لقاء الباب المفتوح [192]


الحلقة مفرغة

الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثاني والتسعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثلاثون من شهر رجب عام (1419هـ).

نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بالكلام عن شيءٍ من آيات الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)

قال الله تبارك وتعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] أي: أن من خاف مقام الله بين يدي الله يوم القيامة فإن له جنتين، هذا الخوف يستلزم شيئين:

الأول: الإيمان بلقاء الله عز وجل، لأن الإنسان لا يخاف من شيء إلا وقد تيقنه.

الثاني: أن يتجنب محارم الله، وأن يقوم بما أوجب الله خوفاً من عقاب الله تعالى، فيلزم كل إنسان أن يؤمن بلقاء الله عز وجل لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، وقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:22] فمن خاف هذا المقام بين يدي الله عز وجل فله جنتان.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:47] سبق الكلام عليها.

تفسير قوله تعالى: (ذواتا أفنان)

قال تعالى: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] أي: صاحبتا أفنان، والأفنان: جمع فنن وهو الغصن، أي: أنهما مشتملتان على أشجارٍ عظيمة، ذوات أغصانٍ كثيرة، وهذه الأغصان كلها تبهج الناظرين، وفيها من كل فاكهة زوجان.

تفسير قوله تعالى: (فيهما عينان تجريان)

قال تعالى: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50] فيهما -أي: الجنتين- عينان تجريان، وقد ذكر الله تعالى أن في الجنة أنهاراً من أربعة أصناف، فقال جل وعلا: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [محمد:15] والعينان اللتان تجريان يظهر -والله أعلم- أنهما سوى هذه الأنهار الأربعة.

تفسير قوله تعالى: (فيهما من كل فاكهة زوجان)

قال تعالى: فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:52] أي: في هاتين الجنتين (من كل فاكهة) والفاكهة: كل ما يتفكه الإنسان به مذاقاً ونظراً وشماً، فيشمل أنواع الفاكهة الموجودة في الدنيا، وربما يكون هناك فواكه أخرى ليس لها نظيرٌ في الدنيا.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:53].

تفسير قوله تعالى: (متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان)

قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن:54] أي: يتنعمون بهذه الفاكهة حال كونهم متكئين، وعلى هذا فكلمة (متكئين) تكون حالاً من فاعل الفعل المحذوف، أي: يتنعمون أو يتفكهون متكئين، والاتكاء قيل: إنه هو التربع؛ لأن الإنسان أريح ما يكون إذا كان متربعاً، وقيل: متكئين، أي: معتمدين على مساند من اليمين والشمال ووراء الظهر، (على فرش) أي: جالسين على فرش (بطائنها من إستبرق) أي: بطانة الفراش وهو ما يحابيه الفراش (من إستبرق) وهو غليظ الديباج، وأما أعلى هذه الفرش فهو من سندس، وهو رقيق الديباج، وكله من الحرير.

قال تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] تأمل أو تصور هذه الحالة! إنسان متكئ مطمئن مستريح، يريد أن يتفكه من هذه الفواكه هل يقوم من مكانه الذي هو مستقرٌ فيه متكئ ليتناول الثمرة؟ لا، بيَّن الله ذلك بقوله: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] قال أهل العلم: إنه كلما نظر إلى ثمرة وهو يشتهيها أنهرع الغصن حتى كانت الثمرة بين يديه، لا يحتاج إلى تعب أو قيام، بل هو متكئ ينظر إلى الثمرة مشتهياً إياها، فتدلى له بأمر الله عز وجل مع أنها جماد، لكن الله تعالى أعطاها إحساساً بأن تتدلى عليه إذا اشتهاها، ولا تستغرب الآن كل الأشجار في الغالب تستقبل الشمس! انظر إلى وجوه الأوراق في أول النهار تجدها متجهةً إلى المشرق، في آخر النهار تتجه إلى المغرب، فيها إحساس، كذلك أيضاً: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] قريب، يحس إذا نظر إليه الرجل أو المرأة فإنه يتدلى حتى يكون بين يديه. قال تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:55].

تفسير قوله تعالى: (فيهن قاصرات الطرف...)

قال تعالى: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ [الرحمن:56] (فيهن) أكثر الناس يقول: إن الضمير يعود إلى الجنتين، وأن الجمع باعتبار أن لكل واحدٍ من الناس جنة خاصة به، فيكون (فيهن) أي: في جنة كل واحد ممن هو في هذه الجنتين (قاصرات الطرف) وعندي أن قوله: (فيهن) يشمل الجنات الأربع، هاتين الجنتين والجنتين اللتين بعدهما، (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي: أنها تقصر طرفها -أي: نظرها- على زوجها، فلا تريد غيره، هذا وجه.

وهناك وجه آخر: قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أي: أنها تقصر طرف زوجها عليها فلا يريد غيرها، وعلى القول الأول: يكون قاصرات مضافاً إلى الفاعل، وعلى الثاني: يكون قاصرات مضافاً إلى المفعول، أي: أن طرفهن قاصر على الأزواج، أو أنه قاصرٌ طرفه عليها.

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] (لم يطمثهن) أي: لم يجامعهن، وقيل: إن الطمث مجامعة البكر، والمعنى: أنهن أبكار لم يجامعهن أحدٌ من قبل، لا إنس ولا جن، وفي هذا دليلٌ واضح على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة.

تفسير قوله تعالى: (كأنهن الياقوت والمرجان)

قال تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58] أي: في الحسن والصفاء (كالياقوت والمرجان) وهما جوهران نفيسان، (الياقوت) في الصفاء، (والمرجان) في الحمرة، أي: أنهن مشربات بالحمرة مع صفاءٍ تام.

تفسير قوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)

ثم قال عز وجل: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60] أي: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، الإحسان الأول العمل، والإحسان الثاني الثواب، أي: ما جزاء إحسان العمل إلا إحسان الثواب فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:61] ويأتي إن شاء الله الكلام عن الجنتين الأخريين.

قال الله تبارك وتعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] أي: أن من خاف مقام الله بين يدي الله يوم القيامة فإن له جنتين، هذا الخوف يستلزم شيئين:

الأول: الإيمان بلقاء الله عز وجل، لأن الإنسان لا يخاف من شيء إلا وقد تيقنه.

الثاني: أن يتجنب محارم الله، وأن يقوم بما أوجب الله خوفاً من عقاب الله تعالى، فيلزم كل إنسان أن يؤمن بلقاء الله عز وجل لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، وقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:22] فمن خاف هذا المقام بين يدي الله عز وجل فله جنتان.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:47] سبق الكلام عليها.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3398 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3353 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3318 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3297 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3283 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3119 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3092 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3039 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3036 استماع