التأثر والتفاعل


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

في وسط هذه الجاهلية التي يعيشها المسلمون اليوم ضاعت هوية الشخصية الإسلامية، وانعدمت ميزاتها إلا من رحم ربي عز وجل، والبحث عن سمات الشخصية الإسلامية من الأمور المطلوبة لكل مسلم يريد أن يسير إلى ربه على نور من الله في صراط مستقيم، وللشخصية الإسلامية -أيها الإخوة- سمات بارزة، وعلامات مميزة، ونحن في هذه الخطبة سنتعرض لواحد من سمات هذه الشخصية.

إن الشخصية المسلمة سريعة التأثر والانفعال من أدلة القرآن والسنة .. سريعة التأثر مع المواقف التي جاء في القرآن والسنة ذكر لها .. سريعة التأثر والانفعال إذا ما حدث خطأ من الأخطاء .. سريعة التأثر والانفعال إذا ما وقع المسلم في ذنب من الذنوب .. سريعة التأثر والانفعال عند رؤية أحوال المسلمين .. سريعة التأثر والانفعال لمواعظ الله ورسوله، ونحن اليوم نذكر أمثلةً لهذا التأثر والانفعال في عصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك الشخصيات التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهج الله، فمشت بخطىً ثابتة مستقيمة على منهج الله ورسوله، نذكر هذه الأمثلة في وقت تبلدت فيه إحساسات المسلمين، وانعدم التأثر والانفعال لكثير من المواقف التي ينبغي أن يقف المسلم حيالها وقفة التأثر والانفعال الدافعة إلى العمل لا عند حدود البكاء وذرف العين فقط.

تأثر الصحابة من قوة بلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان أول تأثر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما عرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة، عندما عرض عليهم نصوص القرآن والسنة، ولذلك كانت الصفوة المختارة عندما تسمع كلام الله تتأثر مباشرةً؛ فترق القلوب؛ وتدخل تلك النفوس في دين الله.

وهذه الأحاديث التي سأتلوها الآن هي في الصحيحين أو أحدهما..

عن ابن عباس أن ضماداً قدم مكة فقيل لـضماد : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنون أو دخل فيه جن أو مصاب بمرض، وكان هذا الرجل طبيباً يداوي الناس من الأمراض فقال: لعل الله أن يشفيه على يدي، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عليه صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات الجامعات: (إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد، فقال ضماد : أعد كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوت البحر -يعني: وسط البحر وعمقه من شدة تأثيرهن- ثم قال: هات يدك أبايعك، فبايعه ثم قال له عليه السلام: وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي). يذهب إليهم داعية إلى الله.

أيها الإخوة .. تأثر هذا الصحابي من أي شيء؟ ما هي الكلمات التي نقلته من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام؟

إنها كلمات جامعات لكنها وجدت في قلبه مكاناً فتأثر لها، فدخل في دين الله، اعتنق الإسلام بعد الكفر.

عتاة اليوم من الكفرة والمرتدين الذين يتسمون بالإسلام لو عرضت عليهم مثل هذه الكلمات يا ترى هل سيستجيبون ويتأثرون أدنى تأثر؟!

وعند سماع المواعظ كانت نفوس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ترق رقة عجيبة لكلمات يسمعونها من رسول الله على المنبر.

مثلاً: عن أنس رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعت مثلها قط! قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) لو تعلمون ما أعلم من عذاب الله، وتفاصيل العذاب كيف يعذب أهل النار وكيف يحرقون؟!

لو تعلمون ما أعلم من أهوال المحشر ومن شدة الحساب.. لو تعلمون ما أعلم من عظمة الصراط وشدة المشي عليه والكلاليب التي تتخطف الناس فيهوون في جهنم.. لو تعلمون ما أعلم.

يقول عليه الصلاة والسلام: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) الرسول صلى الله عليه وسلم أراه الله جهنم بعينه، ما اطلع على هذا من الصحابة أحد، فقال لهم هذه الكلمات التي يعبر فيها عما رآه: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) ماذا فعل الصحابة؟

هل قالوا: ما دمنا لم نر ما رآه عليه الصلاة والسلام فلماذا نتأثر كما تأثر؟

لا، هذه الكلمة دفعتهم إلى التأثر حالاً، فقال أنس رضي الله عنه: ( فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ) ذلك الأزيز: الصوت الذي يرتفع من الصدر بالبكاء، صوت يتأزز من الصدر من البكاء لهذه الكلمة التي أخبرهم بها عليه الصلاة والسلام.

يا إخواني .. عندما نسمع المواعظ اليوم هل نتأثر بها كما كان صحابة رسول الله يتأثرون؟!

هل نغطي وجوهنا كما غطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم؟!

هل تنخنق العبرات، وتذرف الدموع، وتخرج الأصوات كالأزيز الذي يغلي به المرجل من الصدور للتأثر من هذه المواعظ؟!

لقد تبلدت إحساساتنا والله، إن على قلوبنا غلافاً سميكاً لا تنفذ من خلاله آيات الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم في المواعظ، يجب أن نرقق هذه القلوب -أيها الإخوة- بشتى أنواع المرققات حتى نصل إلى الدرجة التي إذا سمعنا فيها المواعظ تأثرنا.

كان أول تأثر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما عرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة، عندما عرض عليهم نصوص القرآن والسنة، ولذلك كانت الصفوة المختارة عندما تسمع كلام الله تتأثر مباشرةً؛ فترق القلوب؛ وتدخل تلك النفوس في دين الله.

وهذه الأحاديث التي سأتلوها الآن هي في الصحيحين أو أحدهما..

عن ابن عباس أن ضماداً قدم مكة فقيل لـضماد : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنون أو دخل فيه جن أو مصاب بمرض، وكان هذا الرجل طبيباً يداوي الناس من الأمراض فقال: لعل الله أن يشفيه على يدي، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عليه صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات الجامعات: (إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد، فقال ضماد : أعد كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوت البحر -يعني: وسط البحر وعمقه من شدة تأثيرهن- ثم قال: هات يدك أبايعك، فبايعه ثم قال له عليه السلام: وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي). يذهب إليهم داعية إلى الله.

أيها الإخوة .. تأثر هذا الصحابي من أي شيء؟ ما هي الكلمات التي نقلته من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام؟

إنها كلمات جامعات لكنها وجدت في قلبه مكاناً فتأثر لها، فدخل في دين الله، اعتنق الإسلام بعد الكفر.

عتاة اليوم من الكفرة والمرتدين الذين يتسمون بالإسلام لو عرضت عليهم مثل هذه الكلمات يا ترى هل سيستجيبون ويتأثرون أدنى تأثر؟!

وعند سماع المواعظ كانت نفوس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ترق رقة عجيبة لكلمات يسمعونها من رسول الله على المنبر.

مثلاً: عن أنس رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعت مثلها قط! قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) لو تعلمون ما أعلم من عذاب الله، وتفاصيل العذاب كيف يعذب أهل النار وكيف يحرقون؟!

لو تعلمون ما أعلم من أهوال المحشر ومن شدة الحساب.. لو تعلمون ما أعلم من عظمة الصراط وشدة المشي عليه والكلاليب التي تتخطف الناس فيهوون في جهنم.. لو تعلمون ما أعلم.

يقول عليه الصلاة والسلام: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) الرسول صلى الله عليه وسلم أراه الله جهنم بعينه، ما اطلع على هذا من الصحابة أحد، فقال لهم هذه الكلمات التي يعبر فيها عما رآه: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) ماذا فعل الصحابة؟

هل قالوا: ما دمنا لم نر ما رآه عليه الصلاة والسلام فلماذا نتأثر كما تأثر؟

لا، هذه الكلمة دفعتهم إلى التأثر حالاً، فقال أنس رضي الله عنه: ( فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ) ذلك الأزيز: الصوت الذي يرتفع من الصدر بالبكاء، صوت يتأزز من الصدر من البكاء لهذه الكلمة التي أخبرهم بها عليه الصلاة والسلام.

يا إخواني .. عندما نسمع المواعظ اليوم هل نتأثر بها كما كان صحابة رسول الله يتأثرون؟!

هل نغطي وجوهنا كما غطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم؟!

هل تنخنق العبرات، وتذرف الدموع، وتخرج الأصوات كالأزيز الذي يغلي به المرجل من الصدور للتأثر من هذه المواعظ؟!

لقد تبلدت إحساساتنا والله، إن على قلوبنا غلافاً سميكاً لا تنفذ من خلاله آيات الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم في المواعظ، يجب أن نرقق هذه القلوب -أيها الإخوة- بشتى أنواع المرققات حتى نصل إلى الدرجة التي إذا سمعنا فيها المواعظ تأثرنا.

كان أصحاب رسول الله إذا سمع أحدهم دعاءً طيباً ولو لميت تأثر به.

يقول الراوي: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يبكي: (اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار -ماذا قال الصحابي لما سمع هذه الدعوات؟ هي لميت مات، ماذا قال الصحابي- حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت) يقول الصحابي: تمنيت أن أكون ذلك الميت. لماذا تمنى أن يكون ذلك الميت؟

لأنه تأثر -أيها الإخوة- من هذه الأدعية التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الميت، يتأثرون حتى من الدعاء ولو لميت يتمنى أن يكون مكانه لهذه الأدعية التي دعا بها عليه الصلاة والسلام.

تأثر الصحابة عند حثهم على الصدقة والإنفاق

الصحابة رضوان الله عليهم كثير منهم كانوا فقراء لا يملكون شيئاً خصوصاً في بداية الدعوة، عندما يسمع الصحابة الأوامر التي تحث على أفعال الخير وهم لا يملكون شيئاً، عندما يسمعون الأحاديث تحث على الصدقة وهم لا يملكون دنانير يتصدقون بها، كيف كانوا يتصدقون؟

كان تأثرهم -يا إخواني- من الأحاديث وهذه الكلمات التي تحث على الصدقة يحملهم على فعل أمر عجيب حتى يدركوها، ماذا كانوا يفعلون؟

قال الصحابي: [أمرنا بالصدقة. قال: كنا نحامل -أي: يؤجر أحدنا نفسه لرجل عنده متاع ليحمله له- فإذا حمله له أخذ أجرة التحميل فتصدق بها] ما عنده دنانير ماذا يفعل؟ يذهب يؤجر نفسه فيحمل هذه الأحمال، يأخذ أجرة التحميل فيتصدق بها! أناس تأثروا من هذه الأحاديث التي تدفع إلى الصدقة، ما عندهم شيء، هكذا كانوا يفعلون.

تأثر الصحابة بعد ارتكاب خطأ ما

وإذا اعتدى أحدهم على مسلم، ضعفت نفسه في موقف، عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال -في حديث طويل يرويه الإمام مسلم منه-: (وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد ، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكةً -ضربها بكفه على صفحة وجهها، تأثر كيف يذهب الذئب بغنمة! بشاة! كيف يذهب بها؟ أين أنتِ؟! أين حراستكِ؟! أين رعايتك للغنم؟! تأثر فضربها بيده على صفحة وجهها، فماذا كان موقف الصحابي لما أخطأ في حق هذه المرأة المسلمة؟- فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -هذه الضربة كما أثرت في وجه المرأة أثرت في نفس الضارب- فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي -كيف تفعل هذا الفعل؟ كيف تضرب على الوجه؟! كيف تضرب أصلاً؟ ماذا فعل الصحابي عندما عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر؟- قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ -أيهما أغلى: الشاة أم المرأة الراعية، الأمة عند الرجل؟ الأمة عند الرجل أغلى، وفائدتها عنده عظيمة، لكن لما تأثر ما صار عنده مانع أن يعتقها- قال: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة).

كثير من المسلمين اليوم يعتدون بالضرب على إخوانهم المسلمين الآخرين المستضعفين من الخدم، وحتى إخوانهم الصغار، يا ترى هل إذا أخطئوا يتأثرون مثل تأثر هذا الصحابي؟

هل إذا أخطئوا تنطلق منهم كلمات التأسف، الاعتذار، أم أن أحدهم تأخذه العزة بالإثم فيرفض أن يتفوه بكلمة واحدة يعتذر بها عما فعله؟

خوف الصحابة من فوات الطاعة عليهم

الصحابة حتى النساء كانوا يتأثرون إذا خافوا أن تفوتهم الطاعة، عن جابر بن عبد الله قال في الحديث الطويل في الحج: ثم أهللنا يوم التروية، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فوجدها تبكي، فقال: (ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن) الناس يذهبون إلى الحج، أنا لا أستطيع أن أذهب، أنا حائض. هذا الحيض خوفها فوات العبادة، خوفها فوات موسم الحج، موسم الفضل العظيم، عائشة رضي الله عنها تبكي في بيتها، تخاف أن يفوتها هذا الموسم، ماذا تفعل؟

حاضت، لا تعلم الحكم، فبكت تأثراً وخوفاً من فوات الطاعة، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بكلمات المربي الذي يعالج الحرج في نفوس أتباعه، قال لها: (إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج) أعطاها الحكم، فرج الهم الذي كان بها، خافت عائشة .

اليوم -أيها الإخوة- كم من مواسم الطاعات تفوتنا؟ صغيرها وكبيرها، تفوتنا مواسم الطاعات، هل نحدث أي نوع من الأسف؟ هل نبكي على فوات صلاة الجماعة؟

تأثر الصحابة من عتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعاتب أصحابه على الخطأ كانوا يتأثرون من المعاتبة أشد التأثر لدرجة عظيمة.

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة -قوم من الكفار- فأدركت رجلاً، فلما رفع أسامة عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فطعنته -أسامة يظن أن الرجل قال: لا إله إلا الله؛ اتقاء السيف، فقال: وماذا تنفعه؟ فطعنه فقتله- فوقع في نفسي من ذلك -هذا الفرق أيها الإخوة بين كثير من المسلمين اليوم وبين الصحابة- فوقع في نفسي من ذلك -كانوا إذا صار لهم أمر شك أنه خطأ يأتي فوراً ويعاتب نفسه إذا ظن أن الأمر فيه شيء، الناس اليوم تمر عليهم أمور وهو متأكد من تحريمها ولا يحدث في أنفسهم شيء مطلقاً، وقع في نفسه شيء، ربما أنه أخطأ، ماذا يعمل؟ إلى المرجع مباشرةً: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]- قال أسامة : فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لا إله إلا الله وقتلته؟! قال: قلت: يا رسول الله! إنما قالها متعوذاً، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟) أقالها خوف السلاح أم لشيء آخر؟ فما زال يكرر ذلك، وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقتلته؟ قال: نعم. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فيقول أسامة: يا رسول الله! استغفر لي. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فيقول أسامة: يا رسول الله! استغفر لي. فجعل لا يزيده على أن يقول: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟) ماذا حدث -أيها الإخوة- في هذا الموقف؟

لما عاتبه على خطئه وبخه توبيخاً شديداً، وذكره بالحساب، ماذا تمنى الصحابي؟ ماذا قال؟

ما هي الكلمات التي عبر بها عن الحرج العظيم في نفسه؟

قال: ( فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ) تمنيت أني ما دخلت في الإسلام إلا بعد هذا الخطأ؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، تمنيت أني ما أسلمت إلا في ذلك اليوم؛ لأنه عظم عليه هذا جداً.

اليوم كثير من المجرمين يفعلون جرائم متعددة، وكبائر كبيرة جداً، لو سمعوا وعظم ذلك عليهم وقرعوا على أفعالهم، وأقيمت عليهم الأدلة على شناعة ما فعلوا ماذا يحدث لديهم من التأثر؟ أي تأثر يحدث في نفوسهم؟

فرق أيها الإخوة، هذه النفسيات اختلفت، فالناس نفوسهم اختلفت تماماً.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم واجعلنا من أهل العزة والبصيرة، من الذين يتأثرون إذا تليت عليهم آيات الله، وتزيدهم إيماناً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه غفور رحيم.