خطب ومحاضرات
أيتها المرأة احفظي قلبك وجوارحك
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فلما هممت بإلقاء هذه الكلمة وإعدادها تحيرت في الموضوع الذي يناسبها، لأنها لا تتكرر إلا بين الحين والحين، والموضوعات التي تحتاج إلى إيضاح وبيان كثيرة، ثم رأيت أن أجعل مدار هذه الكلمة على موضوع واحد تتفرع عنه جميع الموضوعات الأخرى؛ ألا وهو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} والحديث متفق عليه.
أيتها الأخوات: إن هذه المضغة، القطعة من اللحم المسماة بالقلب عليها مدار كل شيء، فهي بالنسبة للجسد ملكه، وما الأعضاء والجوارح من السمع، والبصر، والأيدي، والأرجل، واللسان، وغيرها؛ إلا جنود تحت خدمة هذا السيد المطاع الذي هو القلب، فإذا كان القلب صالحاً فإنه يأمر جنوده بكل أمر صالح، فلا ينظر الإنسان إلا إلى حلال، ولا يسمع إلا الخير، ولا يمشي إلا إلى خير، ولا يأخذ إلا خيراً، وإذا كان هذا السيد المطاع الذي هو القلب فاسداً فإنه يأمر جنوده التي هي الأعضاء بالشر والفساد، فلا يرتاح الإنسان إلا إلى النظر للحرام، وسماع المحرم، والمشي إلى الحرام، وأخذ الحرام، وإعطاء الحرام، فالقلب يملي على جوارح الإنسان جميع الأعمال، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عن هذه المضغة: {إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله}.
أيتها الأخوات: أحياناً يكون مظهر الإنسان مظهراً غير إسلامي -مثلاً- تكون المرأة قد لبست ثياباً ضيقة، أو غير ساترة، أو ثياباً فيها تشبه بلباس الكافرات، أو ثياباً محرم لبسها، أو استعطرت في حضرة رجال أجانب، أو تسمع الغناء المحرم، أو تغتاب الناس وتنتهك أعراضهم، فإذا وجدت من يلومها ويعاتبها ويقول اتركي هذه الأشياء، قالت: التقوى هاهنا -وتشير إلى صدرها- وتنسى أن التقوى لو كانت فعلاً هاهنا لظهرت آثارها على الجوارح، لأن القلب إذا صلح صلح الجسد كله.
إذاً: فإننا حين نرى مظهر الإنسان مظهراً سيئاً منحرفاً نستنتج من ذلك أن القلب إما ميت، أو مريض، والعكس بالعكس إذا كان مظهر الإنسان مظهراً حسناً فإننا نستنتج من ذلك أن القلب فيه حياة وفيه نور.
القلب لا بد له من تعلق لأن الله تبارك وتعالى حين خلق القلب جعله مستودعاً للمشاعر من الحب، والبغض، والرحمة، والحسد، والحقد، وغيرها من المشاعر الطيبة أو المشاعر الخبيثة.
فلا بد أن يكون هذا القلب مملوءاً بشيء، إما بخير، أو بشر، لا بد أن يتعلق القلب بشيء ولننظر الآن في أنواع الأشياء التي يمكن أن يتعلق بها القلب ونطبقها على واقع حياتنا التي نعيشها في هذا العصر.
قد يتعلق قلب الإنسان رجلاً كان أو امرأة بالدنيا وزخارفها، ويمتلئ بمحبة هذه الدار والحرص على الاستمتاع الكامل بها، وهذه ليست من صفات المؤمنين، يقول الله عز وجل: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:15-16] ويقول جل وعلا: وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الذين يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ [إبراهيم:2-3] فاستحباب الحياة الدنيا، وإيثارها على الآخرة ليست من صفات المؤمنين، ويقول سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16].
وفيما يتعلق بالمرأة خاصة فقد حدث أن كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه يطالبنه بالنفقة على رغم قلة ذات اليد وشظف العيش في ذلك العصر، حتى ضاق من ذلك صدر النبي صلى الله عليه وسلم ونـزل قول الله تعالى مخاطباً نساء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [الأحزاب:28] فالمرأة التي غاية تعلقها هي الحياة الدنيا وزينتها لا تصلح أن تكون زوجاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عقب على ذلك بقوله: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:29] وهكذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً ممن أرادن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الدنيا وما فيها.
إن كثيراً من النساء اليوم قد تعلقت قلوبهن بالدنيا وزخارفها، فأصبحت المرأة مفتونة -مثلاً- بملاحقة الموضات في الملابس والأزياء التي تصدرها بيوت الأزياء في العالم، وتعمل من وراء نشرها على تخريب أخلاق الناس، وإفساد مجتمعاتهم، وسلب أموالهم أيضاً، وغالب بيوت الأزياء يمتلكها أناس من اليهود المشهورين بالإفساد، والابتزاز، والتخريب، والحقد على الأمم والشعوب كلها وعلى الأمة الإسلامية بشكل خاص.
ومع هذا فانظري أيتها المسلمة كيف إقبال فتيات المسلمين اليوم على هذه الأزياء والموضات، انظري كيف إقبالهن على تلك المجلات التي ليس لها هدف إلا اطلاع المرأة على أحدث الأزياء والموضات التي تصدر في أوروبا، أو أمريكا أو غيرها من بلدان العالم، أو في بعض البلاد الإسلامية أيضاً، انظري كيف صار افتتان كثير من الفتيات بتسريحات الشعر، وصرف قدر كبير جداً من الوقت في تصفيف الشعر وتلميعه وترتيبه وتقصيصه، ومتابعة أحدث التسريحات في ذلك، والتي أصبحت هي الأخرى لها كتب ومجلات خاصة تعلم الناس وتعلم النساء ما يتعلق بذلك، وأصبحت المسلمة تحاكي الكافرات في تسريحات شعورهن.
فإن كانت الموضة تقصير الشعر سارعت المسلمة إلى تقصيص شعرها حتى لا يبقى منه إلا القليل، وإن كانت الموضة إطالته لبست شعوراً مستعارة تطيل شعرها، وإن كان تسريحه أو تصفيفه بطريقة معينة في أعلى الرأس أو في أدناه أو في أسفله؛ سارعت المرأة إلى هذا أو ذاك مسارعة الذي لا هم له إلا الزينة فقط، وليس من شك أن الزينة جزء من حياة المرأة، وأعني بالذات المرأة المتزوجة، لكن المشكلة تكمن في هذا الموضوع في عدة أمور:
الأول: في كون هذا الأمر يأخذ من وقت المرأة أكثره، حتى إنه يصبح لا هم لها إلا أن تلبس ثوباً وتخلع آخر، وقد تستغني عن عدد كبير من الملابس لأن الموضة تعدتها، وتسرح شعرها بطريقة ثم تعدل إلى طريقة أخرى، وتصبغه اليوم بصبغ ثم تعمل على تلافي هذا الصبغ بصبغة أخرى حسب ما تمليه أوضاع المجتمعات الكافرة التي أصبح المسلمون يتلقون عنها، كذلك تفتتن المرأة بالسكن الجميل وبالسيارة الجميلة لزوجها، وبغير ذلك من المظاهر الدنيوية.
وفي هذا يجب أن نعلم أن الله تعالى أباح لنا حداً من هذا، قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32] وفي صحيح مسلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق -أي رده- وغمط الناس -أي احتقارهم وازدراؤهم-} فينبغي أن نفرق بين عناية المرأة وخاصة المتزوجة بقدر من التجمل لزوجها وكسب رضاه، ومساعدته على غض بصره وإعفاف فرجه، وبين المبالغة في هذا الأمر مبالغة تصل إلى حد الإسراف، فالإسراف في كل شيء مكروه وممنوع، حتى في أمور الخير، فما بالك بالأمور العادية، إن الإسراف فيها قد يتحول إلى نوع من العبودية لهذه الأشياء.
الأمر الآخر: أن كثيراً من النساء تستخدم هذه المظاهر وهذه الزينة أمام الآخرين، إما من النساء الأخريات، أو من الرجال، أما أمام النساء فغرضها أنها تجعل مجتمعات النساء سواء في الزواجات، أو في الاجتماعات العائلية، أو حتى في المدارس، أو في غيرها؛ تجعلها ميداناً للتنافس والسباق التجاري في هذه الأشياء، وتوجد القدوة للأخريات ببعض الأعمال التي قد لا تكون سائغة ولا مستحسنة من جهة الشرع، وأما إن كانت أمام رجال أجانب فهذه الأمور كلها تدخل في باب التحريم لما فيها من الإثارة وبعث الفتنة في صدور الرجال، فالمرأة تفتتن بهم وتفتنهم أيضاً.
وهذا كله من آثار تعلق القلب بهذه الدنيا، لأن الله تعالى وعدنا بجنة عرضها السماوات والأرض، وفيها من ألوان النعيم للرجل والمرأة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالمرأة المؤمنة بهذه الجنة والتي تعلم أن مصير المؤمنين بعد موتهم إليها -بإذن الله تعالى- لا تبالغ في الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا، وهي تتذكر قول الله عز وجل للكافرين يوم القيامة وهو يحشرهم إلى النار ويوبخهم بقوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأحقاف:20] وقد ورد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه وهو من كبار الصحابة ومن أثريائهم أنه قدمت له وليمة من الطعام في أحد الأيام، فلما هم بأكلها فكر قليلاً ثم تنحى وبدأ يبكي، فجاءوا إليه وقالوا: -رحمك الله- ما يبكيك؟ فذكر رضي الله عنه حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من الفقر، وشظف العيش، ثم ما صاروا إليه من الغنى، والترف، والتوسع في المأكولات، والمشروبات، والملبوسات وغيرها، ثم قال: أخشى أن تكون حسناتنا عجلت لنا في الحياة الدنيا.
ومن هذا الباب -أيضاً- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر: {أن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء} فما معنى هذا الحديث؟ ليس معناه والله أعلم أن الكافر له سبعة أمعاء في بطنه، والمؤمن له معي واحد، بل الخلقة هي في الغالب واحدة، والإنسان قد يكون اليوم كافراً وغداً يكون مسلماً، ولا يلزم من ذلك أن تتغير خلقته، وتختلف أمعاؤه بدلاً من كونها سبعة أصبحت واحده، وإنما المعنى -والله تعالى أعلم- أن المؤمن يقتصر في مأكله فيأكل بقدر لأن ما هو فيه من أمور الدين، والإيمان، والعبادة، والإقبال على الله، والطمع في الآخرة، يجعل اهتمامه بالأكل في حدود معينة.
أما الكافر فكل همه هذه الدنيا، ولذلك يأكل بنهم، ويشرب بنهم، ويقضي شهواته بنهم، لأن الفرصة الوحيدة التي يستمتع بها هي هذه الدنيا ولا فرصة له بعدها، فينبغي للمسلمة أن تحفظ قلبها من التعلق بالدنيا وزخارفها.
تعلق المرأة بالمرأة
تعلق المرأة برجل
ونحن نجد أن الله سبحانه وتعالى ضرب لنا المثل بـامرأة فرعون: إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] فهي امرأة لكن الله عز وجل رزقها من قوة الشخصية، وقوة الإيمان، وقوة التوكل على الله، والثقة به، ما جعلها تحتقر فرعون وما هو فيه من النعيم والترف، لما ترى عليه من الكفر بالله عز وجل والطغيان، فترفع يديها وهي في قلب هذا القصر العامر لتقول: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] فهي لا تريد بيت فرعون هذا؛ إنما تريد بيتاً في الجنة، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ [التحريم:11] لم تغتر بمظاهر الدنيا، وزينتها الموجودة في هذا القصر، بل تطلعت إلى ما عند الله عز وجل وهي بذلك تضرب المثل لكل امرأة مؤمنة ألا يكون تعلقها بزوجها سبباً في انحرافها، أو معصيتها لله عز وجل.
وقد يؤدي هذا التعلق بالزوج إلى الانشغال عن قراءة القرآن، وعن الصلاة، وعن ذكر الله عز وجل فتجد أن قلب المرأة مشغول بهذا الهم حتى وهي تصلي وتركع وتسجد وهذا نوع من استعباد القلب لغير الله عز وجل.
ويزيد الأمر خطورة وفظاعة حين يكون تعلقاً برجل أجنبي، ومع الأسف أجدني مضطراً إلى الحديث عن هذا الأمر وإن كان غريباً على مجتمعاتنا -ولله الحمد- أو على ما يظهر للناس من مجتمعاتنا، لأن كثيراً من الأفلام والمسرحيات التي تعرض نسمع أنها تدور دائماً حول قضايا الحب وتعلق المرأة بالرجل، وكيف تمت هذه العلاقة، وقد يكون الفيلم من أوله إلى آخره أو المسرحية يدور حول هذا، وهذا يفسد من يشاهده -ولعل من يستمعون إلى هذا الحديث لا يكون منهم من يشاهد مثل هذه الأمور- يربي من يشاهده على التقليد لهذه الأشياء، وسلوك نفس المسلك الذي شاهده في هذه التمثيلية أو هذا الفيلم.
فالتعلق بأولئك هو خطر على القلب، وخطر على دين الإنسان، وخطر على دنياه أيضاً، ومن تعلق بشيء فهو يوكل إليه، ومن تعلق بشيء فهو عبد له، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار} وعلى هذا -أيضاً- أقول تعس من الرجال من هو عبد للمرأة، الذي استعبدته شهوته، تعس عبد الشهوة، تعس عبد الوظيفة.
ونقول للنساء تعست عابدة الشهوة، وتعست عابدة أو أمة الرجل، وتعست عبدة الدنيا، أو أمتها التي لا تعلق لها إلا بها، فمن تعلق قلبه بشيء من هذه الأشياء فهو عبد له.
من أنواع الأشياء التي قد يتعلق بها القلب تعلق قلب المخلوق بمخلوق مثله، -مثلاً- قد تتعلق أو يتعلق قلب المرأة بامرأة أخرى مثلها، فنجد أن بعض النساء إذا كان بينهن اجتماعات متواصلة في المدارس، والجامعات، وفي العلاقات العائلية، من كثرة الاحتكاك يوجد نوع من الروابط والمودة القلبية بين بعض النساء وبعض، فتجد أن فلانة أصبحت تعيش مع فلانة طيلة وقتها، وتجالسها باستمرار، وتقلدها في حركاتها، وفي مشيتها، وفي طريقة حديثها، وفي أسلوبها، وفي كل شيء؛ حتى في ملابسها، في الخير وفي الشر على سبيل الإعجاب بها، حتى تصبح كأنها نسخة منها؛ تقلدها في كل أمورها ولو لفترة معينة، فإن كانت هذه المرأة صالحة فربما كان هذا سبباً في كونها تقلدها في بعض أمور الخير، وإن كانت ضد ذلك فإنها تقلدها فيما كانت عليه، وهذا التعلق القلبي -أيضاً- هو نوع من تعلق القلب بغير الله عز وجل بدليل أنه قد يجر المرأة -إذا تعلقت بامرأة أخرى مثلها- يجرها إلى تقليدها حتى في الأمور المحرمة، وإلى عدم سماع أي نقد أو ملاحظة عليها، فهي لا ترى فيها إلا الحسنات، لا ترى فيها عيوباً فهذا يجب الحذر منه.
وقد يكون التعلق بإنسان آخر من الجنس الآخر، كأن تتعلق المرأة بزوجها -مثلاً- تعلقاً يصل إلى حد الاستعباد، بحيث يؤثر هذا التعلق على سلوك المرأة حتى تؤثر مرضاة زوجها على مرضاة ربها، وحتى تطيع زوجها في معصية الله عز وجل، من الأمثلة على ذلك أن الزوج قد يكون مبتلىً بسماع الغناء، فالمرأة لشدة تعلقها بزوجها أصبحت توافقه على هذا المنكر، ولا تعترض عليه، وقد يكون مبتلى بمشاهدة الأفلام والتمثيليات التي تنافي الأخلاق، وتنافي الدين، ويُعرض فيها من المشاهد ما يخل بالمروءة، ويخل بالدين، ويخل بالحياء، قليلاً كان أو كثيراً، فنجد أن المرأة توافق زوجها على هذا الأمر، بل إنها قد تعينه على ذلك بمساعدته على تسجيل هذه الأمور، أو تصويرها، أو عرضها، أو ما شابه ذلك.
ونحن نجد أن الله سبحانه وتعالى ضرب لنا المثل بـامرأة فرعون: إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] فهي امرأة لكن الله عز وجل رزقها من قوة الشخصية، وقوة الإيمان، وقوة التوكل على الله، والثقة به، ما جعلها تحتقر فرعون وما هو فيه من النعيم والترف، لما ترى عليه من الكفر بالله عز وجل والطغيان، فترفع يديها وهي في قلب هذا القصر العامر لتقول: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] فهي لا تريد بيت فرعون هذا؛ إنما تريد بيتاً في الجنة، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ [التحريم:11] لم تغتر بمظاهر الدنيا، وزينتها الموجودة في هذا القصر، بل تطلعت إلى ما عند الله عز وجل وهي بذلك تضرب المثل لكل امرأة مؤمنة ألا يكون تعلقها بزوجها سبباً في انحرافها، أو معصيتها لله عز وجل.
وقد يؤدي هذا التعلق بالزوج إلى الانشغال عن قراءة القرآن، وعن الصلاة، وعن ذكر الله عز وجل فتجد أن قلب المرأة مشغول بهذا الهم حتى وهي تصلي وتركع وتسجد وهذا نوع من استعباد القلب لغير الله عز وجل.
ويزيد الأمر خطورة وفظاعة حين يكون تعلقاً برجل أجنبي، ومع الأسف أجدني مضطراً إلى الحديث عن هذا الأمر وإن كان غريباً على مجتمعاتنا -ولله الحمد- أو على ما يظهر للناس من مجتمعاتنا، لأن كثيراً من الأفلام والمسرحيات التي تعرض نسمع أنها تدور دائماً حول قضايا الحب وتعلق المرأة بالرجل، وكيف تمت هذه العلاقة، وقد يكون الفيلم من أوله إلى آخره أو المسرحية يدور حول هذا، وهذا يفسد من يشاهده -ولعل من يستمعون إلى هذا الحديث لا يكون منهم من يشاهد مثل هذه الأمور- يربي من يشاهده على التقليد لهذه الأشياء، وسلوك نفس المسلك الذي شاهده في هذه التمثيلية أو هذا الفيلم.
فالتعلق بأولئك هو خطر على القلب، وخطر على دين الإنسان، وخطر على دنياه أيضاً، ومن تعلق بشيء فهو يوكل إليه، ومن تعلق بشيء فهو عبد له، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار} وعلى هذا -أيضاً- أقول تعس من الرجال من هو عبد للمرأة، الذي استعبدته شهوته، تعس عبد الشهوة، تعس عبد الوظيفة.
ونقول للنساء تعست عابدة الشهوة، وتعست عابدة أو أمة الرجل، وتعست عبدة الدنيا، أو أمتها التي لا تعلق لها إلا بها، فمن تعلق قلبه بشيء من هذه الأشياء فهو عبد له.
من أنواع التعلق -تعلق القلب بغير الله- تعلق القلب بالوظيفة الدنيوية، بحيث تصبح هذه الوظيفة هي هم الإنسان، من أجلها يسعى سواء كانت هذه الوظيفة وظيفة إدارية أم تعليمية أم غيرها، فكثير من الناس اليوم تعلقوا بهذه الوظائف، وأصبح عملهم من أجلها، حتى إنك تجد أن الإنسان -أحياناً- وهو في عمل شريف كالتدريس، أو التوجيه، وقد تكون المرأة معلمة، أو موجهة -وهذه الرسالة رسالة التعليم والتوجيه هي أشرف رسالة في الحياة، والمعلم إذا كان يعلم طلابه الدين والشرع بطريقة صحيحة، فهو من ورثة الأنبياء، لأن الرسل بعثوا ليعلمون الناس، ويرشدونهم، ويدرسونهم- تجدين أن المُدرسة أو الموجهة أو الموظفة تشعر بأنها تؤدي وظيفة وليست تؤدي رسالة، ولست بهذا أقصد التعميم، وإنما أقصد أن من تعلق قلبه بالوظيفة كان كذلك، وإلا فإن ما نسمعه عن كثير من العاملات في هذا المجال مما يبشر بخير كثير إن شاء الله.
فالمرأة المتعلقة بالوظيفة والتي تشعر أن تدريسها هو مجرد وظيفة تأخذ عليها الراتب، لا تكون قدوة حسنة لطالباتها، ولذلك قد تدرس مواداً دينية -مثلاً- وتبين للطالبات اللباس وكيف يجب أن يكون من حيث الستر والسعة، كونه فضفاضاً غير ضيق، وعدم الطيب، وطريقة اللباس، وطريقة الشعر وغيرها، وهي مخالفة لهذه الأشياء كلها وحينئذٍ يصدق عليها قول الله عز وجل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] ولله در القائل في مثل هذا الصنف:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها |
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً والموبقات لعمري أنت جانيها |
ويقول أبو الأسود الدؤلي في قصيدة له:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم |
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم |
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم |
فهناك يُقبل إن وعظت ويُقتدى بالقول منك وينفع التعليم |
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم |
فعلى الأخت المسلمة -مدرسة كانت أو موجهة أو مديرة- أن تحرص على أن تكون هذه الوظيفة مجرد وسيلة للإصلاح، وخدمة الإسلام والمسلمين، وتربية النشء تربية إسلامية صحيحة، وهذا هو ما نظنه بالأخوات أو بكثير من الأخوات العاملات في هذا المجال.
إن تعلق قلب الإنسان بالوظيفة يجعله يحرص على الوصول إليها بأي وسيلة ومن ذلك -مثلاً- أن كثيراً من الطالبات لأن قلبها متعلق بمسألة النجاح في الامتحان، ومن ثم التخرج والالتحاق بمعهد أو كلية ونيل الوظيفة أو الشهادة، إن الطالبة لا تبالي بأي وسيلة نجحت، وكثيراً ما نسمع شكاوى من المعلمات وغيرهن من كثرة محاولة بعض الطالبات للغش والتزوير في الامتحانات، وهذا عمل لا شك أنه محرم، وفي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من غشنا فليس منا} وهذا دليل على أن الغش كبيرة من كبائر الذنوب أياً كان هذا الغش، سواء في البيع، أم في الشراء، أم في المعاملة، أم في الامتحان، أم في أداء الواجبات، أم في غيرها، فالغش بجميع أنواعه محرم في الإسلام، {ومن غش فليس منا} كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا وعيد شديد يدل على أن الغش من كبائر الذنوب.
وما يدفع الطالبة إلى الوقوع في الغش، والتزوير، والتلاعب، إلا لأن الهم أصبح هو النجاح لا غير ونيل الشهادة، ثم الوظيفة، أما لو كانت تشعر بأنها تتعلم لتكوّن شخصيتها، وتتعلم دينها، وتعرف واجباتها، فإنها تدرك أن الغش حينئذٍ لا ينفعها في هذا المجال، بل يضرها، وهو بالتالي يخرج لنا في المستقبل معلمة تخرجت بالغش، ومديرة تخرجت بالغش، وموجهة تخرجت بالغش، وقل مثل ذلك في جميع الأعمال الدنيوية في مجال الرجال، أو في مجال النساء.
هذه أمثلة من تعلق قلب الإنسان بغير الله وأما الأمر المطلوب فهو أن يتعلق قلب العبد بالله عز وجل وأن يكون رضا الله تعالى هو أسمى مطلوب في قلب المؤمن، وأن يكون حبه أعظم حب في قلبه، ورجاؤه أعظم رجاء، وخوفه أعظم خوف، لا بد أن تجمع في قلبك ثلاثة معانٍ :
أولاً: حب الله تعالى، والله سبحانه هو الذي أنعم على العبد بجميع النعم، فهو المستحق لالحب استحقاقاً كاملاً.
الأمر الثاني: الخوف من الله، لأن الله تعالى قوي شديد العقاب، والمعصية مهما صغرت فأنت لا تنظر إلى صغر المعصية، لكن انظر إلى عظم من عصيت وهو الله تبارك وتعالى، فحري بالعبد أن يخاف الله تعالى.
ولذلك لو عذب الله تبارك وتعالى أهل أرضه وأهل سماواته لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، يقول الشاعر في وصف الله عز وجل:
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع |
إن نُعِّموا فبفضله أو عُذِّبوا فبعدله وهو الكريم الواسع |
والأمر الثالث: هو الرجاء في الله تعالى بحيث يجمع الإنسان بين حب الله وخوفه ورجائه.
وهذه الأمور الثلاثة لا بد منها، وقد سمعت كثيراً من الشكاوى من بعض النسوة الطيبات في غلبة الخوف على قلوبهن، بحيث تكون المرأة قلقة فزعة مذعورة خائفة أبداً، خائفة من الموت، خائفة من العذاب، خائفة من سوء الخاتمة، كثيرة الخوف، فيغلب عليها هذا الخوف حتى يكدر عليها حياتها، وعبادتها، وقد يفضي بها إلى أنواع من الوسوسة والتنطع المفرط، وهذا يكون بسبب أن المرأة تقرأ كثيراً من الكتب، وتسمع كثيراً من الأشرطة التي تركز على جانب الخوف، فينبغي للمرأة أيضاً أن تقرأ في جانب الرجاء، تقرأ في القرآن الكريم، وتقرأ من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الأحاديث التي فيها التخويف والترهيب، وأيضاً الأحاديث التي فيها الرجاء والترغيب حتى يكون عندها توازن واعتدال بين هذه الأشياء.
حياة المرأة كلها تكون موافقة لمحبة الله ورضاه
وكثيراً من النساء تجد عندهن تقصيراً في هذه الأمور، قد تؤخر المرأة الصلاة لأدنى سبب، وربما لغير سبب، إما لأنها ذهبت إلى حفلة زواج، أو لأنها جلست تسمر مع بعض قريباتها أو صديقاتها، أو تشتغل ببعض شئونها وواجباتها، أو لأنها نامت فلم تستيقظ، ويتكرر هذا الأمر فتخل المرأة بأداء صلاة العشاء الآخرة، وبأداء صلاة الفجر، وكذلك صلاة العصر لهذه الأسباب، مع ما ورد من التحذير من ذلك، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً} أما صلاة العصر فقد صح أنها هي الصلاة الوسطى التي خصها الله عز وجل بقوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238].
حرص المرأة على لزوم بيتها
وأما الحاجة فكأن تخرج لحاجاتها التي لا بد لها منها، ولا يمكن أن يقوم بها غيرها عنها، وحينئذٍ تكون في خروجها متسترة متحفظة لا تتبرج بالزينة، ولا تلبس الثياب الجذابة المثيرة الملفتة للنظر، ولا تكثر من الكلام والمماكسة والأخذ والعطاء مع الرجال لغير أمر يدعو إلى ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة لما صفق الرجال قال لهم: {إنما التصفيق للنساء، وأما الرجل فإنه إذا نابه شيء في الصلاة يقول: سبحان الله} وإنما أمرت المرأة بالتصفيق إذا احتاجت إليه، إذا نابها شيء، لأن صوت المرأة مما لا ينبغي أن يرتفع إلا لحاجة، كأن تكون سائلة، أو مستفتية، أو متكلمة في أمور تحتاجها، أما الاستطراد في الحديث والضحك وكثرة الكلام والخضوع بالقول فهذه من الأمور التي لا تجوز، ولا يسوغ للمرأة المسلمة أن تفعله مع رجال أجانب.
التستر الكامل
اتباع نساء السلف
العناية بطلب العلم
العناية بالدعوة
عدم التنطع في الدين
وعلى المرأة المسلمة أن تدرك أن الله تعالى يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وإذا عجز الإنسان عن شيء فإنه يسقط عنه وينتقل إلى ما يستطيعه منه، فإذا عجز عن الصلاة قائماً صلى قاعداً، وإذا عجز عن الصلاة قاعداً صلى على جنبه، وإذا عجز عن الطهارة بالماء تطهر بالتيمم -مثلاً- وقل مثل ذلك في سائر الواجبات الأخرى؛ إذا عجز عن شيء انتقل إلى بدله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وعلينا ألا نبغض إلى أنفسنا عبادة الله عز وجل بالتنطع في بعض هذه الأمور، والاستجابة لوساوس الشيطان.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |