خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/162"> الشيخ محمد بن صالح العثيمين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/162?sub=8869"> دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416ه
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416ه [2]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإننا قبل أن نبدأ لقاء هذا الصباح، نشير إلى ما ذكرناه في اللقاء الماضي؛ وذلك لأن العلم يحتاج إلى ترسيخ، ومن أقوى أسباب الترسيخ: أن يناقش الإنسان نفسه مع نفسه، وأن يناقش مع غيره.
أنواع التوسل المشروع
النوع الأول: التوسل إلى الله بأسمائه: كحديث ابن مسعود : (أسألك بكل اسمٍ هو لك .. إلى أن قال: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي).
ومثال التوسل باسم معين: أسألك يا رحمان! أن ترحمني، وهنا يتوسل الإنسان إلى الله تعالى باسم مناسبٍ لمطلوبه، فإذا كان يريد أن يسأل الله المغفرة فليقل: يا غفور! وإذا كان يريد الرحمة يقول: يا رحمان! فيكون الاسم مناسباً للمطلوب، هذا واحد.
الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته: كحديث الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك .. إلخ) ومثله: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي).
الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، دليله ومثاله أيضاً: قولنا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد) هذا دعاء ، التوسل: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد) ولهذا نعرب الكاف هنا: حرف تعليل لا تشبيه، وحينئذٍ لا نحتاج إلى الإشكالات التي أوردها بعض العلماء، وقال: كيف نشبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على إبراهيم وآله مع أن محمداً أفضل؟ نقول: لا حاجة لهذا؛ لأن الكاف هنا ليست للتشبيه، بل هي للتعليل، ولهذا جعلناها توسلاً.
الرابع: التوسل بالإيمان بالله، دليله ومثاله: رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [آل عمران:16].
الخامس: التوسل بالأعمال الصالحة، مثاله ودليله: قصة أصحاب الغار: ثلاثة دخلوا في غار ثم انطبقت عليهم الصخرة لا يستطيعون إزالتها وزحزحتها فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم.
سادساً: التوسل بدعاء الرجل الصالح؛ أن تطلب منه الدعاء، مثاله ودليله: توسل عمر بن الخطاب بدعاء العباس بن عبد المطلب ، وكذلك توسل الصحابة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
سابعاً: التوسل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53].
التوسل إلى الله بمحبة الرسول: أسألك بنبيك، هذه ربما نجعلها تابعة للأعمال الصالحة؛ لأن محبة الرسول من أفضل الأعمال.
بقي علينا نوع ثامن لم أذكره في اللقاء الماضي: وهو التوسل بحال السائل؛ بمعنى: أن يذكر الإنسان حاله.. يتوسل بها ويستعطف بها ربه عز وجل، كقول موسى: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24] وقد جمع هذا مع أنواع أخرى فيما علمه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر رضي الله عنه حينما قال: (يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هذا فيه التوسل بحال السائل، والتوسل بصفة من صفات الله، والتوسل بأسماء الله، فأين هي حال السائل؟
قوله: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) وأين الصفة من صفات الله؟ قوله (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) لأن المغفرة صفة، وأين أسماء الله؟ قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم).
قولنا: التوسل بدعاء الرجل الصالح، نحن نعلم كلنا أن المراد: الرجل الصالح الحي الذي تطلب منه أن يدعو لك، وليس المراد التوسل بدعاء الميت وذلك أن الميت لا يبلغه، إذ أن عمله قد انقطع، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) ولهذا لا يجوز أن تقف على قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتقول: يا رسول الله! اشفع لي؛ لأنه لا يملك هذا، ولا يمكن أن يدعو لك بالشفاعة، فهو لا يملك أن يشفع، ولا يملك أن يدعو بالشفاعة وهو ميت، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] يعني: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله، أما كونه لا يملك أن يشفع في حال موته، فلقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) ومن العمل الدعاء، فالدعاء عبادة، ولا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدعو لأحدٍ بالشفاعة بعد موته.
وأقرب طريقٍ تحصل به على شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تخلص التوحيد لله، ولهذا قال أبو هريرة : (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ -ماذا قال؟- قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) هذا أسعد الناس بشفاعة الرسول.
فإذا كنت تريد شفاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقل: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك، وأنت متى قلت: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك فسوف تقوم بما تقتضيه هذه الشهادة العظيمة ألا وهو عبادة الله عز وجل.
أنواع التوسل الممنوع
ذكرنا فيما سبق أن التوسل إلى الله سبحانه وتعالى عند الدعاء ينقسم إلى قسمين: جائز وممنوع، وذكرنا أن الجائز سبعة أنواع:
النوع الأول: التوسل إلى الله بأسمائه: كحديث ابن مسعود : (أسألك بكل اسمٍ هو لك .. إلى أن قال: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي).
ومثال التوسل باسم معين: أسألك يا رحمان! أن ترحمني، وهنا يتوسل الإنسان إلى الله تعالى باسم مناسبٍ لمطلوبه، فإذا كان يريد أن يسأل الله المغفرة فليقل: يا غفور! وإذا كان يريد الرحمة يقول: يا رحمان! فيكون الاسم مناسباً للمطلوب، هذا واحد.
الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته: كحديث الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك .. إلخ) ومثله: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي).
الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، دليله ومثاله أيضاً: قولنا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد) هذا دعاء ، التوسل: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد) ولهذا نعرب الكاف هنا: حرف تعليل لا تشبيه، وحينئذٍ لا نحتاج إلى الإشكالات التي أوردها بعض العلماء، وقال: كيف نشبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على إبراهيم وآله مع أن محمداً أفضل؟ نقول: لا حاجة لهذا؛ لأن الكاف هنا ليست للتشبيه، بل هي للتعليل، ولهذا جعلناها توسلاً.
الرابع: التوسل بالإيمان بالله، دليله ومثاله: رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [آل عمران:16].
الخامس: التوسل بالأعمال الصالحة، مثاله ودليله: قصة أصحاب الغار: ثلاثة دخلوا في غار ثم انطبقت عليهم الصخرة لا يستطيعون إزالتها وزحزحتها فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم.
سادساً: التوسل بدعاء الرجل الصالح؛ أن تطلب منه الدعاء، مثاله ودليله: توسل عمر بن الخطاب بدعاء العباس بن عبد المطلب ، وكذلك توسل الصحابة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
سابعاً: التوسل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53].
التوسل إلى الله بمحبة الرسول: أسألك بنبيك، هذه ربما نجعلها تابعة للأعمال الصالحة؛ لأن محبة الرسول من أفضل الأعمال.
بقي علينا نوع ثامن لم أذكره في اللقاء الماضي: وهو التوسل بحال السائل؛ بمعنى: أن يذكر الإنسان حاله.. يتوسل بها ويستعطف بها ربه عز وجل، كقول موسى: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24] وقد جمع هذا مع أنواع أخرى فيما علمه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر رضي الله عنه حينما قال: (يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هذا فيه التوسل بحال السائل، والتوسل بصفة من صفات الله، والتوسل بأسماء الله، فأين هي حال السائل؟
قوله: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) وأين الصفة من صفات الله؟ قوله (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) لأن المغفرة صفة، وأين أسماء الله؟ قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم).
قولنا: التوسل بدعاء الرجل الصالح، نحن نعلم كلنا أن المراد: الرجل الصالح الحي الذي تطلب منه أن يدعو لك، وليس المراد التوسل بدعاء الميت وذلك أن الميت لا يبلغه، إذ أن عمله قد انقطع، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) ولهذا لا يجوز أن تقف على قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتقول: يا رسول الله! اشفع لي؛ لأنه لا يملك هذا، ولا يمكن أن يدعو لك بالشفاعة، فهو لا يملك أن يشفع، ولا يملك أن يدعو بالشفاعة وهو ميت، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] يعني: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله، أما كونه لا يملك أن يشفع في حال موته، فلقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) ومن العمل الدعاء، فالدعاء عبادة، ولا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدعو لأحدٍ بالشفاعة بعد موته.
وأقرب طريقٍ تحصل به على شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تخلص التوحيد لله، ولهذا قال أبو هريرة : (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ -ماذا قال؟- قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) هذا أسعد الناس بشفاعة الرسول.
فإذا كنت تريد شفاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقل: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك، وأنت متى قلت: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك فسوف تقوم بما تقتضيه هذه الشهادة العظيمة ألا وهو عبادة الله عز وجل.
أما التوسل الممنوع: فهو أن يتوسل الإنسان بما لم يجعله الله وسيلة، مثل: أن تتوسل بجاه الرسول، وجاه الرسول يعني: المنزلة التي له عند الله، ونحن نشهد ونؤمن بأن أعظم الناس جاهاً هو الرسول عليه الصلاة والسلام، فإذا كان موسى صلى الله عليه وسلم وجيهاً عند الله، وإذا كان عيسى وجيهاً في الدنيا والآخرة؛ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أولى بذلك بلا شك، ولكن ماذا تنفعني وجاهته عند الله؟ لا تنفعني؛ لأن وجاهته عند الله إنما هي منزلة جعلها الله له، أي لنفس الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو لا ينفعني، ولهذا نقول: من توسل إلى الله بجاه الرسول فقد شبه الله بخلقه، لماذا؟ لأنه لا يتوسل بالجاه إلا لدى المخلوقين، أنا مثلاً أجد هذا الرجل له منزلة عند شخص من الناس، وأقول: أتوسل إليك بجاه فلان، أو أسألك بجاه فلان للرجل، أما عند الله عز وجل فلا، لا تنفع الوجاهة إلا من جعلها الله له، أما بالنسبة لغيره فلا تنفعه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينادي الأقربين من أقاربه: (يا فاطمة بنت محمد! لا أغني عنك من الله شيئاً) وفاطمة بضعة منه، ومع ذلك لا يغني عنها من الله شيئاً، ولو كان الرسول وجيهاً عند الله عز وجل فإنه لا يغني شيئاً عند الله. ومن الشفاعة الممنوعة: ما ادعاه المشركون من قولهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] فهم يدعون أنهم يعبدون الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله، سبحان الله! هل هذا يقرب إلى الله أو يبعد؟ يبعد من الله، ولا يمكن أن تتقرب إلى الله بمعصيته إطلاقاً، ولهذا لو أن إنساناً أراد أن يقوم ويصلي بعد صلاة العصر نفلاً مطلقاً لا سبب له، هل هذا يقرب إلى الله؟ لا يقرب إلى الله؛ لأنه محرم؛ مع أنها صلاة عبادة يقوم الإنسان فيها لله عز وجل، يكبر الله ويتلو كتابه، ويركع ويسجد، ومع ذلك نقول: هذا الرجل لا تقربه صلاته لله؛ لأنها معصية، فلا يمكن أن يتقرب الإنسان إلى الله بمعصية إطلاقاً، فهؤلاء المشركون الذين يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] نقول: هؤلاء ضالون؛ لأن عبادة الأصنام لا تقرب إلى الله بل تبعد من الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (الرحمن)
هذه السورة من أعظم السور، ففيها ابتدأ الله تعالى بهذا الاسم الكريم: الرَّحْمَنُ [الرحمن:1] وهو مبتدأ وجملة عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:2] خبر المبتدأ، فما الرحمن؟ الرحمن اسم من أسماء الله، بل هو من أشرف أسمائه وأعظمها، والعجب أن المشركين ينكرونه، يقولون: ما الرحمن؟ ولا ندري ما الرحمن؟ حتى عند كتابة الصلح بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية ، النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: ما نعرف الرحمن؟! ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم -انتبه- ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله .. -وذكر بقية الحديث- قالوا: ما نقبل، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، فقال الرسول: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله) ثم ذكر الشروط.
انظر يا أخي! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي المصلحة في أمرٍ عظيم، في عدم كتابة اسم من أسماء الله، وفي عدم كتابة رسالته مع أنه حق، ولهذا قال: (إني والله لرسول الله وإن كذبتموني) تنازل عن اسم من أسماء الله وعن الإقرار برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، كل ذلك من أجل المصلحة، ولهذا لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية بركت الناقة، فزجرها فلم تقم، فقال الناس: خلأت القصواء -يعني: حرمت ولم تقدم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق) دافع حتى عن البهائم، الظلم لا أحد يرضاه، تظلم الناقة ويقال: خلأت وهي ليست من عادتها، ولكن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ولكن حبسها حابس الفيل، والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها شعائر الله إلا أجبتهم إليها) وفعلاً هذا الذي حصل؛ أجابهم على هذا الأمر العظيم، محو اسم الرحمن من البسملة، والثاني محو وصفه بالرسالة عليه الصلاة والسلام كل هذا لتعظيم حرمات الله، وتعرفون أيضاً أنه ذُكر شروط صعبة على المسلمين ومع ذلك قبلها، من أعظم الشروط: أن يرجع ولا يتموا العمرة، وأن يأتي من العام القادم، وألا يبقى إلا ثلاثة أيام، وأن من جاء منهم مسلماً رده إليهم، ومن ذهب إليهم من المسلمين لا يردونه، ما تقولون بهذا الشرط؟ إن ظاهره الحيف والجور، كيف نقول: من جاء منكم مسلماً رددناه إليكم، ومن جاءكم منا لا تردونه؟! ولهذا حاول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلغاء هذا الشرط، وناقش الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا رسول الله! ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قال: فلم نعطِ الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله ولن أعصيه وهو ناصري) فدل هذا على أن الشروط هذه كانت بإقرار من الله عز وجل، ثم ذهب عمر إلى أبي بكر ؛ لأن أبا بكر أخص الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اتخذه خليلاً، وهو الذي قال عنه: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت
ما الذي حصل بعد هذا؟ قصة أبي بصير رضي الله عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فألحقت به قريشٌ رجلين يطلبانه من الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما وصل المدينة وإذا بالرجلين يلحقانه، فطلبا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرده إليهما وقالا للرسول: الشرط يا محمد! فرده معهما وذهبا به إلى مكة وفي أثناء الطريق جلسوا يطعمون، فأخذ سيف واحدٍ منهما وجعل يمدح السيف بعد أن سله، ثم ضرب به رقبة صاحبه، ولما فعل هرب صاحبه الذي لم يقتل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهب أبو بصير بأثره حتى بلغ الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا رسول الله! إن الله تعالى قد أبرأ ذمتك حين رددتني معهما، ولكن الله أنقذني -أو كلمة نحوها- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو يجد من ينصره) فعرف أبو بصير أن الرسول سيرده مرة ثانية، فخرج من المدينة ونزل في سيف البحر على جادة قريش، إذا ذهبوا بعيرهم إلى الشام راجعين إلى مكة ، فصار كلما مرت عير لقريش أخذها؛ لأن قريشاً في ذلك الوقت كانوا حربيين بالنسبة لهذا الرجل، وإن كان بينهم العهد، لكن هذا الرجل رد إليهم فسمع به أناسٌ من الصحابة في مكة فخرجوا إليه واجتمعوا حتى كانوا عصابة، وفي النهاية رضخت قريش، وقالت: يا محمد! كف عنا هؤلاء وردهم! فرجعوا إلى المدينة.
فالمهم أننا نقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يدع شيئاً تعظم فيه حرمات الله إلا فعله، وأن أسعد الناس بشفاعته من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يدخلنا في شفاعته، وأن يسقينا من حوضه، وأن يجمعنا به في جنات النعيم.
يقول الله عز وجل: الرَّحْمَنُ والرحمن اسم من أسماء الله، وكل اسمٍ من أسماء الله يتضمن صفة من صفات الله، وليس في أسماء الله ما لا يدل على صفة إطلاقاً، لكن أسماء المخلوقين هل تدل على الصفات؟ لا. قد يقال: هذا (عبد الله) وهو من أكفر عباد الله، ليس فيه شيءٌ من صفات العبودية، وقد يقال: فلان اسمه (صالح) وهو من أفسد عباد الله، لكن أسماء الله لابد أن تتضمن صفة دل عليها هذا الاسم.
ولذلك أنا أقول: كل اسمٍ متضمنٍ لصفة، وليس كل صفةٍ متضمنة لاسم، وبهذا نعرف أن الصفات أوسع من الأسماء، إذ قد يوصف الله عز وجل بصفة ولكن لا يشتق منها اسم لله، ولكن كلما وجدت اسماً فإنه متضمن لصفة. مثلاً: الرحمن متضمن للرحمة، السميع للسمع، البصير للبصر، الحكيم للحكمة.. وهلم جرا، ولذلك غلط المعتزلة الذين يقولون أنهم عقلاء، فخالفوا العقل في قولهم: إن أسماء الله مجردة عن الصفات، نقول: كيف يمكن أن يسمى السميع ولا سمع له، هل هذا معقول؟! أبداً. ليس صحيحاً نقلاً ولا عقلاً.
(الرحمن) من رحمة الله عز وجل ما نراه من النعم الكثيرة واندفاع النقم، فكم لله علينا من نعمة!! وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18] كلها من آثار رحمته؛ المطر من رحمته، نبات الأرض من رحمته، الأمن من رحمته، الرخاء في العيش من رحمته: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53].
تفسير قوله تعالى: (علم القرآن)
القرآن: هو الذي نزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:192-195] أي: بلغة عربية بينة واضحة فصيحة.
أول القرآن يبتدئ بالفاتحة وينتهي بسورة الناس، هذا هو القرآن الذي نزل على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والذي قال الله عنه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ولهذا لا زيادة فيه ولا نقص، هذا القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلقاه الأصاغر عن الأكابر وسيبقى بإذن الله على هذا إلى أن يأذن الله بخراب العالم، فإذا أذن الله بخراب العالم فإنه ينزع من المصاحف وينزع من الصدور، إذا أعرض الناس عنه إعراضاً كلياً حينئذٍ ليس من الحكمة أن يبقى بين قومٍ لا يقدرونه قدره فينزع.
إذاً: نقول: القرآن هو أشرف علمٍ يتعلمه الإنسان، ولهذا لم نذكر سواه لأنه أشرف العلوم، وفي اللقاء الماضي حثثتكم حثاً حثيثاً على تعلم القرآن حفظاً وتلاوة ومعنىً وعملاً، وذكرت لكم أن هذا هو عمل الصحابة، كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.
تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان)
تفسير قوله تعالى: (علمه البيان)
الجواب: لا. بيان كل قومٍ بلغتهم، وعلى حسب ما يفهمونه، قال الله تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] فالبيان عند العرب: هو النطق باللغة العربية الفصحى، والبيان عند غير العرب على حسب لغتهم، ولذلك نجد أن من الناس من يقوم خطيباً في الناس ثم يسحرهم بخطبته، يتحولون من الرأي الذي كانوا عليه والذي أراد هذا الخطيب أن يمحوه من نفوسهم فيتحولون عنه بسبب البيان، وفي الحديث: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة).