد، فقلت له: إنه لا تجتمع عندنا الدنانير إذا بعنا الغلة أشغلناها في شيء، وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها، وأرجو ألا تنفقها حتى يتهيأ شيء -يعني: لعلك ما تصرفها حتى يأتينا شيء آخر نعوضك إذا صرفتها- فقال لي: يا أبا بكر! لو قبلت من أحدٍ شيئاً قبلت منك -يعني: انظر إلى لطافة الرد، كيف يرد، يقول: لا أريد، لكن قال: لو قبلت من أحد شيئاً قبلت منك.

وكان ربما أخذ القدوم وخرج يعمل بيده ويبيع. وقال صالح ولده: ربما رأيت أبي يأخذ الكسر ينفض الغبار عنها ويصيرها في قصعة ويصب عليها الماء، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رماناً ولا سفرجلاً ولا فاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنب وتمر، وقال لي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلاً دقيقاً فتبيع الأستار بدرهمين أو أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا.

وقضية الاستغناء الآن ليست حاصلة عند الكثيرين، بل إن كثيراً من النفوس اليوم تتطلع وتتشوق إلى ما في أيدي الناس، وصحيح أن عصرنا يختلف عن عصر أولئك الناس في متطلبات المعيشة، ولذلك لا بأس أن يحرص الإنسان على الكسب، وأن يحرص على المعاش، وإذا كان به طاقة على الصبر على حالات الشدة قد يكون الأفضل الصبر، لكن قد لا يكون للإنسان صبر وقد تكون تعقيدات الحياة كثيرة، والاهتمام بالكسب الشخصي مهم، ولذلك يقول ابن المبارك رحمه الله وكان يشتغل في التجارة فسئل عن سبب اشتغاله، فقال: حتى لا يتمندل بنا هؤلاء. يقصد لو أن الإنسان احتاج وما عنده ولا يصبر فلا بد أن يلجأ إلى غيره، فقد يستغل حاجته بعض السفهاء، وخصوصاً إذا كان يشتغل في وظيفة من الوظائف فيصبح كأنه عبد ذليل للشخص الذي يعمل عنده، أو أنه عبد ذليل ينتظر ماذا يعطى من الراتب مثلاً، ويخشى أن يقطع عنه الراتب، ولذلك التحرر في كسب العيش أمر مهم، وكلما استطعت أن تتحرر ولا ترتبط بالآخرين في كسب العيش، حتى أن الآخرين يحتاجون إليك لا أنت تحتاج إليهم فهذا أحسن، ولكن هذا الوضع صعب الآن، وليس كل الناس يستطيعون الاشتغال بالتجارة، بل قسم كبير منهم في الوظائف، لكن حاول قدر الإمكان حتى لا يتمندل بك أهل السوء، وإذا تمندل بك أهل السوء فإنهم لا بد أن يفرضوا عليك أشياء فيها تنازل عن دينك، أو مواقف مخزية قد تقفها مضطراً لأنك محتاج إلى المال، وكثير من الناس وقعوا في مواقف مخزية بسبب الحاجة.

عظمة أدب الإمام

وأما أدبه رحمه الله مع الناس فقد كان عظيماً، قال حنبل: رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام قال لجلسائه: إذا شئتم. يعني: مع أنه الآن هو الشيخ وهو العالم، لكن إذا أراد أن يقوم قال لجلسائه من التلاميذ: إذا شئتم تسمحوا لي فأمشي.

وقال الميموني : كثيراً ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء، فيقول: لبيك لبيك. لبيك يعني: المسارعة في الاستجابة للسؤال، مع أن ذلك السائل هو المحتاج، ولكن الإمام أحمد هو الذي يقول: لبيك لبيك، كأنه خادم مطيع عند ذلك السائل.

الحرص على تربية الأولاد

وكان الإمام أحمد رحمه الله لما كان مستغنياً عما في أيدي الناس حريصاً على أن يربي أولاده على هذا الأمر، وهذا شيء قد لا تجده في عامة المشايخ اليوم فضلاً عن عامة الناس، قد يكون الشخص قدوة لكن أهله لا يتأثرون به، ولم يقتبسوا منه هذه الأشياء.. الإمام أحمد رحمه الله كان حريصاً على أن يلقن أولاده مبادئ الاستغناء عن الناس.

الإمام أحمد جاءت له فرصة الأموال، وصارت تأتيه من كل حدب وصوب، وصار الناس يعطونه أشياء، حتى لما كان في وقت الشدة كانت تأتيه هدايا من أناس مخلصين، وكانوا يؤكدون له أنها من مال حلال ويقول أحدهم: هذا من إرث أبي، ويقول آخر: عندي اثنا عشر ألف درهم أعطيتك منها كذا (شيء بسيط) فكان يرفض.

ومرة كانوا يضعون له شيئاً في البيت، كصرة مال يضعها زائر خفية، فإذا اكتشفها الإمام أحمد أرجعها إليه، وإذا لم يعرف صاحبها فرقها على الفقراء، ومرة دق الباب، يقول ولد الإمام أحمد : دق الباب فتحت الباب فإذا بقصعة من الطعام مملوءة وضعها الرجل ومشى بسرعة، والإمام أحمد كان يجوع في فترات حتى لا يجد شيئاً، حتى أنه ربما اضطر إلى مواصلة الصيام، ما عنده شيء يأكله، فلما أدخل القصعة فرآها الإمام أحمد وقد امتلأت بأنواع الطعام قال: فمكث ساعة يفكر كيف يصنع؟ ثم قال: اذهبوا بهذا إلى بيت عمي، وأعطوا أولاد صالح ، وكان أولاد صالح قد أتت له ذرية وكان فقيراً، فقال: وأعطوا ولد صالح هذا.. وهذا وزعه وما أكل منه شيئاً.

وجاءته بعد ذلك أموال في أيام المتوكل الذي رفع المحنة عن الإمام أحمد فكان يرجعها ولا يقبل منها شيئاً، ولو أدخلت عليه بالقوة فرقها.

ومرة جاءه مالٌ فرده، بعد سنة واحد من أولاده الذين عاشوا في الفقر، يقول: يا أبتِ لو أخذنا ذلك المال -يعني: لو كنا أخذنا ذلك المال الذي جاءنا قبل سنة- فقال أحمد: لو كنا أخذناه لكان الآن قد فني.

وقال صالح : قلت لأبي: إن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار، فقال: يا بني! ورزق ربك خيرٌ وأبقى.

إذاً.. الإمام أحمد قدوة في تعليم الأولاد، قدوة في تربية الأهل، بعض الناس قد يكون عفيفاً متعففاً، صابراً على الشدة، لكن أهله بخلافه، وما أكثرهم!

هو قد يصبر، وقد يحرم نفسه من أشياء كثيرة من متاع الحياة الدنيا، لكن أهله بخلافه لا يصبرون، فإذاً المسألة ليست أن تصبر أنت وأن تعف نفسك فقط، المسألة أن تربي من حولك وخصوصاً الأهل والأولاد على هذه الخصلة.

لطف الإمام مع الصبيان

وأما لطفه مع الصبيان ومع أهل بيته واهتمامه بهم فكان كبيراً، قال الخلال : قلت لزهير بن صالح : هل رأيت جدك؟ قال: نعم، مات وأنا في عشر سنين، كنا ندخل إليه كل يوم جمعة أنا وأخواتي وكان بيننا وبينه باب، وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى فامي يعامله. كان هناك بائع ثوم، كان الإمام أحمد يتعامل معه، وكان أحمد ربما رهن عنده أشياء حتى يأخذ منه أموالاً يعطيها للصبيان فيفرحوا بها، ثم إذا فتح الله عليه بشيء رد المال إلى بائع الثوم.

حرص الإمام على حسن المظهر

ومع فقره رحمه الله كان نظيف الهندام، قال عبد الملك بن عبد الحميد الميموني : ما أعلم أني رأيت أحداً أنظف بدناً ولا أشد تعاهداً لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوباً بشدة بياض من أحمد بن حنبل رحمه الله.

قارن هذا وبين واقع الناس اليوم الذين قد يدعون التدين ولكنهم من ناحية النظافة الشخصية في أسوأ الحالات، وربما نفروا من حولهم بسبب عدم اعتنائهم بأنفسهم، وبثيابهم، وبشخصياتهم، فسبَّب ذلك عند الكثيرين انطباعاً سيئاً عن الدين، ولذلك يجب أن يؤخذ الإسلام جملة بلا تفريط وخصوصاً ما يصد عن سبيل الله، هذا ينبغي أن تحافظ عليه على أن تمنع الأشياء التي تصد عن سبيل الله، خصوصاً إذا كنت أنت السبب لا بد أن تراقب نفسك مراقبة شديدة.

وأما أدبه رحمه الله مع الناس فقد كان عظيماً، قال حنبل: رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام قال لجلسائه: إذا شئتم. يعني: مع أنه الآن هو الشيخ وهو العالم، لكن إذا أراد أن يقوم قال لجلسائه من التلاميذ: إذا شئتم تسمحوا لي فأمشي.

وقال الميموني : كثيراً ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشيء، فيقول: لبيك لبيك. لبيك يعني: المسارعة في الاستجابة للسؤال، مع أن ذلك السائل هو المحتاج، ولكن الإمام أحمد هو الذي يقول: لبيك لبيك، كأنه خادم مطيع عند ذلك السائل.

وكان الإمام أحمد رحمه الله لما كان مستغنياً عما في أيدي الناس حريصاً على أن يربي أولاده على هذا الأمر، وهذا شيء قد لا تجده في عامة المشايخ اليوم فضلاً عن عامة الناس، قد يكون الشخص قدوة لكن أهله لا يتأثرون به، ولم يقتبسوا منه هذه الأشياء.. الإمام أحمد رحمه الله كان حريصاً على أن يلقن أولاده مبادئ الاستغناء عن الناس.

الإمام أحمد جاءت له فرصة الأموال، وصارت تأتيه من كل حدب وصوب، وصار الناس يعطونه أشياء، حتى لما كان في وقت الشدة كانت تأتيه هدايا من أناس مخلصين، وكانوا يؤكدون له أنها من مال حلال ويقول أحدهم: هذا من إرث أبي، ويقول آخر: عندي اثنا عشر ألف درهم أعطيتك منها كذا (شيء بسيط) فكان يرفض.

ومرة كانوا يضعون له شيئاً في البيت، كصرة مال يضعها زائر خفية، فإذا اكتشفها الإمام أحمد أرجعها إليه، وإذا لم يعرف صاحبها فرقها على الفقراء، ومرة دق الباب، يقول ولد الإمام أحمد : دق الباب فتحت الباب فإذا بقصعة من الطعام مملوءة وضعها الرجل ومشى بسرعة، والإمام أحمد كان يجوع في فترات حتى لا يجد شيئاً، حتى أنه ربما اضطر إلى مواصلة الصيام، ما عنده شيء يأكله، فلما أدخل القصعة فرآها الإمام أحمد وقد امتلأت بأنواع الطعام قال: فمكث ساعة يفكر كيف يصنع؟ ثم قال: اذهبوا بهذا إلى بيت عمي، وأعطوا أولاد صالح ، وكان أولاد صالح قد أتت له ذرية وكان فقيراً، فقال: وأعطوا ولد صالح هذا.. وهذا وزعه وما أكل منه شيئاً.

وجاءته بعد ذلك أموال في أيام المتوكل الذي رفع المحنة عن الإمام أحمد فكان يرجعها ولا يقبل منها شيئاً، ولو أدخلت عليه بالقوة فرقها.

ومرة جاءه مالٌ فرده، بعد سنة واحد من أولاده الذين عاشوا في الفقر، يقول: يا أبتِ لو أخذنا ذلك المال -يعني: لو كنا أخذنا ذلك المال الذي جاءنا قبل سنة- فقال أحمد: لو كنا أخذناه لكان الآن قد فني.

وقال صالح : قلت لأبي: إن أحمد الدورقي أعطي ألف دينار، فقال: يا بني! ورزق ربك خيرٌ وأبقى.

إذاً.. الإمام أحمد قدوة في تعليم الأولاد، قدوة في تربية الأهل، بعض الناس قد يكون عفيفاً متعففاً، صابراً على الشدة، لكن أهله بخلافه، وما أكثرهم!

هو قد يصبر، وقد يحرم نفسه من أشياء كثيرة من متاع الحياة الدنيا، لكن أهله بخلافه لا يصبرون، فإذاً المسألة ليست أن تصبر أنت وأن تعف نفسك فقط، المسألة أن تربي من حولك وخصوصاً الأهل والأولاد على هذه الخصلة.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3611 استماع
التوسم والفراسة 3608 استماع
مجزرة بيت حانون 3530 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3497 استماع
اليهودية والإرهابي 3425 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3425 استماع
حتى يستجاب لك 3393 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3370 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3348 استماع
الزينة والجمال 3335 استماع